الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ) فِي التَّهْذِيبِ، (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَعَنَ فَاعِلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ، وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ» ثُمَّ السِّمَةُ فِي نَعَمِ صَدَقَةِ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَفِي نَعَمِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْفَيْءِ جِزْيَةٌ أَوْ صِغَارٌ.
فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ
سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَكَافِرٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا وَفِي الْبَيَانِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا مُظْهِرَ الْفَاقَةِ، وَهُوَ حَسَنٌ وَفِي الْحَاوِي الْغَنِيُّ بِمَالٍ، أَوْ بِصَنْعَةٍ سُؤَالُهُ حَرَامٌ، وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ انْتَهَى، (وَدَفْعُهَا سِرًّا، وَفِي رَمَضَانَ وَلِقَرِيبٍ وَجَارٍ أَفْضَلُ) ،
ــ
[حاشية قليوبي]
الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْإِخْرَاجُ عِنْدَ التَّصْفِيَةِ وَالْجُذَاذِ. قَوْلُهُ:(وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ) سَوَاءٌ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وُسِمَ) بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْضًا، وَهُوَ لُغَةً: التَّأْثِيرُ بِالْكَيِّ بِالنَّارِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْوَجْهِ خَاصَّةً، وَالثَّانِي أَعَمُّ. قَوْلُهُ:(نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ) هُوَ قَيْدٌ لِلنَّدْبِ فَغَيْرُهَا مُبَاحٌ، وَمَوْضِعُهُ مِثْلُهَا، وَأَمَّا الْكَيُّ لِغَيْرِ الْوَسْمِ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا، إلَّا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ، وَأَمَّا الْخِصَاءُ فَحَرَامٌ إلَّا فِي مَأْكُولٍ صَغِيرٍ عُرْفًا لِطِيبِ لَحْمِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْإِنْزَاءُ فَجَائِزٌ فِيمَا لَا يَضُرُّ نَحْوُ مِثْلِهِ، أَوْ مُقَارِبِهِ كَخَيْلٍ بِمِثْلِهَا أَوْ بِحَمِيرٍ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ كَخَيْلٍ لِبَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ يُرَادُ بِهِ الْكَرَاهَةُ خَشْيَةَ قِلَّةِ الْخَيْلِ. قَوْلُهُ:(صُلْبٌ) بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرٌ) بِالظَّاءِ الشَّامِلَةِ أَيْ لِلنَّاسِ. قَوْلُهُ: (فِي الْغَنَمِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمَعْزِ، وَمِثْلُهَا مَا قَارَبَهَا كَالْغَزَالِ. قَوْلُهُ:(وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْأَفْخَاذُ) وَكَذَا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْفِيلَةُ وَنَحْوُهَا وَوَسْمُ الْغَنَمِ أَلْطَفُ، وَفَوْقَهُ الْحَمِيرُ، وَفَوْقَهُ الْبَقَرُ وَالْبِغَالُ وَفَوْقَهُ الْإِبِلُ، وَفَوْقَهُ الْفِيلَةُ. قَوْلُهُ:(لَا صَحَّ يَحْرُمُ) أَيْ فِي الْوَجْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ الْكَرَاهَةُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ طُرُقٌ، أَوْ أَوْجُهٌ مَعَ احْتِمَالِهِ لَهُمَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(لَعَنَ اللَّهُ إلَخْ) وَفِي نُسْخَةٍ: لَعْنُ فَاعِلِهِ بِالْإِضَافَةِ، وَجَازَ لَعْنُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ لِمُعَيَّنٍ وَلَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ كَالْجَمَادِ نَعَمْ يَجُوزُ لَعْنُ كَافِرٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ:(زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ) أَوْ طُهْرَةٌ أَوْ لِلَّهِ وَهُوَ أَبْرَكُ وَأَوْلَى وَلَا نَظَرَ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ مُلَاقَاتِهِ لِنَجَاسَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي نَعَمِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْفَيْءِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ) وَفِي بَقِيَّةِ الْفَيْءِ فَيْءٌ وَيَكْفِي عَنْ اللَّفْظِ أَكْبَرُ حُرُوفِهِ كَالْكَافِ مِنْ زَكَاةٍ وَالْجِيمِ مِنْ الْجِزْيَةِ.
فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ بِمَعْنَى الْغَيْرِ وَاجِبَةٍ فَصَحَّ الْإِخْبَارُ سُنَّةً أَيْ مُؤَكَّدَةً وَهَذَا بِاعْتِبَارِ دَفْعِهَا أَيْ إعْطَائِهَا سُنَّةً مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَوْ نَبِيًّا أَوْ كَافِرًا إلَّا لِمَانِعٍ كَإِعَانَةٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَذِكْرُ الْحِلِّ الْآتِي بِاعْتِبَارِ أَخْذِهَا وَقَبُولِهَا وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَلَوْ لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي لَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَحِلُّ لَهُ وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحِلِّ فِيهِمْ أَيْضًا. قَوْلُهُ:(وَتَحِلُّ) بِمَعْنَى يَحِلُّ قَبُولُهَا كَمَا مَرَّ بَلْ يَجِبُ عَلَى نَحْوِ مُضْطَرٍّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِغَنِيٍّ) بِمَا فِي الزَّكَاةِ قَالَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِهِ اعْتِبَارُ الْفِطْرَةِ كَ ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَكَافِرٍ) أَيْ غَيْرِ حَرْبِيٍّ وَكَذَا لَهُ مَعَ رَجَاءِ إسْلَامٍ أَوْ قَرَابَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ) هُوَ بَيَانٌ لِمَفْهُومِ يُسْتَحَبُّ وَتَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالتَّنَزُّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ قَبُولَهَا، وَسُؤَالُهُ وَلَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُظْهِرْ الْفَاقَةَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِصَنْعَةٍ) وَكَذَا بِكَسْبٍ. قَوْلُهُ: (سُؤَالُهُ حَرَامٌ) أَيْ عِنْدَ إظْهَارِ الْفَاقَةِ أَوْ مَعَ إلْحَاحٍ أَوْ إيذَاءٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمَسْئُولِ أَوْ إلْجَاءٍ إلَى الْإِعْطَاءِ لِحَيَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَوْ عِنْدَ فَقْدِ صِفَةٍ أَعْطَى لِأَجْلِهَا قَالَ شَيْخُنَا: وَحَيْثُ حَرُمَ لَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَّا إذَا عَلِمَ الْمُعْطِي بِحَالِهِ فَيَمْلِكُهُ، وَلَا حُرْمَةَ إلَّا إنْ أَخَذَهُ بِسُؤَالٍ أَوْ إظْهَارِ فَاقَةٍ فَيَمْلِكُهُ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَحَيْثُ أَعْطَاهُ عَلَى ظَنِّ صِفَةٍ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهَا وَلَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَمْلِكْ مَا أَخْذَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ عُقُودِ التَّبَرُّعِ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَقْفٍ وَنَذْرٍ وَوَصِيَّةٍ فَرَاجِعْهُ.
تَنْبِيهٌ: مَتَى حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ وَأَعْطَاهُ لِأَجْلِ صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُ مَا أَخَذَهُ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ بِهِ رَغِيفًا لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي إدَامٍ مَثَلًا أَوْ أَعْطَاهُ رَغِيفًا لِيَأْكُلَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِهِ، وَهَكَذَا إلَّا إنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةٌ بِأَنْ ذَكَرَ الصِّفَةَ لِنَحْوِ تَجَمُّلٍ كَقَوْلِهِ
ــ
[حاشية عميرة]
تَنْبِيهٌ الْكَيُّ بِالنَّارِ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ، وَتَرْكُهُ تَوَكُّلًا أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ خِصَاءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ. وَيَحْرُمُ فِي غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ الصِّغَرِ الْعُرْفُ، وَيَحْرُمُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَيُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي قِلَّتِهَا.
[فَصْل صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ]
ِ سُنَّةٌ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِ قَبُولِهَا عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ، فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: 4] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُسْتَشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ» . قَوْلُهُ: (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ، وَإِلَّا فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُهُ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ وَنَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ.
مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا، وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلِغَيْرِ قَرِيبٍ، وَغَيْرِ جَارٍ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
(وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ، (حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ) ، فَالتَّصَدُّقُ بِدُونِ أَدَائِهِ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً) لَوْ تَصَدَّقَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ رَجَا وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ، وَفِيهَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ قِيلَ يَحْرُمُ، وَإِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ أَيْ إنَّهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
لِتَشْرَبَ بِهِ قَهْوَةً مَثَلًا فَيَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا شَاءَ.
فَرْعٌ: يُنْدَبُ التَّنَزُّهُ عَنْ قَبُولِ صَدَقَةٍ لِنَحْوِ شَكٍّ حِلٍّ أَوْ هَتْكِ مُرُوءَةٍ أَوْ دَنَاءَةٍ أَوْ ظَنُّهُ أَنَّهَا لِغَرَضٍ، وَلَوْ أُخْرَوِيًّا وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ، وَإِنْ كَثُرَ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ إلَّا إنْ عَلِمَ حُرْمَةَ الْمَأْخُوذِ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ عَرَفَهُ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ. قَوْلُهُ:(وَدَفْعُهَا سِرًّا) بِعَدَمِ اطِّلَاعِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي رَمَضَانَ) وَعَشْرُهُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيهِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الْفَضِيلَةِ مَا يَكُونُ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَكُسُوفٍ، وَيُؤَخَّرُ عَنْهُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ نَحْوَ مَكَّةَ ثُمَّ الْمَدِينَةِ ثُمَّ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، أَوْ الْأَمْكِنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فِي ذَاتِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَرْعٌ: يُنْدَبُ التَّصَدُّقُ عَقِبَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ، وَبِنَحْوِ ثَوْبٍ قَدِيمٍ لِمَنْ لَبِسَ بَدَلَهُ جَدِيدًا. قَوْلُهُ:(وَلِقَرِيبٍ) وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ بَعُدَ فِي الْقَرَابَةِ أَوْ بَعُدَتْ دَارُهُ بِعَمْدِ أَلَّا يَمْنَعَ نَقْلَ الزَّكَاةِ، أَوْ كَانَ كَافِرًا، وَأَفْضَلُهُ مُحَرَّمُ نَسَبٍ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ زَوْجٌ ثُمَّ مُحَرَّمُ رَضَاعٍ ثُمَّ مُصَاهَرَةٍ، ثُمَّ مَوْلَاهُ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ. وَالْعَدُوُّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَجَارٌ) أَيْ بَعْدَ الْقَرِيبِ وَيُقَدَّمُ مِنْهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ أَفْضَلُ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْأَحْوَجُ فِي جَمِيعِ الْمَذْكُورِينَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُسْلِمُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَافِرِ. قَوْلُهُ:(أَفْضَلُ) بِمَعْنَى أَنَّ الصَّدَقَةَ الْوَاقِعَةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاقِعَةِ فِي غَيْرِهِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَطْلُبُ تَأْخِيرَ الصَّدَقَةِ إلَيْهَا وَإِكْثَارُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ أَفْضَلُ أَيْضًا. قَوْلُهُ:(مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا) إلَّا لِنَحْوِ اقْتِدَاءٍ بِهِ وَخَلَا بِهِ عَنْ نَحْوِ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ، وَإِلَّا كَدَفْعِ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَجَهْرًا أَفْضَلُ فِيهِمَا، وَكَذَا الْمَالِكُ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ فَقَطْ.
تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُخْتَلَفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، فَقَبُولُ الزَّكَاةِ لِنَحْوِ كَسْرِ نَفْسٍ أَوْ مِمَّنْ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ لَمَنَعَهَا أَفْضَلُ وَعَكْسُهُ الصَّدَقَةُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ مُؤْنَتُهُ وَمِنْهُ نَفْسُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، لَا يُسْتَحَبُّ وَهِيَ تَصْدُقُ بِالْإِبَاحَةِ. قَوْلُهُ:(خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ) وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ) وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) مِمَّا مَرَّ وَمَعَ الْحُرْمَةِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفَارَقَ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَةِ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالضِّيَافَةُ كَالصَّدَقَةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ أَدْنَى ضَرَرٍ لَهُ أَوْ لِمُمَوَّنِهِ وَالْمُرَادُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلُهُ:(لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) نَعَمْ إنْ أَذِنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِلْمُتَصَدِّقِ فِي التَّصَدُّقِ، وَقَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ لَمْ يَحْرُمْ التَّصَدُّقُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ:(أَوْ لِدَيْنٍ) أَيْ وَالْمُتَصَدِّقُ بِهِ مِمَّا يُعْتَادُ أَنْ يَصْرِفَ فِي الدَّيْنِ لَا نَحْوُ لُقْمَةٍ أَوْ رَغِيفٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى) أَيْ ظَاهِرَةٍ نَعَمْ الْإِيرَادُ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا بِعَكْسِ مَا مَرَّ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الِاسْتِدْرَاكِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيًا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْآتِي. قَوْلُهُ:(وَفِيهَا إلَخْ) أَوْرَدَهُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ مِنْ عِبَارَتِهِ وَقَدْ يَشْمَلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ عِنْدَ حُلُولِهِ. قَوْلُهُ: (قِيلَ يَحْرُمُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّبْرِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْمَنْعِ أَوْ بِالْجَوَازِ وَحَيْثُ لَا حُرْمَةَ فِيمَا ذُكِرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ قِصَّةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي الله عنه فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ أَحْوَجَ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ حَاجَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكِسْوَةِ فَصْلٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا م ر وَفِي ابْنِ حَجَرٍ عَنْ حَاجَةِ سَنَةٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ لِنَدْبِ التَّصَدُّقِ بِهِ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(عَلَى الْإِضَافَةِ) أَيْ الضِّيقِ مِنْ أَضَاقَ الشَّخْصُ يَضِيقُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا تَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ لَا مِنْ ضَاقَ بِمَعْنَى بَخِلَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُسْتَحَبُّ) بَلْ يُكْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَدَفْعُهَا سِرًّا) أَيْ وَلَا يَتَحَدَّثُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي هِبَةِ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ.