الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان إذا ركع أمكن يديه على ركبتيه، ثم هَصَرَ (1) ظهره (2)؛ أي: ثناه إلى بطنه.
وفي حديث سعد رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تَخْبُطُوْا خَبْطَ الجَمَلِ، وَلا تَمُطُّوْا يَاءَ آمِيْنَ". ذكره البغوي في "شرح السنة"، ثم قال: وأصل الخبط: ضرب البعير الشيء بخفه، انتهى (3).
والسنة أن ينهض في الصلاة على صدور قدميه، ولا يقدم إحدى الرجلين على الأخرى عند النهوض كما يقوم البعير ويخبط بيده.
وروى عبد الرزاق عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يقول: إذا سلم الإِمام فانصرف حيث كانت حاجتك يمينا أو شمالاً، ولا تستدر استدارة الحمار (4).
والسنة أن ينصرف المصلي حيث يكون له حاجة يمينًا أو شمالاً، فإذا استوى الجانبان انصرف حيث شاء، واليمين أولى.
*
فائِدَةٌ:
في الحديث عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى
(1) في "أ" و "ت": "يقصي" بدل "هصر".
(2)
رواه البخاري (794).
(3)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (3/ 167).
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 240).
النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "أيُّكُمُ الَّذِي رَكَعَ دُوْنَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلى الصَّفِّ؟ ".
فقال أبو بكرة: أنا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زَادَكَ اللهُ حِرْصَا، وَلا تَعُدْ"(1).
اختلف في قوله: "وَلا تَعُدْ" فقيل: إلى الإحرام خارج الصف.
وأنكره ابن حبان، وقال: لا تعد إلى الإبطاء في المجيء إلى الصلاة (2).
وقال غيره: لا تعد إلى إتيان الصلاة مسرعا، واحتج له بما رواه ابن السكن (3) في "صحيحه" عنه، ولفظه: أقيمت الصلاة فانطلقت أسعى حتى دخلت الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال:"مَنِ السَّاعِيْ آنِفًا؟ ".
قال أبو بكرة رضي الله تعالى عنه: فقلت: أنا.
فقال: "زَادَكَ اللهُ حِرْصَا، وَلا تَعُدْ"(4).
وقال ابن القطان الفاسي -تبعًا للمهلَّب بن أبي صُفرة-: لا تعد إلى دخولك إلى الصف وأنت راكع؛ فإنها مِشْية البهائم.
(1) رواه البخاري (750).
(2)
انظر: "صحيح ابن حبان"(5/ 570)(2195).
(3)
في "أ" و "ت": "ابن السني".
(4)
انظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (1/ 285).
قال ابن حجر: ويؤيده ما رواه حماد بن سلمة في "مصنفه" عن الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد ركع، فركع، ثم دخل الصف وهو راكع، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّكُمْ دَخَلَ الصَّفَّ وَهُوَ رَاكِعٌ؟ ".
فقال له أبو بكرة: أنا.
فقال: "زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ"(1).
قلت: وإنما قال له: "زَادَكَ اللهُ حِرْصًا" قبل أن ينهاه عن العَوْدِ إشارةً إلى الاعتذار عنه بأنه إنما حمله على ذلك حرصه على الخير.
ولا بد من تقييد الحرص الذي دعا له به بالحرص على الخير كما رواه الطبراني في "الكبير" بلفظ: "زَادَكَ اللهُ عَلَى الخَيْرِ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ".
والمعنى: أن العبد -وإن كان حريصاً على الخير- ينبغي أن يتقيد في طلبه بالمشروع من أَنَاة وغيرها، ولا تحمله شدة الحرص على العجلة التي تخل بأدب من آداب الشريعة كما حمل أبا بكرة حرصه على تحصيل الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم والمبادرة إليها على أنْ عَجِل، فأحرم، أو ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف راكعا، فأشبه ذوات الأربع في مشيها، وهي هيئة مباينة للأدب، فإن مشى الإنسان راكعاً
(1) انظر: "فتح الباري"(2/ 268)، و "التلخيص الحبير" كلاهما لابن حجر (1/ 285).