الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتكاثف قبحه.
روى ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟
فقال: "عِنْدَ حَيْفِ الأَئِمَّةِ، وَتَكْذِيْبٍ بِالقَدَرِ، وَإِيمَانٍ بِالنُّجُوْمِ، وَقَوْمٍ يَتَّخِذُوْنَ الأَمَانة مَغْنَمًا، وَالزَّكَاةَ مَغْرَمًا، وَالفَاحِشَةَ زِيَارَةً".
قال: فسألته عن الفاحشة زيارة.
قال: "الرَّجُلانِ مِنْ أَهْلِ الفِسْقِ يَصْنعُ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ طَعَامًا وَشَرَابًا، وَيَأْتِيْهِ بِالمَرْأةِ، وَيَقُوْلُ: اصْنَعْ ليْ كمَا صَنَعْتُ لَكَ، قَالَ: فَيَتَزَاوَرَانِ عَلَىْ ذَلِكَ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ أُمَّتيْ يَا بْنَ الخَطَّابِ"(1).
135 - ومنها: التشبه في تحليل المطلقة ثلاثًا بالتيس المستعار، وهو من الكبائر
.
روى ابن ماجه بإسناد حسن، والحاكم وصححه، عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ المُسْتَعَارِ؟ ".
[قالوا: بلى يا رسول اللَّه.
قال: "هو الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ الله الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ له"(2).
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(26)(ص: 76). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 328): رواه البزار، وفيه من لم أعرفهم.
(2)
رواه ابن ماجه (1936)، والحاكم في "المستدرك"(2805).
قال الدميري: قيل: إنما لعنه النبي صلى الله عليه وسلم مع حصول التحليل؛ لأن التماس ذلك هتك للمروءة والملتمس ذلك هو المحلل له، وإعارة التيس للوطء لغرض الغير أيضًا رذيلة.
ولذلك شبهه بالتيس المستعار وإنما يكون كالتيس المستعار] (1) إِذَا سَبَقَ التِمَاسٌ مِنَ المُطَلِّقِ.
قال: والعرب تعير بإعارة التيس (2).
قلت: لعلهم إنما يعيرون باستعارة التيس للغنم لا بإعارته؛ لأن استعارته تدل على الشح والخسة من حيث إن صاحب الغنم الكثير لا صاحب الواحدة والثلاث لم يدع لها فحلاً للضراب مع أن قيمته قليلة، ولا كلفة له حتى إذا جاء وقت الضراب التمس تيساً يستعيره لغنمه، فأما إعارة الفحل فإنها من الجود والكرم، وهي مستحبة، فلا ينافي التعيير بها.
هذا، وعندي أن وجه تشبيه المحلل بالتيس المستعار أن نكاح المحلل لا يقصد به حصول المودة والرحمة بينه وبين المنكوحة كما في الأنكحة المقصودة للدوام، بل يقصد لتعود فائدة التحليل على المطلق بالاستمتاع، وكذلك التيس المستعار لا يقصده المستعير للتربية والقُنية، بل للاستنتاج يومًا من الدهر ثم يرده إلى أهله.
(1) ما بين معكوفتين زيادة من "حياة الحيوان الكبرى".
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 240).
وعلى هذا فالمحلل تيس مستعار سواء التمسه المطلق لذلك أم لا، وإنما خصه الدميري بالملتمس؛ لظهور المعنى فيه أكثر من غيره.
وعلى ما ذكره الدميري فالذي يتزوج المطلقة لتحل لمطلقها لم تنفك عنه صفة التيسية، وإنما ينفك عنه كونه مستعارًا فقط.
قال الجوهري: وقد قيل مستعار بمعنى متداول (1).
وعليه فإنما كان المحلل تيسًا مستعاراً لأنه متى رضي بالتحليل مرة تداوله المطلقون ثلاثًا، فإنه يعرف بذلك فيقصد له، ويصير كالتيس الذي اعتاد الناس طلبه واستعارته فيتداولونه.
وهذا الحديث أصل قول الناس: فلان كالتيس المستعار.
واعلم أن التشبيه بالتيس من التمثيل بأمثال السوء، حتى يمثل به أهل اللؤم والجهل والوقاحة.
ومن لطائف حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله: [من البسيط]
أَمَّا الْحماسُ فَإِنِّي غَيْرُ شاتِمِهِمْ
…
لا هُمْ كِرامٌ وَلا عِرْضي لَهُمْ خَطَرُ
قَوْمٌ لِئامٌ فَلَنْ تَلْقَى لَهُمْ شَبَهًا
…
إِلَاّ التُّيوسَ عَلى أَكْتافِها الشَّعَرُ
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 761)(مادة: عور).