الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
2
- *
يوم المؤتمر:
ما كادت الساعة المقرّرة لافتتاح المؤتمر تدق، حتى كانت قاعة "الماجستيك" الفسيحة وإيوانها الفخم وشرفاتها كلها، مكتظة بالوافدين من الأقطار الثلاثة (1)، فكان منظرًا مؤثّرًا، وإن الناظر ليدرك لأول نظرة أن طبقات الأمّة كلها تمثّلت في المؤتمر، فترى العامل، والتلميذ والفلاح، والغني، والفقير، والوجيه، والخامل، والفتى، والشيخ، ممتزجين متلاصقين، فتحكم بالبداهة كيفما كان سنّك وحظك من شهود المجتمعات، أنه أول مشهد من نوعه شهدته في عمرك بهذا الوطن.
انتظم المكتب بهيئته التي أسلفنا القول عنها واستقرّ رجال الصحافة في المقاعد التي خُصّصت لهم، وافتتح المؤتمر الدكتور عبد النور تامزالي النائب المالي والبلدي بكلمة رحّب فيها بالمؤتمرين وتمنّى لهم النجاح باسم مدينة الجزائر التي هو عضو في مجلسها البلدي، ونائب شيخها.
ثم قام رئيس المؤتمر الدكتور صالح بن جلول فخطب خطبة طويلة وصف فيها حالة الأمة، وبيّن الأسباب الداعية لعقد المؤتمر والمقاصد التي ستعرض عليه. وأعلن في الأخير أن النواب كلهم مجمعون على المطالبة بالحقوق السياسية، ومنها التمثيل في البرلمان لا على أسس البرامج الشخصية الرائجة، بل على أسس المساواة التامة والتعميم التام، والمحافظة التامة على الأحوال الذاتية الإسلامية بحيث ينتخب الجزائريون على اختلاف أجناسهم، نائبًا واحدًا، ويكون حق الانتخاب البرلماني حقًّا لكل مسلم جزائري له حق الانتخاب المحلي، مع المحافظة والاعتراف للمسلم الجزائري بذاتيته الشخصية الإسلامية وأحكامه الإسلامية.
* جريدة "البصائر"، السنة الأولى، العدد 24، الجمعة 29 ربيع الأول 1355هـ/ 19 جوان 1936م.
1) أي المقاطعات الثلاث أو المحافظات الثلاث وهي وهران، والجزائر العاصمة وقسنطينة.
ثم قام بعده الدكتور الجيلاني بن التهامي النائب البلدي بمستغانم متكلمًا باسم اتحاد نواب عمالة وهران، فأعلن للمؤتمرين تضامن جمعيته مع جمعيات النواب على هذه المطالب.
وقام بعده الدكتور البشير عبد الوهاب نائب البليدة العمالي، فأعلن باسم نواب عمالة الجزائر تضامنهم مع إخوانهم على تلك المطالب.
وتكلم بعده الصيدلي عباس فرحات نائب سطيف العمالي، فأعلن ما أعلنه زميلاه من قبل، وعلم شاهدو المؤتمر أن كلمة النواب مجتمعة على المطالب ومتفقة في النقطة التي كانت محل نزاع وهي نقطة التمثيل البرلماني وكيفيته.
ثم تكلم الدكتور سعدان نائب بسكرة العمالي عن سكان القسم العسكري الجنوبي (2)، فاقترح على المؤتمر المطالبة بحذف المحاكم العسكرية الشاذة وتصيير الأقسام الجنويية مدنية، فوافق المؤتمر بالإجماع على هذا الاقتراح.
ثم فتح الرئيس الباب للخطباء من النواب والعلماء والشبان على ترتيبهم المقرر، فخطب نحو العشرة منهم، وكانت خطب النواب والشباب كلها دائرة على أن الجزائر المخلصة المرتبطة بفرنسا ارتباطًا وثيقًا المقيمة على ولائها لها في أيام الشدة والرخاء أصدق البراهين، ليس من العدل ولا من الإنصاف أن لا تأخذ حقها في الحياة مستوفى. وليس من العدل ولا من الإنصاف أن ترزأ في ذاتيتها، وأن تدفعها ثمنًا لتلك الحقوق زيادة على ما دفعته من أثمان غالية. وأنها تحافظ على هذه الذاتية التي هي مناط فخرها بكل الوسائل، وأنها تساس في القرن العشرين بقوانين استثنائية لا تليق بمكانتها ولا بسمعة فرنسا. فمن الحق والعدل أن تُلغى هذه القوانين الجائرة وتُمحى من الوجود، وأنها محرومة في القرن العشرين من الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون. فمن الحق والعدل أن تشاركهم في التمتع بتلك الحقوق كما شاركتهم في القيام بالواجبات.
ثم انتهى دور الخطابة إلى العلماء، فخطب الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خطبة مؤثرة نوّه فيها بقيمة هذا المؤتمر في تاريخ الجزائر. فعلا الهتاف والتصفيق، ثم تخلص إلى ذكر المطالب الخاصة بالدين واللغة العربية فشرحها للناس شرحًا وافيًا، وأعلن أنه قدم بخلاصة تلك المطالب تقريرًا لمكتب المؤتمر لينظمه مع المطالب الجزائرية. وتقدم للحاضرين بأن يرفعوا أيديهم إن كانوا موافقين على هذه المطالب، فارتفعت في لحظة واحدة سبعة آلاف يد وعلا الهتاف.
…
2) كان جنوب الجزائر خاضعًا للحكم الفرنسي العسكري.