الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
101 - ومنها: التشبه بالحمار وغيره من البهائم في عدم الانزجار عن الشيء إلا بالإهانة، والضرب بالسَّوط ونحوه
.
روى عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد" عن سفيان بن عيينة قال: قال أمير المؤمنين علي - رضي الله تعالى عنه - للناس: عاقبتكم بالدِّرَّة التي يعاقب بها أولي النهي، وعاقبتكم بالسوط الذي يعدل به الإبل.
وذكر ابن سعد في "طبقاته": أن أول من اتخذ الدِّرَّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال: ولقد قيل بعده: لَدِرَّةُ عمر أَهيبُ من سوطكم (1).
قلت: وإنما كان لأمرين:
الأول: قوة عمر رضي الله عنه وصلابته في الدين، وخوفه من الله تعالى، فكانت له هيبة تكفيه معها الدِّرَّة.
والثاني: أن الناس كانوا قريبي عهد من الإِسلام، وكان للإسلام حدة ووقار، وللناس إذ ذاك حياء موفر، فكانت دِرَّة عمر تكفيهم في رد من انحرف منهم عن جادة الاستقامة.
ثم لما تبدت في الناس مَخَايل الخلاف وأوائل الانحراف احتاجوا إلى زيادة في التخويف والعقوبة.
وقد روى عبد الله ابن الإِمام أحمد عن ابن جدعان قال: كان عمر
(1) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 282).
رضي الله تعالى عنه قد اتخذ دِرَّة، فلما جاء عثمان رضي الله تعالى عنه اتخذ دِرَّة أشد منها (1) -وذلك لما بيناه- ثم لما تفاقم الأمر في زمن علي رضي الله تعالى عنه اتخذ دِرَّة كدِرَّة عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، واتخذ مع ذلك سوطًا كما تقدم عن ابن عيينة.
قلت: وما زال الشر يزداد ويتقاحم الناس فيه حتى اتخذ لهم الملوك والأمراء أنواع العقوبات، وألوان العذاب والتمثيلات، وتجاوزوا أحكام الشريعة في ذلك، وتعدوا حدودها؛ فإن الشرع ينهى عن المُثْلة، ولم يرجع الناس عن مثل ما صدر ممن مثل به منهم عليه.
ولقد ذاكرت بعض الأمراء في السياسات التي أحدثوها وتفننوا في تلوينها، فاعتذر عن ذلك بأنهم قصدوا بذلك الزيادة في الردع.
فقلت: لو اتبعوا الشرع في الحدود والتأديب لكان أبلغ من هذه المُثُل التي أحدثوها وسمَّوها سياسة.
فقال لي: لم أفهم كون الشرع أبلغ من السياسة.
فقلت له: يظهر لك هذا بمثالين:
الأول: إنكم تأخذون الزاني فتغرِّمونه المال أو تقتلونه، ولو جلد البكر وغُرِّب عن وطنه عامًا، ورجم المحصن بمشهد من الناس حتى يموت، لكان أبلغ في الزجر عن الزنا.
فتأمل، ثم قال لي: صدقت.
(1) رواه عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 115).