الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: لا أترك من الدنيا شيئاً أُذكر به (1).
-
ومما وصفت العرب به الحمام: الحزن
، وتزعم أن هديلها وهو صوتها كالهدير -بالراء - لفقد هديلها.
والهديل: الذكر من الحمام.
قال في "الصحاح": والهديل: فرخ كان على عهد نوح عليه السلام، فصاده جارح من جوارح الطير؛ قالوا: فليس من حمامةٍ إلا وتبكي عليه (2).
قال الشاعر: [من الوافر]
وما مَنْ تَهْتِفِينَ بِهِ لِنَصْرٍ
…
بِأَسْرَعَ جابة لَكِ مِنْ هَدِيلِ
وحكى في "القاموس" قولاً آخر: أن الهديل مات عطشاً (3).
والحزن إما لفقد محبوب كالولد وغيره، وهو جبلة في الإنسان لا يُلام عليه إلا أنه ينبغي له التصبر بقدر إمكانه، فأما التحزن وتكلف الحزن بالندب ونحوه فذلك مذمومٌ مكروه.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام، وابن سعد في "طبقاته"، وابن أبي شيبة، وابن المنذر عن يونس قال: لما مات سعيد بن الحسن
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(10749).
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1848)(مادة: هدل).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1382)(مادة: هدل).
-يعني: البصري- حزن عليه الحسن حزناً شديداً، فكلم الحسن في ذلك، فقال: ما سمعت الله عاب على يعقوب الحزن (1).
وروى ابن جرير عن الحسن مرسلاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: ما بلغ وَجْدُ يعقوبَ على ابنه؟
قال: "وَجْدَ سَبْعِيْنَ ثَكْلَىْ".
قيل: فما لَه من الأجر؟
قال: "أَجْرُ مِئَةِ شَهِيْدٍ، وَمَا سَاءَ ظَنُّهُ بِاللهِ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نهارٍ"(2).
وروى ابن أبي الدنيا في "الحزن" عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، عن خاله هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليس له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة (3).
وروى هو والطبراني في "الكبير"، والحاكم وصححه، عن أبي الدَّرداء رضي الله تعالى عنه، والديلمي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِيْنٍ"(4).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(33942).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(13/ 46).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 27).
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 28)، والطبراني في "مسند الشاميين"(1480)، والحاكم في "المستدرك"(7884)، وكذا الديلمي =
وهو شامل للحزن على فقد المحبوب، والحزن على ما فات من العمر ضائعاً في غير طاعة الله تعالى، والحزن من الذنوب، والحزن خوفاً من الوقوع في الذنب، وخوفاً من المكر، وخوفاً من العذاب، وعقبى هذه الأحزان جميلة وفيها كفارة.
قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إنَّ العبد ليذنب الذنب، فإذا رآه الله قد أحزنه ذلك غفر له من غير أن يُحدث صلاة ولا صدقة.
رواه ابن أبي الدنيا (1).
وقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! كيف الصلاح بعد هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألسْتَ تَمْرَضُ؟ ألسْتَ تَحْزَنُ؟ ألسْتَ تنصَبُ؟ ألَسْتَ تُصِيبُكَ اللأوَاءُ؟ فَذَلِكَ الَّذِيْ تُجْزَوْنَ بِهِ". رواه الإمام أحمد، وهنَّاد بن السَّرِي، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن السني، والحكيم الترمذي، وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه"، وابن جرير، وابن المنذر (2).
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
= في "مسند الفردوس"(572) كلهم عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 76).
(2)
تقدم تخريجه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوْبُ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُكَفِّرُهَا ابْتَلاهُ اللهُ بِالْحُزْنِ فَيُكَفِّرَهَا"(1).
وقال عبد الرحمن بن السائب: قدم علينا سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه بعدما كفَّ بصره، فأتيته مسلماً، فانتسبني فانتسبت له، فقال: مرحباً يا ابن أخي، بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نزَلَ بِحُزْنٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوْهُ فَابْكُوْا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوْا فَتَبَاكَوْا"(2).
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون (3).
وقال أيضاً: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً، حكيماً حليمًا، سكيناً ليناً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون خائناً ولا غافلاً، ولا سَخَّاباً ولا صَيَّاحاً (4).
وقال الأسود بن شيبان: كان عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه رجلاً طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه: عائذ
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 157)، وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 67)، وكذا ابن ماجه (1337).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن "(ص: 86).
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 92).
بالرحمن من فتنه (1).
وقال النضر بن عربي: دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وكان لا يكاد يتكئ، إنما هو منقبض أبداً كأنَّ عليه حزن الخلق (2).
وقال شميط بن عجلان رحمه الله تعالى: كل يوم ينقص من عمرك وأنت لا تحزن! وكل يوم تستوفي رزقك وأنت لا تحزن (3)!
وقال عمر بن بكير شيخ ابن أبي الدُّنيا: عن شيخ من قريش: كان إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام لا يرفع طرفه إلى السماء إلا اختلاساً، ويقول: اللهم نَعِّمْ عيشي بطول الحزن فيها (4).
وقال صالح بن شعيب رحمه الله تعالى: أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم عليهما السلام: أكحل عينيك بطول الحزن إذا ضحك البطَّالون (5).
وقال مكحول الله تعالى: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام أن اغسل قلبك.
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 44).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 49).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 65).
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 76).
(5)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 84).
قال: يا رب! بأي شيءٍ أغسله؟
قال: بالغم والهم (1).
وقال عبد الله بن شَوذَب رحمه النه تعالى: قال داود النبي عليه السلام: يا رب! أين ألقاك؟
قال: تلقاني عند المنكسرة قلوبهم (2).
وقال سفيان: كان الحسن رحمه الله تعالى يقول: أفضل العبادة طول الحزن (3).
وقال عبد الله بن مرزوق: قلت لعبد العزيز بن أبي رواد: ما أفضل العبادة؟
قال: طول الحزن في الليل والنهار (4).
وقال عطاء رحمه الله تعالى: لا يتمُّ للمؤمن فرح يوم (5).
وقال الحسن بن عميرة: اشترى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى جارية أعجمية، فقالت: أرى الناس فرحين، ولا أرى هذا يفرح.
فقال: ما تقول لُكَع؟
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 84).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 56).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 73).
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 85).
(5)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 94).
فقيل له: إنها تقول كذا وكذا.
فقال: ويحها! حدثوها أن الفرح أمامها؛ يعني: يوم القيامة (1).
وقال يونس: قال الحسن: إن المؤمن والله ما يصبح إلا حزيناً، ولا يُمسي إلا حزيناً.
قال: وكان الحسن قل ما تلقاه إلا وكأنه قد أصيب بمصيبة حديثاً (2).
وقال الحجاج بن دينار: كان الحكم بن حجل صديقاً لمحمد بن سيرين، فلما مات محمد حزن عليه حتى جعل يعاد كما يعاد المريض، قال: فحدث بعده، قال: رأيت أخي محمداً -يعني: ابن سيرين- في المنام، فقلت: أي أخي! قد أراك في حال تسرني، فما فعل الحسن؟
قال: رفع فوقي بسبعين درجة.
قلت: ولم ذاك وقد كنا نرى أنك أفضل منه؟
قال: ذاك بطول حزنه (3).
وقال يزيد بن مذعور: رأيت الأوزاعي في منامي، فقلت: يا أبا عمرو! دُلَّني على أمر أتقرب به إلى الله عز وجل.
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 100).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 45).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص: 46).