الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
161 - ومنها: التشبه في الإساءة إلى مَنْ أحسن إليه بالبغل، والضبع، والكلب، والذئب، والحية
.
ومن أمثال العوام: كالبغل تُهيء له العَلَف وهو يُهيء لك الرَّفْسة.
وتقول العرب فيمن عمل المعروف مع غير أهله: مُجيرُ أُمِّ عامر، وهي كنية الضبع (1).
روى البيهقي في "الشعب" عن أبي عبيدة: أنه سأل يونس بن حبيب عن المثل المشهور: كمجير أم عامر؛ قال: كان من حديثه أنَّ قومًا خرجوا إلى العيد في يومٍ حار، فرأوا ضبعا فطردوها، فاقتحمت حيَّ أعرابي، فأجارها منهم، وسقاها ماءً ولبناً، فبينما هو نائم إذ وثبَتْ فبقرَتْ بطنه وشربَتْ دمه، وأكلَتْ حشوته، فجاء ابن عم له فرآها فاتبعها حتى قتلها، وأنشأ يقول:[من الطويل]
ومَنْ يَصْنعِ المعروفَ مَعْ غَيْرِ أَهْلِهِ
…
يُلاقِي الَّذِي لَاقَى مُجِيرُ امَّ عامِرِ
أَدَامَ لَها حِينَ اسْتَجارَتْ بقُربِه
…
قِراها مِنْ أَلْبانِ اللِّقاحِ الغَرائِر
(1) انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري (1/ 525).
فَقُلْ لِذَوِي الْمَعْرُوفِ: هَذا جَزاءُ مَنْ
…
غَدَا يَصْنعُ الْمَعْرُوفَ مَعْ غَيْرِ شاكِرِ (1)
وذكره الزمخشري بنحوه، وأنشد البيت الثاني مضمومًا إليه هكذا:[من الطويل]
أَدَامَ لها حينَ استجارَتْ بِقُرْبِه
…
لَها مَحْضَ أَلْبانِ اللِّقاحِ الدَّرائرِ
وَأَسْمَنَها حَتَّى إِذا ما تَكامَلَت
…
فَرَتْهُ بِأَنْيابٍ لَها وَأَظَافرِ
فَقُلْ لِذَوِي الْمَعْرُوفِ هَذا جَزاءُ مَنْ
…
بَدَا يَصْنعُ الْمَعْرُوفَ مَعْ غَيْرِ شاكرِ (2)
وقالوا: سَمَّنْ كلبك يأكلْك.
قال الزمخشري: يُضرب للئيم يجازي بالإحسان إساءة، والنهي عن بره.
وقال: كان لرجلٍ من طسم كلبٌ يُربيه رجاء الصيد به، فضرب، فجاع يومًا، فوثب عليه حتى افترسه، وفيه يقول طرفة:[من المنسرح]
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7/ 453).
(2)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (2/ 233).
كَكَلْبِ طسْمٍ وَقَدْ تُرَبيَّهِ
…
يَعُلُّهُ بِالْحَلِيبِ فِي الغَلَسِ
ظَلَّ عَلَيْهِ يَومًا يُفَرْفِرُهُ
…
إِنْ لا يَلِغْ فِي الدَّماءِ يَنْتَهِسِ
قال: وأنشد أبو زيد: [من البسيط]
مَنْ ذا يُسَمِّنُ كَلبًا سَوْفَ يَأكلُهُ
…
يَعْدُو عَلَيهِ كَعَدْوِ الباسلِ الضَّاري
قال: وقال حاجب بن دينار المازني: [من الطويل]
وَكَمْ مِنْ عَدُوًّ قَدْ أَعَنْتُمْ عَلَيكُمُ
…
بِمالٍ وَسُلْطانٍ إِذا أَسْلم الْحبلُ
كَذِي الكَلْبِ لَمَّا أَسْمنَ الكَلْبَ رابَهُ
…
بِإحْدى الدَّواهي حِينَ فارَقَهُ الْهزلُ (1)
وقالوا في المثل: لا تقتن من كلب سوءٍ جرواً.
قال الزمخشري: يضرب في النهي عن اصطناع من لا عرق له (2).
وروى ابن السمعاني في "أماليه" عن عبد الملك بن قُريب؛ هو الأصمعي رحمه الله تعالى قال: دخلت البادية، فإذا أنا بأعرابية ترعى، وهي تقول:[من الوافر]
قَتَلْتَ شُويْهَتِي، وَفَجَعْتَ قَوْمِي
…
مَحاوِيْجًا وَأَنْتَ لَهُمْ رَبِيبُ
غُدِيتَ بِدِرَّها وَنَشَأْتَ فِينا
…
فَمَنْ أدْراك أن أباكَ ذِئْبُ
إِذا كانَ الطَّباعُ طِباعَ سَوْءٍ
…
فَلَيْسَ بِنافي أَدَبٌ أَدِيبُ
فقلت: يا خالة! ما هذا الكلام؟
(1) انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (2/ 121).
(2)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (2/ 258).
فقالت: لا والله إني التقطت فرخ ذئب، فألفيته على شويهتي، فلم تزل ترضعه حتى اشتد وقوي، فخرجتُ يومًا لبعض حوائجي ثم رجعت، فإذا هو يَلَغ في دمها، فقلت ما قلت.
وروى البيهقي في "الشعب" قريبًا من هذه القصة، وتقدمت.
وروى أبو نعيم عن يحيى بن عبد الحميد قال: كنت في مجلس سفيان بن عُيينة رحمه الله تعالى، فاجتمع عليه ألف إنسان أو يزيدون أو ينقصون، فالتفت في آخر مجلسه إلى رجل كان عن يمينه، فقال: قم حدث القوم حديث الحية.
فقال الرجل: أسندوني.
فأسندناه، وشال جفون عينيه، فقال: ألا فاسمعوا وعُوا:
حدثني أبي عن جدي: أن رجلًا كَان يُعرف بابن حمير، وكان له ورع، يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج ذات يومٍ يتصيد إذ عرضت له حية، فقالت: يا محمد بن حمير! أجرني أجارك الله.
قال لها: ممن؟
قالت: من عدوِّ قد ظلمني.
قال لها: وأين عدوك؟
قالت له: من ورائي.
قال لها: ومن أمة مَنْ أنت؟
قالت: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: ففتحت ردائي، وقلت: ادخلي فيه.
قالت: يراني عدوي.
قال: فشلت طمري، وقلت: ادخلي بين طمري وبطني.
قالت: يراني عدوي.
قلت: فما الذي أصنع بك؟
قالت: إنْ أردْتَ اصطناع المعروف فافتح لي فاك حتى أنساب فيه.
قلت: أخشى أن تقتليني.
قالت: لا والله لا أقتلك، الله شاهدٌ عليَّ بذلك، وملائكتُه، وأنبياؤه، وحملة عرشه، وسكان سماواته إنْ أنا قتلْتُك.
قال محمد: ففتحت فيَّ، فانسابَتْ فيه ثم مَضَيْتُ، فعارضني رجلٌ معه صمصامة، فقال لي: يا محمد!
قلت: وما تشاء؟
قال: لقيت عدوي؟
قلت: ومَنْ عدوك؟
قال: حية.
قلت: اللهم لا، واستغفرت ربي من قولي (لا) مئةَ مرة، ثم مضيت قليلاً، فأَخْرَجَتْ رأسها من فيَّ، وقالت: انظر مضى هذا العدو؟
فالتفت، فلم أرَ أحدًا، قلت: لم أرَ أحدًا، إنْ أردْتِ أن تخرجي لها خرجي.
فقالت: الآن يا محمد! فاختر واحدةً من اثنتين: إما أن أُفَتَّتْ كبدك، أو أثقب فؤادك وأَدَعُكَ بلا روح.
فقلت: سبحان الله! أين العهد الذي عهدت، واليمين الذي حلفت؛ ما أسرع ما نسيت!
قالت: يا محمد! لِمَ نسيت العداوة التي كانت بيني وبين أبيك آدم عليه السلام حيث أخرجته من الجنة؟
على أي شيءٍ أردت اصطناع المعروف مع غير أهله؟
قلت لها: لا بدَّ أن تقتليني؟
قالت: لا بدَّ من ذلك.
قلت لها: فأمهليني حتى أصير تحت هذا الجبل فأُمَهِّد لنفسي موضعاً.
قالت: شأنَك.
فمضيت أريدُ الجبل وقد أيست من الحياة، فرفعت رأسي إلى السماء، وقلت: يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! الطف بي بلطفك الخفي، يا لطيف! بالقدرة التي استويت بها على العرش، فلم يعلم العرش أين مستقرك منه، إلَاّ كفيتني هذه الحية، ثم مشيت، فعارضني رجل طيب الرائحة نقي الدرن، فقال لي: سلامٌ عليكم.
قلت: وعليك السلام يا أخي.
قال لي: ما لي أراك قد تغير لونك؟
قلت: من عدو قد ظلمني.
قال: وأين عدوك؟
قال: في جوفي.
قال لي: افتح فاك.
قال: ففتحت فمي، فوضع فيه مثل ورقة زيتونة خضراء، ثم قال لي: امضغ وابلع.
قال: فمضغت وبلعت، فلم ألبث إلا يسيرًا حتى مغصني بطني، ودارَتْ في بطني، فرميْتُ بها من أسفلَ قطعةً قطعةً، فتعلَّقْت بالرجل، وقلت: يا أخي! مَنْ أنت الذي مَنَّ الله عليَّ بك؟
فضحك، ثم قال: ألا تعرفني؟
قلت: اللهم لا.
قال: يا محمد بن حمير! إنه لما كان بينك وبين الحية ما كان دَعَوْتَ الله بذلك الدعاء، فضجت ملائكة السَّبعِ سماوات إلى الله تعالى، فقال: وعزتي وجلالي! بعيني كل ما صنعت الحية بعبدي.
وأمرني سبحانه وتعالى وأنا يقال لي: المعروف، مستقري في السماء الرابعة - أنِ انطلق إلى الحية، وخذ ورقة خضراء، والحق بها عبدي محمد بن حمير.
يا محمد! عليك باصطناع المعروف؛ فإنه يقي مصارع السوء،
وإنه - وإن ضيَّعه المصطنع إليه - لم يضع عند الله تعالى (1).
قلت: وفي هذا المعنى ما أسنده ابن السمعاني في "أماليه" عن أبي العباس أحمد بن يحيى: [من الوافر]
يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيثُ كانَتْ
…
تَجَمَّلَها شَكُورٌ أَوْ كَفورُ
فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَها جَزاءٌ
…
وَعِنْدَ اللهِ ما كَفَرَ الكَفُورُ (2)
وروى ابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فِعْلُ المَعْرُوْفِ يَقِيْ مَصَارِعَ السُّوْءِ، وَعَلَيْكُمْ بِصَدَقَةِ السَّرِّ؛ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبَّ عز وجل"(3).
وروى أبو الشيخ في "الثواب" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المَعْرُوْفُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُوَ يَقِيْ مَصَارِعَ السُّوْءِ"(4).
والحية في قصة محمد بن حمير يحتمل أنها كانت شيطاناً في صورة حية، والله تعالى يُهلك مَنْ يشاء من الشياطين.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 293 - 294).
(2)
وانظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 248).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج"(ص: 22)، وكذا البيهقي في "شعب الإيمان"(3442).
(4)
ورواه ابن أبي حاتم في "علل الحديث"(1/ 422) وقال: قال أبي: منكر.
والذي سأل النظرة إبليس.
ويحتمل أنها كانت حية على أصل خَلْقها، وإنما أنطقها الله تعالى لتكون عبرة لابن حمير، ولِيُتِمَّ ابتلاؤه بها.
وقد اختلف الناس في اصطناع المعروف، هل يتعين أن يكون مع أهله أم لا؟
فمنهم مَنْ قال بالأول، وقال:
وَمَنْ صَنَعَ الْمَعْرُوفَ مَعْ غَيْرِ أَهْلِهِ
…
أَضاعَهُ كَمُجِيرِ أُمِّ عامِرِ
وروى أبو نعيم عن علي بن أبي حملة قال: قال لي زياد بن صخر اللخمي: إذا صنعت يدًا فاصنعها إلى ذي دين وحسب (1).
وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَصْلُحُ المَعْرُوْفُ إِلَاّ عِنْدَ ذِيْ حَسَبٍ وَدِيْنٍ، كَمَا لا تَصْلُحُ الرِّيَاضَةُ إِلَاّ فيْ نَجِيْبٍ"(2).
وروى أبو نعيم عن الربيع قال: سمعت الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: إذا أخطأتك الصنيعة إلى مَنْ يتقي الله، فاصنعها إلى مَنْ يتَّقي العار.
قال: وسمعت الشافعي كتابه يقول: ما رفعت أحدًا فوق منزلته
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 91).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(10965) وقال: هكذا رواه جماعة من الضعفاء عن هشام.
إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، وصححوه، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُصَاحِبْ إِلَاّ مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلَاّ تَقِيٌّ"(2).
وقيل:
ضاعَ مَعْرُوفُ واضعِ العُرفِ في غَيرِ أَهْلِهِ.
- ومنهم من قال بالثاني: إن ضاع المعروف عند مَنْ صنعته إليه فهو لا يضيع عند الله تعالى، كما تقدم في قصة ابن حمير عن المَلَك المسمى بالمعروف.
وروى الإمام الشافعي، والبيهقي في "المعرفة" عن محمد بن علي مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افْعَلِ المَعْرُوْفَ إِلىْ مَنْ هُوَ أَهْلُهُ وَإِلىْ مَنْ لَيْسَ هُوَ أَهْلُهُ؛ فَإِنْ أَصَبْتُمْ أَهْلَهُ فَقَدْ أَصَبْتُمْ أَهْلَهُ، وَإِنْ لَمْ تُصِيبوْا أَهْلَهُ فَأَنْتُمْ أَهْلُهُ"(3).
وقال محمود الوراق رحمه الله تعالى: [من البسيط]
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 146).
(2)
رواه الإمام أحمد (3/ 38)، وأبو داود (4832)، والترمذي (2395) وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"(554)، والحاكم في "المستدرك"(7169).
(3)
رواه الشافعي في "السنن المأثورة"(ص: 334)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(2624).
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لا يَعْدَمْ جَوائِزَهُ
…
لا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ والناسِ
وهذا أليق بالجودة فإنَّ فِعْل المعروف سواءَ كان ببذل مالٍ، أو شفاعة، أو مساعدة في حمل متاع، أو حمل هم، أو دفع عدو، أو نحو ذلك كله من أحوال الدنيا، وهي لا قيمة لها حتى يتوقف باذلها على أن يجد أهلاً للمعروف أو لا يجد.
وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن الله تعالى يعطي الدنيا لمن يحب ومَنْ لا يحب (1).
وصدق؛ ألا ترى أن الله تعالى يرزق في الدنيا الكافر، والمنافق، والفاسق، والشياطين، والأفاعي، والهوام؟
والعبد ينبغي أن يتخلق بأخلاق الله تعالى.
وأمَّا إذا كان المعروف من متعلقات الآخرة كالعلم، فهل يعلِّمه لكل أحدٍ، أم ينظر في نية الطالب إنْ كان طلبه للعلم لله علَّمه أو للدنيا لم يعلمه؟
- فمنهم مَنْ قال: لا بدَّ من حسن نية الطالب، وإلا كان واضح الدُّرَّ في أعناق الخنازير.
- ومنهم مَنْ قال: يعلمه مطلقًا - وإنْ كانت نيته الدنيا - فعسى أن يكون علمه داعيًا إلى حُسن نيته.
وقد قال جماعة من السَّلف: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34545).
يكون إلَاّ لله.
وعلى كل قول: لا بدَّ أن يكون المعروف مع من لم يمنع الشرع من اصطناعه معه، فلا تجوز الشفاعة في حدود الله عند الحاكم، ولا الحماية من إقامة الحد كأن يشفع في سارق أنْ لا تُقْطَع يده، أو يمنع من قطعه وكذلك بقية الحدود.
وكذلك ليس من اصطناع المعروف أن تشفع في هذا الزمان في تولية القضاء والحكم والإمارة؛ إذ تعلم يقيناً أنَّ القضاة يمنعون الحكم، ويأخذون عليه الجُعَل، والأمراء يظلمون.
وليس من المعروف تحليل المطلقة، ولا السعي في تحصيل ما يسميه القضاة الآن محصولاً، ولا جهد المفتي في تحصيل وجه للمستفتي يحتال فيه على إضاعة حق الغير، أو التوصل إلى مال الغير بالباطل، فليس منه [
…
] حية، أو عقرب، أو نحوهما وقد قدرت عليه؛ لأنَّ الشرع قد أمر أن تقتل الحيات والعقارب، وبقية الفواسق والمؤذيات.
وأما قصة ابن حمير فلعله لم يكن فقيهًا.
وكذلك لا يحتج بقصة مالك بن خزيم، ونحوها مما حُكي عن أهل الجاهلية.
وإنما نذكر هذه القصص ونحوها للاعتبار فقط، وإنما القدوة بالنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده.
وقصة ابن خزيم رواها ابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" عن
أعشى همدان الشاعر قال: سمعت رجلاً منا يحدث قال: خرج مالك ابن خزيم الهمداني الشاعر في الجاهلية ومعه نفر من قومه يريدون عكاظ، فاصطادوا ظبيا في طريقهم وقد أصابهم عطش، فانتهوا إلى مكان يُقال له: أجيرة، فجعلوا يفصدون دم الظبي ويشربونه من العطش حتى إذا نفد ذبحوه، ثم تفرقوا في طلب الحطب، ونام مالك في الخباء، وأتى أصحابه فإذا بشجاع، فانساب حتى دخل خباء مالك، فأقبلوا فقالوا: يا مالك! عندك الشجاع فاقتله، فاستيقظ مالك، فقال: أقسمت عليكم لمَّا كففتم عنه، فكفوا، فانساب الأسود فذهب، وأنشأ مالك يقول:[من الوافر]
وَأَوْصَانِي الْخُزيمُ بِعِزِّ جارِي
…
فَأَمْنَعَهُ، وَلَيْسَ بِهِ اِمْتناعُ
وَأَدْفَعُ ضَيْمَهُ وَأَذُودُ عَنْهُ
…
وَأمْنَعُهُ إذا مُنِعَ الْمَتاعُ
فَذَلِكُمُ فَإِنِّي لَسْتُ أَسْخُو
…
بِشَيْءِ ما اسْتَجارَ بِيَ الشُّجاعُ
وَلا تتحمَّلوا دَمَ مُسْتجيرٍ
…
تَضَمَّنَهُ أجيْرة فَالقداعُ
فَإِنَّ لِما تَرَوْنَ خَفِيَّ أَمْرٍ
…
لَهُ مِنْ دُونِ أَمْرِكُم قِناعُ
ثم ارتحلوا وقد أجهدهم العطش، فإذا هاتف يهتف بهم، ويقول:[من البسيط]
يا أَيُّها القَومُ لا ماءٌ أَمامَكُمْ
…
حَتَّى تَسُومُوا الْمَطايا يَوْمَها تَعَبا
ثُمَّ اعْدِلُوا شامَةً فَالْماءُ عَنْ كَثَبٍ
…
عَيْنٌ رواءٌ وَماءٌ يُذْهِبُ اللَّغبا
حَتَّى إِذا ما أَصَبْتُمْ مِنْهُ رَيَّكُمُ
…
فَاسْقُوا الْمَطايا وَمِنْهُ فَامْلَؤُوا القِرَبا