الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالعقرب، والزنبور يجوز لعنه، وما لا يؤذي كالنمل، والشاة، أو لا تتمحض للأذية كالبرغوث، أو ما نفعه أكثر من ضرره كالدابة الشموس، فلا ينبغي أن تُلعن أو تُسب، ومن ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الدابة.
-
ومن ذلك الهدهد:
وقصته مع سليمان عليه السلام، ومحاورته معه في كتاب الله، والقرآن ناطقٌ بأنه كان رسولاً إلى ملكة سبأ.
والتشبه به بأن يكون العبد حسن المحاورة خصوصاً مع الأكابر والملوك ناصحاً لهم.
وفي الحديث: "الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ".
قيل: لمن يا رسول الله؟
قال: "للهِ وَلَرسُوْلهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِيْنَ وَعَامَّتِهِمْ". رواه مسلم، وغيره من حديث تميم الداريِّ رضي الله تعالى عنه (1).
وقصة سليمان عليه السلام هذه أصل في إرسال الملوك الرسل، والبريد في مآربهم.
وينبغي لمرسل الرسول أن يختاره حسن الاسم حسن الوجه، حسن العبادة، كامل العقل؛ فإن سليمان عليه السلام اختار الهدهد لذلك لما رأى فيه من الكفاءة ولحسن اسمه وصورته؛ فإن اسمه كأنه منقول من الأمر مِنْ هاد: إذا رجع مكرراً.
(1) تقدم تخريجه.
ومن لطائفِ الزمخشري في "الكشاف": [من المجتث]
يا طالِبَ اللهِ هَدْ هِدْ
…
وَاسْجُدْ كَأَنَّكَ هُدْهُدْ (1)
وروى البزار، والطَّبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا بَعَثْتُمْ إِلَيَّ رَجُلاً فَابْعَثُوْهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ"(2).
وروى البزار عن بريدة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ بَرِيْدًا فَابْعَثُوْهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الْوَسْمِ"(3).
وينبغي للمرسل أن يحسن البلاع ويُبينه، وما على الرسول إلا البلاع المبين.
- ومن أوصاف الهدهد ما يذكر أنه يرى الماء في باطن الأرض كما يراه الإنسان من باطن الزجاج، وأنه كان دليل سليمان عليه السلام على الماء، ولهذا توعَّده لما فقده.
وروى ابن عدي، والبيهقي في "الشعب": أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن سليمان عليه السلام مع ما خوَّله الله تعالى من الملك وأعطاه، كيف عني بالهدهد مع صغره؟
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (2/ 156)، وعنده:"يا راكب الذنب" بدل "يا طالب الله".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
كذا عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 149) إلى البزار.
فقال له ابن عباس: إنه احتاج إلى الماء، والهدهد كانت له الأرض كالزجاج.
فقال له ابن الأزرق: قف يا وقاف، كيف ينظر الماء من تحت الأرض، ولا يرى الفخ إذا غطي له بقدر إصبع من تراب؟
فقال ابن عباس: إذا نزل القضاء عَمِيَ البصر (1).
ومن لطائف قول بعضهم: [من البسيط]
جاءَتْ سُلَيمانَ يَومَ العَرْضِ هُدْهُدَةٌ
…
أَهْدَتْ إِلَيْهِ جَراداً كانَ فِي فِيْها
وَأَنْشدَتْ بِلِسانِ الْحالِ قائِلَةً
…
إِنَّ الْهَدايا عَلى مِقْدارِ مُهْدِيها
لَوْ كانَ يُهْدى إِلَى الإِنْسانِ قِيمَتُهُ
…
فَأَنْتَ قِيمَتُكَ الدُّنْيا وَما فِيها
والاعتبار في ذلك أن الهدية تستعطف القلوب، وهي مطلوبة ما لم يكن المطلوب بها إبطال حق إلى التوصل إلى باطل؛ فإنها تنقلب رشوة وتكون سُحتاً.
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(249)، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف"(31852)، والطبري في "التفسير"(19/ 144)، والحاكم في "المستدرك"(3526) بمعناه.