الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاسط على أسماء بنت أبي رويم، فهمَّ بها حين رآها منفردة في الخباء، فقالت: والله لئن هممت بي لدعوت أسبعي.
فقال: ما أرى في الوادي غيرك.
فصاحت ببنيها: يا كلب! يا فهد! يا ذئب! يا دب! يا سرحان! يا سيد! يا سبع! يا نمر! فجاؤوا يتعادون بالسيوف.
فقال: ما أرى هذا إلا وادي السِّباع (1).
*
فائِدَةٌ:
روى الطبراني، والديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَتَدْرُوْنَ مَا يَقُوْلُ الأَسَدُ فِيْ زَئِيْرِهِ؟ ".
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: "إِنَّهُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لا تُسَلِّطْنِيْ عَلَىْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرُوْفِ"(2).
وروى ابن منيع في "شفاء الصدور" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه خرج في سفر، فبينما هو يسير إذا هو بقومٍ وقوف، فقال: ما لهؤلاء؟
قالوا: أسد على الطريق قد أَخَافهم.
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 938)(مادة: سبع).
(2)
رواه الطبراني في "مكارم الأخلاق"(ص: 141)، والديلمي في "مسند الفردوس"(2337).
فنزل عن دابته، ثم مشى إليه حتى أخذ بأذنيه ونحَّاه عن الطريق، ثم قال: ما كذب عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما سلطت على ابن آدم من مخافة غير الله، ولو أن ابن آدم لم يخف إلا الله تعالى لم تُسلط عليه، ولو لم يرج إلا الله لما وَكَله إلى غيره (1).
قلت: ويؤخذ من ذلك أن الخوف من الله تعالى يُعطي القوة والشَّجاعة، والأمن من غير الله تعالى، وأن تسليط المخلوقات على ابن آدم بسبب خوفه منها دون الله تعالى، بل ينبغي لمن يخاف من شيء أن يكون خوفه من الله تعالى أن يُسلط ذلك المخوف عليه.
وتقدم حديث: "مَنْ خَافَ اللهَ خَوَّفَ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَمَنْ خَافَ غَيْرَ اللهِ خَوَّفَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"(2).
وروى أبو نعيم، والديلمي عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ أَمَانُ كُلِّ خَائِفٍ"(3).
وروى اللالكائي في "كرامات الأولياء" من كتاب "السنة" عن
(1) ورواه ابن أبي حاتم في "علل الحديث"(2/ 123) وقال: سألت أبي عنه فقال: ليس هذا إسناداً، وبكر بن حذلم ليس بشيء.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(1/ 336). قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(16/ 518): لم يصح.
عامر بن عبد قيس: أنه مرَّ بقافلة قد حبسهم أسد من بين أيديهم على طريقهم، فلما جاء عامر نزل عن دابته، فقالوا: يا أبا عبد الله! إنا نخاف عليك من الأسد.
فقال: إنما هو كلب من كلاب الله عز وجل؛ إن شاء الله يُسلطه سلطه، وإن شاء أن يكفه كفه، فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذني الأسد، فنحاه عن الطريق وجازت القافلة، وقال: إني أستحيى من ربي عز وجل أن يرى من قلبي أني أخاف من غيره (1).
وروى الدينوري في "المجالسة" عن عبد الجبار بن كليب قال: كنا مع إبراهيم بن أدهم في سفر، فعرض لنا الأسد، فقال إبراهيم رحمه الله تعالى: قولوا: اللَّهُمَّ احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يُرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا نهلك وأنت رجاؤنا يا الله يا الله يا الله.
قال: فولَّى الأسد عنا.
قال: وأنا أدعو به عند كل مخوف، فما رأيت إلا خيراً (2).
ورواه اللالكائي، وقال في أوله: قيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: هذا السبع قد ظهر لنا.
قال: أرونِيهِ.
(1) رواه اللالكائي في "كرامات الأولياء"(ص: 206).
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 40).
فلما رآه قال: يا قسورة! إن كنت أُمرت فينا بشيء فامضِ لما أُمرت به، وإلا فعودك على يديك.
قال: فولى السبع ذاهباً، قال: فعجبنا كيف ذهب، قال: قولوا؛ فذكر الدُّعاء (1).
وذكر حجة الإسلام في "الإحياء" عن إبراهيم الرقِّي قال: قصدتُ أبا الخير الثينائي مسلِّماً عليه، فصلى صلاة المغرب فلم يقرأ الفاتحة مستوياً، فقلت في نفسي: ضاعت سفرتي، فلما أصبحت خرجت إلى الطهارة، فقصدني السبع، فعدت إليه، وقلت: إن الأسد قد قصدني، فخرج وصاح على الأسد، وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لأضيافي؟
فتنحى الأسد، فتطهرت، فلما رجعت قال: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم الباطن فخافنا الأسد (2).
وقلت في المعنى: [من الرجز]
شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ يَخافُ أَسَداً
…
وَبَيْنَ مَنْ يَخافُ مِنْهُ الأَسَدُ
فَخَفْ مِنَ الأَحَدِ لا تَخَفْ سِو
…
اهُ أَحَداً يُؤْمِنْكَ مِنْهُ الأَحَدُ
(1) رواه اللالكائي في "كرامات الأولياء"(ص: 243).
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 25)، ورواه القشيري في "رسالته" (ص: 387).
وروى ابن سعد في "طبقاته"، والبزار، وأبو يعلى، والحاكم في "المستدرك"، وأبو نعيم، والبيهقي عن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت، فركبتُ لوحاً فأخرجتني إلى أَجَمة فيها أسد، فأقبل إلي فقلت: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنتُ تائهاً، فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطَّريق، فهمهم، فظننت أنه السَّلام (1).
وروى اللالكائي عن محمد بن المنكدر: أن سفينة أخطأ الجيش بأرض الروم، أو أمسى في أرض الروم، فانطلق هارباً يطلب الجيش فإذا هو بالأسد، فقال: أبا الحارث! أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد له بصبصة حتى قام إلى جنبه، فلما سمع صوته أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه، فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش، ثم رجع الأسد (2).
وروى ابن عساكر عن أنس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة بكتاب إلى معاذ باليمن، فذكر نحو القصة (3).
وهذا يدل أن الأسد عرض لسفينة مرتين أو مرات، وهو مسخر
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(6550)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(3/ 1392)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 45). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 367): رواه البزار والطبراني ورجالهما وثقوا.
(2)
رواه اللالكائي في "كرامات الأولياء"(ص: 159).
(3)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(10/ 473).