الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: تلك أمة أحمد (1).
وكذلك شبه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إسراعَ فقراء أمته إلى الله يوم القيامة بإسراع الحمام إلى أوكارها أو مبيتاتها فيما روى الطبراني، وأبو الشيخ في "الثواب" بإسناد جيد، عن سعيد بن عائذ رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ فُقَرَاءَ المُسْلِمِيْنَ يُزَفُّوْنَ - يعني: إلى الجنة - كَمَا تُزَفُّ الحَمَامُ، فَيُقَالُ لهم: قِفُوْا لِلْحِسَابِ، فَيقُوْلُوْنَ: وَاللهِ مَا تَرَكْنَا شَيْئًا نُحَاسَبُ بِهِ، فَيقُوْلُ اللهُ تَعَالىْ: صَدَقَ عِبَادِيْ فَيَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ"(2).
فينبغي أن نشير هنا إلى جملة ما يحسن التخلق بأخلاقه من الحيوانات.
-
فمن ذلك الأسد
؛ فإن من أخلاقه القوة، والصولة، والشهامة، والشجاعة، وشدة الإقدام، وشدة البأس، ولذلك قالوا: أكرم من الأسد (3)، وأبخر من الأسد، وأجرأ من الأسد، ومن أسامة، وهو علم على الأسد (4)، وهي أخلاق محمودة من الإنسان وقد اجتمعت هذه
(1) ورواه الطبري في "التفسير"(9/ 65)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1565).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(5508). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 261): في إسناده يزيد بن أبي زياد، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله ثقات.
(3)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 294).
(4)
انظر: "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/ 45).
الأخلاق كلها في بيت النبوة.
ولذلك قال الفرزدق في وصف آل البيت: [من البسيط]
هُمُ الغُيوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أزمتْ
…
وَالأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى والبأسُ محتدِمُ
ومن شهامة الأسد وقوة نفسه: أنه لا يأكل من فريسة غيره، ولا يشرب من ماء ولغ عليه كلب، فكذلك ينبغي للإنسان أن يأكل من كسب يمينه، ويتنزه عن الصَّدقات وفضلات أموال الناس.
ومن هنا حرمت الزكاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وآله الكرام لما علمت أنهم الأُسْد، قال صلى الله عليه وسلم:"هَذِهِ الصَّدَقَاتُ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وأنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لآلِ مُحَمَّدٍ". رواه [مسلم] من حديث عبد المطلب ابن ربيعة رضي الله تعالى عنه (1).
ولقد أحسن القائل: [من الوافر]
وَأَتْرُكُ حُبَّها مِنْ غَيْرِ بُغْضٍ
…
وَلَكِنْ كَثْرَةُ الشُّرَكاءِ فِيه
إِذا وَقَعَ الذُّبابُ عَلى طَعامٍ
…
رَفَعْتُ يَدِي وَنَفْسِي تَشْتَهِيهِ
(1) رواه مسلم (1072).
وَتَجْتَنِبُ الأُسودُ ورودَ ماءٍ
…
إِذا كانَ الكِلابُ يَلَغْنَ فِيهِ (1)
ومن بلاغات المتنبي: [من البسيط]
وَما حمدتكَ فِي هَولٍ ثَبَتَّ لَهُ
…
حَتَّى بَلَوْتُكَ وَالأَبْطالُ تَمْتصعُ
فَقَدْ يُظَنُّ شُجاعاً مَنْ بِهِ خَرَقٌ
…
وَقَدْ يُظَنُّ جَباناً مَنْ بِه ذمعُ
إِنَّ السِّلاحَ جَمِيعُ النَّاسِ تَحْمِلُه
…
وَلَيْسَ كُلُّ ذواتِ الْمِخْلَبِ السَّبُعُ (2)
وقال الدينوري: سمعت ابن قتيبة يقول: قرأت في كتب الهند: ذو المروءة يُكرم وإن كان معدماً، كالأسد يُهاب وإن كان رابضاً، ومن لا مروءة له يُهان وإن كان موسراً، كالكلب وإن طوق وحُلي (3).
وذكر التجاني في "تحفة العروس" عن الهيثم بن عدي قال:
(1) انظر: "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 17)، و "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 11).
(2)
انظر: "شرح ديوان المتنبي" للواحدي (ص: 230).
(3)
انظر: "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري (ص: 361)، و"عيون الأخبار" لابن قتيبة (ص: 105).
قدمت امرأة بمكة وكانت من أجمل النِّساء، فنظر إليها عمر بن أبي ربيعة فوقعت في قلبه، فكلمها فلم تجبه، فلما كان في الليلة الثانية تعرَّض لها فقالت: إليكَ عني؛ فإنك في حرم الله وفي أيامٍ عظيمة الحرمة، فألحَّ عليها في الكلام فخافت الشهرة، فقالت لأخيها في الليلة الثالثة: اخرج معي فأرني المناسك، فتعرَّض لها عمر، فلمَّا رأى أخاها معها أعرض عنها، فتمثلت بقول الشاعر:[من البسيط]
تَعْدُو الذِّئابُ عَلى مَنْ لا كِلابَ لَهُ
…
وَتتَّقِي صَوْلَةَ الْمُسْتَأْسِدِ الضَّارِي
قال: وسمع أبو جعفر المنصور هذا الخبر، فقال: وددت لو أنه لم تبقَ فتاة إلا سمعت هذا الخبر.
والبيت للزبرقان بن عمرو؛ كما ذكره ابن خلكان، وذكر القصة (1).
وقيل لبعض العرب: ما بالكم تُسَمون عبيدكم بأحسن الأسماء؛ تسمونهم سارا، وميسرة، وسعيداً، ومسعدة، ورباحاً، وتسمون أولادكم بأسوء الأسماء؛ تسمونهم كلباً، وكلاباً، وأسداً، وفهداً؟
فقال: لأننا نسمي عبيدنا لنا، ونسمي أولادنا لأعدائنا.
وقال في "القاموس": وادي السباع بطريق الرقة مرَّ به وائل بن
(1) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 499).