الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقلت: [من مجزوء الكامل المرفّل]
بِالْجِدِّ تَبْلُغُ ما يَعِزُّ
…
وَتَنْجَلِي عَنْكَ الكُرُوبُ
فَاصْبِرْ وَبِاللهِ اسْتَعِنْ
…
وَلِكُل مُجْتَهِدٍ نَصِيبُ
وَاقْصِدْ إِلَهَكَ فِي الأمُو
…
رِ فَإنَّ قَصْدَكَ لا يَخِيبُ
-
ومن ذلك: العُقاب
.
وفي الحديث: "العُقَابُ سَيِّدُ الطَّيْرِ وَالنَّسْرُ عَرِيْفُهَا". أخرجه ابن عدي في "الكامل"(1).
وهو حديد البصر جداً، ولذلك قالوا في المثل: أبصر من عقاب ملاع، بالإضافة إلى ملاع كقطام، وهي الصحراء، وعقابها أبصر من عقاب الجبال؛ إذ لا يَحُول في الصحراء بين بصره وبين ما يبصره شيء.
قال الزمخشري: وبصر العقاب أنها تعرف من سكاك الجو أنثى الأرنب من ذكرها؛ لأن الذكر يلتوي على عنقها فيقتلها (2).
وكذلك يقولون في المثل: أبصر من بازي، وأبصر من نسر.
قال الزمخشري: ليس في الطير أبصر منه؛ تزعم الفرس أنه إذا حلق أبصر الجيفة من مَسافة أربع مئة فرسخ (3).
(1) وانظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 173).
(2)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 21).
(3)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 22).
وقالوا أيضاً: أبصر من غراب.
قال الزمخشري: يغمض إحدى عينيه اجتزاءً بالواحدة (1).
والعرب تسميه أعور لذلك على طريق القلب، كان حدَّة بصرها تناهت حتى انقلبت إلى العكس.
وقال الشاعر: [من الطويل]
وَقَدْ ظَلَمُوهُ حِينَ سَمَّوْهُ سَيِّدا
…
كَما ظَلَمَ النَّاسُ الغُرابَ بِأَعْوَرا (2)
وقالوا: أبصر من كلب، وأبصر من فرس (3).
وربما قالوا:
أبصر من فرس
…
في ظلماء ليل وغَلَس
وقالوا: أبصر من فرس بيهماء في غلس.
قال الزمخشري: تزعم الفرس أنه ليس في الدواب أبصر من الفرس؛ فإنه لو أجريَ في الضباب الكثيف، ومُدت في طريقه شعرة لوقف عند انتهائه إليها (4).
والتشبه بهذه المبصرات بأن يكون الإنسان بصيراً بالأمور، حذوراً يُبصر الحق ويتبعه، ولا يقدم على أمر حتى ينظر في عواقبه،
(1) انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 21).
(2)
انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (1/ 115).
(3)
انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (1/ 116).
(4)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 22).
ولا يمشي قدماً؛ فإنه إنما خلق له البصر ليبصر به.
قال الله تعالى في تقريع الإنسان وتوبيخه: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8 - 10].
وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46]، أو أبصار ينظرون بها، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. [الحج: 46].
وقد روى الطبراني، وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَا ابْنَ مَسْعُوْد! أَيُّ عُرَىْ الإِيْمَانِ أَوْثَقُ؟ ".
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "أَوْثَقُ عُرَىْ الإيْمَانِ الْوِلايَةُ فِيْ اللهِ وَالحُبُّ فِيْ اللهِ وَالْبُغْضُ فِيْ الله".
ثم قال: "يَا ابْنَ مَسْعُوْد".
قلت: لبيك يا رسول.
قال: "أتَدْرِيْ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ ".
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "أَفْضَلُهُمْ عَمَلاً إِذَا فَقُهُوا فِيْ دِيْنِهِمْ".
ثم قال: "يَا ابْنَ مَسْعُوْد".
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: "أتدْرِيْ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ ".
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "إِنْ أَعْلَمَ النَّاسِ أَبْصرُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِيْ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَىْ اسْتِهِ زَحْفًا" الحديث (1).
وقلت في عقد هذه الجملة الأخيرة منه: [من الخفيف]
أَعْلَمُ النَّاسِ أَبْصرُ النَّاسِ بِالْحـ
…
ـقِّ إِذا ما رَأَيْتَ فِي النَّاسِ خُلْفا
ذاكَ ما ضَرَّهُ وَلا نالَ مِنْهُ
…
نَقْصُ أَعْمالِهِ وَلَوْ سارَ زَحْفا
- ومن أوصاف العقاب: الحزم حتى قالوا: أحزم من عقاب.
وقيل لبشار بن برد: لو خيرت أن تكون حيواناً ما كنت تختار؟
قال: العقاب لأنها تلبث حيث لا يبلغها سبع ولا ذو أربع، وتحيد عنها سباع الطير (2).
وإنما ضربوا المثل بفرخ العقاب في الحلم والحزم، فقالوا: أحزم من فرخ العقاب، وأحلم من فرخ العقاب لأنه يكون وكره في عُرض جبل، والجبل ربما كان عموداً فلو تحرك من مجثمه، أو أقبل عليه أبواه لهوى إلى الحضيض، وهو على صغره يعرف أن الصواب
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(10357). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 90): فيه ليث بن أبي سليم، والأكثر على ضعفه.
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 174).
في ترك الحركة، فيترك الحركة أخذاً بالحزم (1).
وحقيقة الحزم: ضبط الرجل أمره، والأخذ بالثقة، والتثبت بالتبين.
وفي كتاب الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
وقُرِئ: {فتثبتوا} .
وفي الحزامة أمانٌ من الندامة.
ومن طباع العقاب ما ذكره الدميري، والسيوطي: أنها إذا صادفت الأرانب تبدأ بالصغار قبل الكبار (2).
والتشبه بها في ذلك بأن يبدأ الإنسان في صيد العلم بصغار العلم قبل كباره، وكذلك إذا عَلَّمَ غيره بدأ في تعليمه بالأسهل فالأسهل، وعلمه الصغار قبل الكبار تدريجاً؛ أي: انتقالاً من درجة إلى أرفع منها.
ومنه تدريج الصبي الصغير على المشي بالدراجة.
واعلم أنه كما يتدرج في الخير من صغيره إلى كبيره، كذلك الشر إذا تابعت صغيره جرَّك إلى كبيره.
ألا ترى أن العبد إذا ركب صغيرة من المعاصي، ولم يحسم
(1) انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (1/ 221).
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 174).
مادتها بالتوبة، بل عاودها، تدرَّب عليها، ثم جرَّته إلى غيرها حتى يرتكب العظائم، وإذا سمع كلمة السوء الصغيرة، فإن أغضى عنها وعفا عنها ذهب شرها، وإن قلبها في فكره وتأثر في نفسه منها، دعته إلى الانتقام من التكلم بها والانتصار، فربما ردَّ عليها بمثلها فسمع أقوى منها.
فأول الحرب الكلام، وأول الحريق الشرر، وأول العشق النظر، وأول الشجرة النواة.
وفي المثل أيضاً: الشر يبدؤه صغاره؛ أي: ينشأ كبيره من صغيره، فاحتمل الصغير لئلا يخرجك إلى الكبير؛ يُضرب في الحلم وكظم الغيظ (1).
وقال مسكين الدارمي: [من مجزوء الكامل المرفّل]
وَلَقَدْ رَأَيْتُ الشَّرَّ بَيـ
…
ـنَ الْحَيِّ يَبْدَؤُهُ صِغارُه
فَلَوْ اَنَّهُمْ يَأسونَهُ
…
لَتَنَهْنَهَتْ عَنْهُمْ كِبارُهْ (2)
وكذلك لا يحقر الإنسان عدوه لِصغره أو صُغْره، ولا يغتر بكبر نفسه وكبره.
وقد قال القائل: [من البسيط]
(1) انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري (1/ 258).
(2)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 326).