الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) بَابُ مَا يَحْسُنُ مِنَ اْلتَّشَبُّهِ بِاْلبَهَائِمِ وَاْلسِّبَاعِ
(9)
بَابُ مَا يَحْسُنُ مِنَ اْلتَّشَبُّهِ بِاْلبَهَائِمِ وَاْلسِّبَاعِ
هذا الباب كالتكملة للباب قبله، وذلك أنه قد وردت آثار في الإرشاد إلى التشبه ببعض أشراف الحيوانات كالأسد، والنسر، والبازي، والنمر، والحمام.
وليس ذلك لكمالٍ فيها، لما تقرر لك أن البهائم لا حظ لها في العقل، ولا نصيب لها في التمييز، ولذلك لم تكن مُكلَّفة.
وما جاء في السنة من الاقتصاص من القَرْناء للجَمَّاء، وسؤال العُود: لم خدش العود (1)؛ فقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: إنه ليس على حقيقته، ولا قصاص على البهائم لأنها غير مكلفة؛ إذ لا تعقل، قال: وإنما ذلك على سبيل المثل والإخبار عن شدة التقصي في الحساب، وأنه لا بد أن يقتص من الظالم للمظلوم.
وقال أبو إسحاق الإسفراييني: يجري القصاص بين البهائم،
(1) حديث القصاص هذا رواه الخطيب البغدادي في "الرحلة في طلب الحديث"(1/ 117).
ويحتمل أنها كانت تعقل هذا القدر في دار الدنيا.
وقال غيره: يجوز أن يكون الاقتصاص هنا على حقيقته، وإن لم يكن لها عقل ولا تمييز؛ لأن الله تعالى لا يُسأل عمَّا يفعل (1).
قلت: ولإجراء القصاص بين البهائم والجمادات حكمة، وهي بيان كمال مظهرية اسم الله العدل، والمقسط، والحكم، وسريع الحساب، وأسرع الحاسبين؛ لأنه إذا كثر المحاسبون ذلك اليوم وانقضى حسابهم في يومٍ واحد، أو بعض يوم كان ذلك أبلغ في كمال مظهريته سبحانه بسرعة الحساب بكمال العدل والحكم، والقدرة والعظمة.
وكذلك ما جاء في السنة من نسبة الخوف والإشفاق من قيام الساعة إلى البهائم والدواب محمول على ما جَبَلها الله تعالى عليه من نفارها مما يضرها، وانقيادها لما ينفعها جِبِلَّة وطبعاً لا عقلاً ومعرفة وإحساساً حيوانياً لا إدراكاً فهمياً، كما نصَّ عليه الدميري وغيره (2).
وتقدم لنا فيه كلام مستوفى، فليس الإرشاد إلى التشبه بأشراف الحيوانات لكمالاتها، ولكن من جملة ما جبل الله تعالى عليه بعض البهائم والسباع من الغرائز الحيوانية ما يشبه الأخلاق الشريفة الإنسانية، فإذا خلا الإنسان من تلك الأخلاق الشريفة، وعَرِيَ عن تلك الصفات
(1) انظر: "سراج الملوك" للطرطوشي (ص: 132 - 133).
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (ص: 231).
اللطيفة، مع اتصَاف بعض البهائم والسباع أو الطير بما يُلائمها، فقد رضي لنفسه بحال يكون بها أَدْوَن من هذه الحيوانات المخصوصة.
فإرشاد العبد إلى التشبه بالأسد مثلاً في الشجاعة والأَنَفة، ونزاهة الطبع إشارة إليه بأن يزداد بنفسه إلى خلق يوجد مثله في الأسد الذي هو سبع من سِباع الله تعالى، سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظه كلباً (1)، مع أنَّ الإنسان بهذه الأخلاق الشريفة أولى من الأسد، ومن سائر الحيوانات غير الإنسان، فحسن بذلك الإرشاد إلى التشبه بالأسد وغيره من أشراف الحيوانات في الأخلاق الشريفة.
ووجهٌ آخر، وهو أن الأخلاق الحميدة التي طبعت على ما يلائمها أجناس من الحيوانات غير الإنسان، فقد جبلت النفوس الزكية على محبتها واستحسانها وطلبها ودعوى الاتصاف بها والتمدح بها وإن كانت عارية عنها، واستكملتها العقول بالطبع والجبلة، حتى إنَّ العقلاء والحكماء لتنشرح صدورهم إلى المسامرة بذكرها وبذكر المتصفين بها من العقلاء كالأناسي، ومن غير العقلاء كذكر الأسد بوصف الشجاعة والنزاهة، وذكر الغزال بوصف الحَذَاقة واللطانة والرشاقة، إلى غير ذلك، ولم تأنف النفوس الزكية الأبيَّة السنية من تمثيلها وتشبيهها بالحيوانات المتصفة بهذه الأوصاف الشريفة، بل تنشرح لمن يصفها بها، وتحب لو كانت متصفة بتلك الأوصاف متحلية بتلك الأخلاق؛ ليكون الوصف موافقاً للاتصاف والتشبيه موافقاً للتشبه.
(1) كما في "مستدرك الحاكم"، وقد تقدم.
وكفاك شاهداً على ذلك: أن الله عز وجل شبه نبيه صلى الله عليه وسلم بالأسد، ولو لم يكن ذلك من أكمل الثناء وأبلغ المدح لم يشبهه به، وذلك في قوله تعالى:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 49 - 51].
روى البزار بإسناد صحيح، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: القسورة: الأسد (1).
وروى الثعلبي عن ابن عباس قال: بلسان العرب: الأسد، وبلسان الحبشة: القسورة، وبلسان فارس: شير، وبلسان القبط: ارثا (2).
قال السمرقندي في "تفسيره": وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت، فكذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن هربوا منه، انتهى (3).
وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: (46)].
قلت: واختير لفظ القسورة في الآية لمناسبة رؤوس الآي، ولأنه
(1) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 132): رواه البزار ورجاله ثقات. ورواه الطبري في "التفسير"(29/ 170)، وذكره البخاري (4/ 1874) معلقاً.
(2)
رواه الثعلبي في "التفسير"(10/ 79).
(3)
انظر: "تفسير السمرقندي"(3/ 496).
من القسر وهو القهر، سُمي به الأسد لأنه يقهر السباع كلها، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذَلَّتْ لسلطانه رقابُ المشركين وسائر المتمردين.
وقد ألمَّ كعب بن زهير بن أبي سلمى رضي الله عنه في قصيدته حيث يقول: [من البسيط]
فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي مُذْ أكلِّمُه
…
وَقِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْؤُولُ
مِنْ ضَيْغَمٍ بِضراءِ الأَرْضِ مَخْدرُه
…
فِي بَطْنِ عثر غيل دُوْنَه غيلُ
يَغْدُو فَيلحمُ ضِرغامَيْنِ عَيْشَهما
…
لَحمٌ مِنَ النَّاس مَعْفورٌ خَراديلُ
إِذا يُساورُ قِرْناً لا يَحلُّ بِه
…
أَنْ يتركَ القِرْنَ إِلَاّ وَهُوَ مغلولُ
مِنْهُ تَظلُّ حَميرُ الْجوِّ نافرةً
…
وَلا تَمَشَّى بوادِيه الأراجيلُ (1)
ووقع تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم عمه حمزة رضي الله عنه بالأسد، وذلك فيما رواه الطَّبراني بإسناد صحيح، عن يحيى بن عبد الرَّحمن بن أبي لبيبة، عن
(1) انظر: "جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي (ص: 239)، و"المستدرك" للحاكم (6477).
أبيه، عن جدِّه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدهِ إِنَّهُ لمَكْتُوْبٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالىْ فيْ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُوْلهِ"(1).
وروى الطبرانيِّ أيضًا - بإسناد رجاله رجال "الصحيح" - عن عمير ابن إسحاق - مرسلاً - قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، ويقول: أنا أسد الله وأسد رسوله (2).
وروى الديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَالِدُ بْنُ الْوَليْدِ سَيْفُ اللهِ وَسَيْفُ رَسُوْلهِ، وَحَمْزَةُ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُوْلهِ، وَأَبُوْ عُبَيْدةَ أَمِيْنُ اللهِ وَأَمِيْنُ رَسُوْلهِ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ أَخِصَّاءِ الرحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ تجَّارِ الرَّحمَنِ"(3).
واتفق تمثيل حمزة رضي الله تعالى عنه بالأسد، وعلي رضي الله تعالى عنه بالصقر في أبيات قالتها هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها، أجابت بها عن أبيات قالتها هند بنت
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(2952). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 267): ويحيى وأبوه لم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(2953)، وكذا الحاكم في "المستدرك"(4900).
(3)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2967).
عتبة يوم أحد قبل إسلامها: [من الرجز]
خَزِيتِ فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرِ
…
يا بِنْتَ وَقَّاعٍ عَظِيمِ الكُفْرِ
صَبَّحَكِ اللهُ غَداةَ الفَجْرِ
…
بِالْهاشِمِيِّينَ الطِّوالِ الزُّهْرِ
بِكُلِّ قَطَّاعٍ حُسامٍ يَفْرِي
…
حَمْزَةُ لَيْثِي وَعَلِيٌّ صَقْرِي (1)
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله تعالى عنهم:[من البسيط]
لا يَفْخَرُونَ إِذا نالُوا عَدُوَّهُمُ
…
وَإِنْ أُصِيبوا فَلا خَوْرٌ وَلا هَلَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي الوَغا وَالْمَوْتُ مُكْتَتَبٌ
…
أُسْدٌ بِحلية فِي أَرْساغها فدَعُ (2)
وروى الشيخان عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ".
وكنت قتلت قتيلاً من المشركين، فقمت، فقلت: من يشهد لي؟
ثم جلست، فأعادها، فقمت وقلت: من يشهد لي؟
ثم جلست فأعادها الثالثة، فقال رجل: صدق يا رسول الله! سلبه عندي فأرضه عني.
فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: لا ها اللهِ، إذاً لا يعمِدُ إلى أسدٍ من أسد الله يُقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه.
(1) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 40).
(2)
انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (5/ 256).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ، فَأَعْطِهِ".
قال: فبعث الدِّرع، فابتعت به مخرفاً في بني سلمة؛ فإنه لأول مال تأثَّلته في الإسلام (1).
وروى الدِّينوري في "المجالسة" عن أبي المنهال قال: سأل عمر ابن الخطاب عمرو بن معدي كرب عن صفة سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه.
فقال: متواضع في جبايته، عربي في نمرته، أسد في تاموره، يعدل في القضية، ويقسم بالسَّوية، ويبعد في السَّرية، ويعطف علينا عطف الأم البرَّة، وينقل إلينا حقنا نقل الذّرَّة (2).
وقال الفرزدق في آل البيت رضي الله عنهم: [من البسيط]
هُمُ الغُيُوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أَزِمَتْ
…
وَالأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى وَالنَّاسُ كُلُّهُمُ
وورد تشبيه هذه الأمة في التوراة وغيرها من الكتب بالأسود.
وروى الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "الدلائل" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صِفَتيْ أَحْمَدُ المُتَوَكِّلُ، لِيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيْظٍ، يُجْزِئُ بِالحَسَنَةِ الحَسَنَةَ، وَلَا يُكَافِئُ بِالسَّيِّئَةِ، مَوْلِدُهُ مَكَةَ، وَمُهَاجرُهُ طَيْبَةَ، وَأُمَّتُهُ الحَمَّادُوْنَ،
(1) رواه البخاري (2973)، ومسلم (1751).
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 345).
يَأْتَزِرُوْنَ عَلَىْ أَنْصَافِهِمْ، ويوَضِّئُوْنَ أَطْرَافَهُمْ، أَنَاجِيْلُهُمْ فيْ صُدُوْرِهِمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، لُيُوْثٌ بِالنَّهَارِ" (1).
وروى ابن أبي حاتم، وأبو نعيم عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: إن الله تعالى أوحى إلى شعْيَاء بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وصفة أمته، فقال فيهم: يُطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويهلون على التِّلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهباناً باليل، ليوثاً بالنهار. في حديث طويل (2).
وقال ابن أبي الدُّنيا في كتاب "الحذر": أنشدني شمخ من تميم: [من البسيط]
لَقَدْ نَجا أَهْلُ تَقْوى زادُهُم عَمَلُ
…
باعُوا الشُّكُوكَ فَقَدْ نَجَّاهُمُ الْحَذَرُ
قَرَّتْ عُيونُ الْمُطِيعينَ الَّذِينَ هُمُ
…
رُهْبانُ لَيْلٍ، وَأُسْدٌ فِي الوَغا سُعُرُ
شابَتْ نَواصِيهِمُ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ
…
وَحُفِّرَتْ فِي جُفُونٍ مِنْهُمُ الدُّرَرُ
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(10046). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 271): فيه من لم أعرفهم.
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3141)، وكذا الطبري في "التفسير"(15/ 26).
مَرْضى وَلا مَرَضٌ فِيهِمْ وَلا سَقَمٌ
…
إِلَّا الْحِدادَ لِيَومٍ حَرُّهُ سَقَرُ
ومن ألطف ما قيل في هذا الباب ما ذكره الدِّينوري في "المجالسة" قال: أنشدنا أحمد بن عباد قال: أنشدني أبو سعيد المدني في العفو بعد القدرة: [من مجزوء الكامل المرفّل]
أَسَدٌ على أَعْدائِه
…
ما إِنْ يَلِينُ وَلا يَهونُ
فَإِذا تَمَكَّنَ مِنْهُمُ
…
فَهُناكَ أَحْلَمُ ما يَكُونُ (1)
وجاء في الكتب أيضاً تشبيه تلاوة هذه الأمة بدوي النحل، وحبهم الذكر وإسراعهم إليه بحب الحمام والنسور أوكارها، وإسراع الإبل إلى وِردها، وبغضبهم لله بغضب النمر.
روى الدارمي عن كعب رحمه الله تعالى قال: في السطر الأول من التوراة: محمدٌ رسول الله عبدي المختار، لا فظ، ولا غليظ، ولا سَخَّاب في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام.
وفي السطر الثاني: محمدٌ رسول الله، أمته الحمادون لله في
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 430).
السَّراء والضَّراء، يحمدون الله في كل منزلة، ويُكبرون الله على كل شرف، رعاة الشمس، يصلون الصَّلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة، ويأتزرون على أوساطهم، ويوضئون أطرافهم، أصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل (1).
وروى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله كما تحب الحمامة وكْرها، وهم أسرع إلى ذكر الله من الإبل إلى وردها يوم ظمئها (2).
وروى أبو الشَّيخ عن قتادة: أن موسى عليه السلام قال: يا رب! إنِّي وجدتُ في التوراة نعت قومٍ يأوون إلى ذكرك ويتحاثون عليه كما تأوي النسور إلى وكورها، فمن هم؟
قال: تلك أمة أحمد صلى الله عليه وسلم.
قال: يا رب! إنِّي وجدت في التوراة نعت قومٍ إذا غضبوا هلَّلوك، وإذا تنازعوا سبَّحوك، فمن هم؟
قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب! إني وجدت في التوراة نعت قومٍ يغضبون لك كما يغضب النمر الحَرِب لنفسه، فمن هم؟
(1) رواه الدارمي في "السنن"(7).
(2)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(1/ 154).