المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تعالوا نُسائلكم* -‌ ‌ 1 - أما إن الحق لا يثبت بالدعوى ولكن - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ١

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌مقدمة

- ‌هذه الآثار وتاريخ الجزائر:

- ‌ الحركة العلمية الإصلاحية الدينية

- ‌ الحركة السياسية

- ‌هذه الآثار وحياة الإبراهيمي:

- ‌ مرحلة التكوين والتحصيل الأولى (1889 - 1911):

- ‌ الرحلة المشرقية الأولى (1911 - 1920):

- ‌ مرحلة الإرهاصات (1920 - 1931):

- ‌ بدايات جمعية العلماء (1931 - 1940):

- ‌ قيادة الحركة الدينية والثقافية بالجزائر (1940 - 1952):

- ‌ الرحلة المشرقية الثانية (1952 - 1962):

- ‌ المرحلة الأخيرة (1962 - 1965):

- ‌مشروع الإبراهيمي النهضوي:

- ‌العلم

- ‌ الدين

- ‌الأخلاق

- ‌الإقتصاد

- ‌شخصية الإبراهيمي:

- ‌ الإسلام

- ‌الأقانيم الثلاثة في حياة الإبراهيمي وآثاره:

- ‌العروبة

- ‌الجزائر

- ‌هذه الطبعة الجديدة:

- ‌السياق التاريخي (1929 - 1940)

- ‌قبل تأسيس جمعية العلماء

- ‌محمد بن شنب*

- ‌التعاون الاجتماعي*

- ‌الإنسان أخو الإنسان*

- ‌الإنسانية: آلامها واستغاثتها*

- ‌خطبة جمعية*

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الخطابة والتمثيل*

- ‌نائب رئيس جمعية العلماء يتكلم

- ‌كيف تأسست جمعية العلماء الجزائريين*

- ‌القانون الداخليلجمعية العلماء المسلمين الجزائريين*

- ‌الفصل الأول: فيما يرجع إلى نظام الجمعية وإدارتها:

- ‌الفصل الثاني: لجنة العمل الدائمة:

- ‌الفصل الثالث: مقاصد الجمعية وغاياتها وأعمالها:

- ‌الفصل الرابع: في مالية الجمعية:

- ‌إفتتاح مسجد سطيف*

- ‌ديوان أبي اليقظان وجريدة النور*

- ‌الشيخ محمد الطيب عميد آل الشيخ الحواس*

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريينالمجلس الإداري للجمعية

- ‌أعضاء مجلس الإدارة:

- ‌جلسة مساء الخميس:

- ‌جلسة يوم الجمعة الثاني عشر شوال 1350:

- ‌جلسة مساء يوم الجمعة:

- ‌جلسة يوم السبت:

- ‌جلسة مساء السبت:

- ‌مات شوقي

- ‌الإسلام والمسلمون*

- ‌وحدة الدين واللسان:

- ‌الإسلام والتاريخ:

- ‌الإسلام والبيان العربي:

- ‌هدي الإسلام في البيان العربي:

- ‌التربية الإسلامية والنقائص البشرية:

- ‌بُعد المسلمين عن الهداية الإسلامية:

- ‌جناية المسلمين على الإسلام:

- ‌شدّة تمسّك المسلمين بالنسبة للإسلام:

- ‌قاعدة الدعوة الإصلاحية وأسلوبها:

- ‌آية الإسلام في قوّة رسوخه في القلوب:

- ‌تعالوا نُسائلكم*

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌أسباب تكوين جمعية العلماء المسلمين طبيعية

- ‌جمعيّة العلماء: دعوتها وغايتها*

- ‌ثلاث سنوات من عمر جمعيّة العلماء*

- ‌مُلخصُ خطاب ألقي بنادي الترقّي*

- ‌عرض الحالة العلميّة*

- ‌مقدّمة سجلّ مؤتمر جمعيّة العلماء*

- ‌فلسفة جمعية العلماء*

- ‌تفرق أهل الكتب السماوية في الدين قبل الإسلام:

- ‌بدء تفرق المسلمين في الدين:

- ‌آثار الطرق السيئة في المسلمين:

- ‌دفع شبهة ونقض فرية في هذا المقام:

- ‌أول صيحة ارتفعت بالإصلاح في العهد الأخير:

- ‌نشوء الحركة الإصلاحية في الجزائر:

- ‌الخطوة الأولى:

- ‌الرأي الثاني

- ‌جمعية العلماء فكرة

- ‌جمعية العلماء عقيدة:

- ‌جمعية العلماء حقيقة واقعة:

- ‌موقف جمعية العلماء المسلمين من الطرق:

- ‌موقف الجمعية في التعليم:

- ‌موقف جمعية العلماء من البدع والمنكرات العامة:

- ‌موقف الجمعية من الالحاد:

- ‌موقف الجمعية من التبشير:

- ‌موقف الجمعية من بقية الرذائل:

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائرين كما هي:

- ‌خاتمة

- ‌الأمّيّة*

- ‌إلى كتّاب "البصائر

- ‌كتاب "السعادة الأبدية

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌أشيخ الإسلام هو أم شيخ المسلمين

- ‌بين عالم وشاعر*

- ‌جواب الشاعر

- ‌لا يبني مستقبل الامّة إلا الأمّة

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌يوم المؤتمر:

- ‌اللغة العربية

- ‌الديانة

- ‌ 3

- ‌من آثار المؤتمر الإسلامي

- ‌يوم الجزائر*

- ‌أمس واليوم

- ‌سرّ تعليق الآمال على الجبهة الشعبية

- ‌فكرة المؤتمر

- ‌النقط التاريخية في المؤتمر:

- ‌يوم المؤتمر:

- ‌قائمة القرارات:

- ‌قائمة الاقتراحات الفردية:

- ‌أهم مقررات المؤتمر:

- ‌اللجنة التنفيذية:

- ‌ما تمّ بعد المؤتمر ولم تنشره الصحف:

- ‌مطالب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:

- ‌حقوق الأمّة الجزائرية التي تطلبها من الأمة الفرنسية

- ‌مقدّمة

- ‌الأوضاع والمعاملات الخاصة:

- ‌النيابات:

- ‌أثر مشاركة جمعية العلماء في المؤتمر:

- ‌المؤتمر الجزائري الإسلامي العام:

- ‌كلمة عن وفد المؤتمر الإسلامي*

- ‌مقتل الشيخ كحول*

- ‌وقفة على أطلال الحادثة:

- ‌أول تحدِّ للمكيدة

- ‌مستند العدلية في اعقال الأستاذ العقبي:

- ‌المستغربات في هذه الحادثة

- ‌مرامي الإشاعات الأولى:

- ‌الإفراج عن الأستاذ العقبي ورفيقه:

- ‌فتح نادي الترقّي وما يتّصل به:

- ‌آثار اعتقال الأستاذ العقبي في الأمة الجزائريةونتيجته للدّعوة الاصلاحيّة*

- ‌الإصلاح الدّيني لا يتمّ إلا بالإصلاح الإجتماعي

- ‌من قصيدة للأستاد الإبراهيمي*

- ‌إما سنّة وإما بدعة*

- ‌المؤتمر الإسلامي الجزائري*

- ‌إلى الطرقيين*

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الدعوة إلى المناظرة:

- ‌إفتتاح مدرسة دار الحديث بتلمسان

- ‌ 1

- ‌الدعوة العامة

- ‌ 2

- ‌دعوة المجلس الإداري لجمعية العلماء

- ‌ 3

- ‌كلمة في «دار الحديث»

- ‌ 4

- ‌تحيّة «دار الحديث» للشاعر محمد العيد

- ‌تعطيل مدرسة «دار الحديث» *

- ‌المولد النبوي*

- ‌ختم ابن باديس لتفسير القرآن*

- ‌ تمهيد

- ‌ كلمة التصدير لهذا العدد*

- ‌ كلمة في الاحتفالات

- ‌ خلاصة تفسير المعوذتين من درس الأستاذ

- ‌كلمة ببن يدي التلخيص:

- ‌سورة الفلق:

- ‌سورة الناس:

- ‌ خطبة الأستاذ الإبراهيمي التي ختم بها حفلة التكريم

- ‌ التعريف بالمشاركين في حفل ختم التفسير

- ‌تلمسان وابن خلدون*

- ‌العربية: فضلها علىالعلم والمدنية وأثرها في الأمم غير العربية*

- ‌منشور إلى الأمتين الإسلامية والفرنسية*

- ‌الأستاذ محمد بن مرزوق*

- ‌ختم الدروس السنوية «بدار الحديث» *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌درس في التفسير(سعادة المسلمين في العمل بالقرآن)

- ‌من خطبة عيد الأضحى*

- ‌موقفنا من الطرقية وصحفها*

- ‌إلى جريدة "الإصلاح

- ‌تعزية الإبراهيمي فيفقدان السيد الرشيد بطحوش*

- ‌افتراء مستشرق*

الفصل: ‌ ‌تعالوا نُسائلكم* -‌ ‌ 1 - أما إن الحق لا يثبت بالدعوى ولكن

‌تعالوا نُسائلكم*

-‌

‌ 1

-

أما إن الحق لا يثبت بالدعوى ولكن بالدليل، وأن العبرة بالمسمّيات لا بالأسماء وبالأفعال لا بالأقوال، ولو أن كل من سمّته أمّه "صالحًا" كان صالحًا على الحقيقة وكل من سمّته الحكومة "عدلًا" في المحكمة كان عدلًا على الحقيقة لكنّا سعداء بكثرة الصالحين والعدول فينا. ولو أن كل من تسمّى "حسنًا" لا يأتي لمكان اسمه إلا الفعل الحسن لطم الحسن على القبح، ولكن من وراء هذه الأسماء الجميلة أفق الواقع تتهاوى فيه هذه الأسماء وتنفلق فلا نجد إلا الحقيقة من فعل يصدق أو يكذب.

* مقال متسلسل نشره الشيخ تباعًا باسم "كاتب نقّاد" من أعضاء جمعية العلماء.

المقال الأول: العدد (7) من جريدة "السنّة"، 22 ماي 1933م.

المقال الثاني: العدد (9) من نفس الجريدة، في 5 جوان 1933م.

المقال الثالث: العدد (11) من نفس الجريدة، في 19 جوان 1933م.

وقد صدّر المقال الأول بالمقدّمة التالية:

الشعب الجزائري المسلم بفطرته، الكريم في عنصره، الجاهل بحقائق دينه- في أكثريته- واقع اليوم بين قوّتين تتجاذبانه: قوّة العلماء المصلحين الداعين إلى الله وإلى الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يبغون على ذلك جزاء ولا شكورًا، وقوة الشيوخ الطرقيين الذين وقفوا- إلا أقلّهم- سدًا حائلًا بين العلماء وبين أتباعهم من عامّة الأمة. ثم هم والمدعون للدفاع عنهم لا يألون جهدًا في تنفير العامة من العلماء بالتقوّل فيهم والتزيّد عليهم والتشويه لسمعتهم حتى ليقول قائلهم في كلمة مشهورة عندهم:"العلماء مصابيح ونحن مراويح" يعنون أنهم يطفئونهم. وما علموا أن الله متمّ نوره ولو كره الكارهون. فكان من واجب النصح للعامة أن تعرّف بحقيقة هؤلاء الشيوخ تعريفًا يتركهم أمام الأمة على حقيقة حالهم دون أي زيادة عليهم ولا تنقيص لشخصياتهم، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} .

وعلى هذا القصد نشرنا المقال التالي الذي تعمّد فيه كاتبه الصراحة لأجل ذلك البيان والكشف المقصودين. وإن هذا المقال هو آخر ما ينشر من نوعه لأنه آخر صفحة من كتاب. وإن الجريدة بعد تمام نشره، تعرض عن القوم إعراضا كليًا وتوجّه همّها إلى بيان السنن النبوية وتوضيح المسائل العلمية. والله المستعان.

ص: 113

وإذا عذرنا الأم تسمّي ولدها باسم جميل، ثم تأتي أفعال الولد مكذّبة لاسمه فيشفع لها الفأل، فنقول: أرادت شيئًا وأراد الله ضده- وإذا عذرنا الحكومة فيمن تسمّيه عدلًا وتشفع لها الرسوم الاصطلاحية فنقول: راعت ظاهر الشهادة ولم ترع باطن الخلق- إذا كان ذلك كذلك فما بال أصحابنا "علماء السنّة"(1) يتّسمون باسمٍ لا يلتقون مع معناه في طريق ولا يقوم عليه شاهد من أقوالهم ولا ينتزع عليه دليل من أفعالهم- لولا أنها الشعوذة لبستهما فأنكرناهم فيها فلبسوها فأنكرناها عليهم، فخرجوا من باب اللباس إلى باب التلبيس، وقالوا نحن قوم أصحاب أسماء، قد أسقطنا الواقع من اعتبارنا، وأسقطنا الأعمال من حسابنا فلا نرفع بها رأسًا ولا رجلًا، وما دمنا بهذه الصفة وما دامت في الأمة بقايا من البله والغفلة و "النية"(2) فلندع أنفسنا بالعلماء وإن لبسنا من الجهل سرابيل، ولنسمِّ أنفسنا "علماء السنّة" وإن كنّا نخوض في البدعة خوضًا- فجاء هذا الاسم كما ترى وليس في الأسماء أكذب منه ولا أشدّ منافرة لمسمّاه.

وإذا كان في أفعال العباد ما لا يتمّ إلا بتوفيق من الله، فإن فيها ما لا يتهيأ لصاحبه إلّا بخذلان من الله أيضًا، ومن أمثلته ما تهيّأ لأصحابنا من دعواهم في السنّة دعوى آل حرب في زياد (3).

ولو كان للسنّة معانٍ يضيع بينها القصد وتختلف وجوه التأويل، لقلنا هم علماء السنّة "الدرهمية" أو "الكسكسية"(4) ففسّرناها بما هو الأشبه بهم أو لكان لنا عذر في السكوت- ولكن القوم دلونا بكلامهم الذي أذاعوه، وبميزانهم الذي وضعوه ورمزهم الذي ابتدعوه- أنهم يريدون هذه السنّة النبوية- التي قضوا أعمارهم في الكيد لها ومكاثرتها ببدعهم المضلّة- لعمري إنه لا أسخف من هذه الإضافة المتنافرة الجزئين وإذا حلت في ذوق فإنما هو من يسمّى "أبا جهل" عدو الشيطان.

فهل يحسن بنا، وقد أنضينا قرائحنا في تعلّم هذه السنّة المطهرة وبذلنا في العمل بها جهد المستطيع، وركبنا المخاطر في الدعوة إليها، هل يحسن بنا بعد هذا كله أن نسكت لهؤلاء عن هذه الدعوى الباطلة، ونوليهم منّا ما تولّوا ونبلعهم ريقهم، وهل يحسن بنا أن لا يكون لنا في الدفاع عنها ما كان منّا في الدعوة إليها؟ إنا إذن لمقصرون!

1) "علماء السنّة": جمعية أوحت فرنسا بتأسيسها لتضاربها جمعية العلماء. وهي تتكون من الطرقيين ورجال الدين التابعين للإدارة الفرنسية.

2) النية: كلمة دارجة يستعملها العامة في معاني الغفلة والبله.

3) إشارة إلى ادعاء معاوية بن أبي سفيان بن حرب نسب "زياد ابن أبيه السياسي العربي الشهير- إلى أهله، وهو ما لم يثبت إلا بالادعاء".

4) "الكُسْكُسِيَّة": نسبة إلى الأكلة الشعبية المعروفة بالمغرب العربي عمومًا وهي "الكُسْكُسي".

ص: 114

إن هذه السنّة المطهرة تأبى علينا أن نهن مع هؤلاء الأدعياء، أو نلين لغمزاتهم أو نتسامح معهم أو نقرّهم على باطلهم أو نخلي لهم الميدان ليفسدوا من هذه الأمة ما أصلحه الدين، ويفرّقوها بكثرة النسب بعد أن وحّد الله نسبتها، وينحطّوا بها إلى أسفل الرتب بعد أن رفع الله رتبتها.

وإن هذه السنّة المطهرة تأبى لنا إلا أن نسمّيهم بأسمائهم وأن نفضح مخازيهم ونكشف سوآتهم وننزع عنهم هذا الثوب المستعار، ونظهرهم للأمة كما هم في الحقيقة والواقع لا كما هم في الزعم والدعوى، ويومئذٍ يتبيّن للناس أن بين هؤلاء وبين السنّة بعد المشرقين.

إن نسبة هؤلاء القوم إلى السنّة كنسبة عمرو الذي قال فيه الشاعر:

أرفق بعمرو إذا حركت نسبته

فإنه عربي من قوارير!

لا جرم أنهم سنيّون من قوارير، لكننا لا نرفق بهم على النحو الذي دعا ذلك الشاعر الهازئ، فإن عمروًا لم يضر أحدًا بادعائه النسبة العربية، وهؤلاء أضرّوا بل أضلّوا: فمن الرفق بالأمة وبهم أن نكسر القوارير فينكسر معها الضلال والإضلال!!

إننا لَنعلمُ حقًا أن هذه الطائفة التي سمّت نفسها علماء السنّة ترجع في أصولها إلى ثلاثة: شيخ (مزوّر)، وعالم مأجور، وعامي مغرور، فاجمع أنت هؤلاء الثلاثة وأخبرنا هل يكون الحاصل هو "العلم بالسنّة"؟ لا شكّ أن الحاصل يكون شعوذة (غالية) من الأول، يؤيّدها علم (رخيص) من الثاني، كل ذلك لإيقاع الثالث في الفخ، فهو الذي يدفع ثمن الغالي والرخيص، وهو المغبون أولًا وآخرًا.

يا للرزية! ألا يكون علم هؤلاء إلا أداة لتثبيت الباطل في الطرفين، وإلا شهادة زور ولكنه زور (علمي) ولذلك يؤخذ بها من مبطل لمبطل ثم لا يكون حظ العالم إلا ما يأخذه شاهد الزور على شهادة الزور، ثم لا يكون الثلاثة إلا من "علماء السنّة".

تعالوا أيها القوم نصارحكم، فقارضونا صراحة بصراحة أليس هذا العامي المسكين هو محل النزاع بيننا وبينكم؟

دعونا من الكذب على السنّة والتلبيس باسم السنّة ودعونا مما ترموننا به من الوهابية ودعوى الاجتهاد، فقد علمنا وعلم العقلاء أن ذلك كله منكم تحامل وتداه تريدون أن تبعدوا به عن محل النزاع وتستجرونا مما نحن فيه إلى ما لسنا منه بسبيل.

نقول لكم: دعوا هذا (العامي) على فطرته ليتلقّى الهداية الدينية على يد أهلها سليمة كفطرته، بيضاء كقلبه، نقية كصدره، ونحاكمكم في هذا إلى كتاب الله وسنّة نبيّه وهدي السلف الصالح من أمّته، فلا تسلمون ولا تجادلون بالحسنى بل كلّما قرعتكم الحجة

ص: 115

وعضكم الدليل، رجعتم بنا إلى أصول من طباعكم هي المباهتة والمغالطة والقول بغير علم، وهو شر ما يتخلّق به متخلّق وأوهن ما يعتمد عليه مجادل.

ونقول لكم: سلّموا العلم بالكتاب والسنّة وهدي السلف إلى من مارسها بالبصيرة النافذة، وتناولها بالذهن الوقاد والقريحة الحيّة، وأنفق فيها من عمره مثل ما أنفقتم في اللهو واللغو والتطبيل والتزمير- فتمارون وتصرون وتستكبرون، فويحكم إن (التسليم) من أصول طرائقكم فيما تزعمون

فهل يجب التسليم عندكم للمتخمّر إذا تخمّر، فعبث بالمقامات العليا من نبوية وملكية وألوهية، ويجب التسليم عندكم للمشعوذ إذا شعوذ وللشيطان إذا استحوذ، وللمجذوب إذا اختلّت أعصابه وضاع صوابه وسال لعابه، ولا يجب التسليم لكتاب الله إذا قام دليله، ولهدي نبيّه إذا اتضح سبيله

؟ وهل من محادة لله ورسوله أعظم من هذه؟ وهل في مراتب الاستخفاف بالدين أسفل من هذه؟ فهاتوا مخلصًا من هذا، وهيهات أن تجدوه ولو كان الشيطان لكم نصيرًا.

ولسنا ندري أيعلم علماؤكم هذا أم يجهلونه ولكن الذي ندريه أنكم لغير هذا آجرتموهم. وإن كان علماؤكم من الطراز الذي كانت تعلن عنه جريدة البلاغ فتنعت الواحد منهم بأنه مدرّس بقرية كذا وأن عنوانه بقهوة كذا فلا تصدق إلا في آخر النعتين- فقد أضفتم إلى الاستخفاف بالدين الاستخفاف بالعلم.

إن محلّ النزاع بيننا وبينكم هو هذا العامي. نريد أن نحرّره من استعبادكم ونطلقه من أسركم، وتريدون أن يبقى عبدًا تستغلّون خراجه ولا يستقيم لكم هذا منه إلا بجهله وغفلته. فأنتم تجهدون في تجهيله وتضليله ومن ذرائعكم لذلك أن تبعدوا ما بيننا وبينه فهلا واحدة هي أقرب إلى النصفة والمعدلة وهي أن لا تضلّوه إذا لم تهدوه وأن تتركوا له مَالَه إذا لم تصلحوا حاله.

نريد لهذا العامي أن يؤمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبالكعبة قبلة وبالقرآن إمامًا وبمحمد رسولًا، وأن لا يرجو النفع إلا من ربّه ولا يستدفع الضرّ إلا به، وأن لا يستعين بعد الأسباب الكسبية إلا بقوّته، وتريدون منه أن يؤمن مع ذلك أو قبل ذلك أو بعد ذلك بأنكم أولياء الله وإن استبحتم الحرمات وركبتم المحرمات، وأن يشرككم مع الله في الدعاء أو يدعوكم من دونه وأن يلتجئ إليكم حتى فيما هو من خصائص الألوهية، وأن يشدّ الرحال لبيوتكم كما يشدّها لبيت الله- فاجبهونا بالتكذيب إن استطعتم.

أليس فيكم من يبيع الأولاد للعقيم ويبيع الراحة للسقيم؟

أليس فيكم من يهدّد المسلم بخراب البيت وموت الأولاد وهلاك الحرث والماشية إذا هو قطع عادة أو قصر في شيء من رسوم الخدمة؟ أليس فيكم من كتب على قبر أبيه:

ص: 116

هذا مقام إبراهيم

ومن دخله آمنا

لا يخشى من الجحيم

ومن النار الحاميا

فأضاف إلى تلك الشنعاء شنعاء أخرى وهي تحريف آية من كلام الله؟

أليس فيكم من يقول في صراحة إِنه يتصرّف في الوجود ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء ثم ينحل هذا التصرف غيره لتكون له أسوة؟ إن وجودًا يكله الله لتصرّفكم لأهون وجود، وهل بلغ هذا الكون البديع من الهوان على الله أن يكله إلى تدبيركم أيها الحمقى ونحن نراكم أعجز الناس عن تدبير (خبزة) فلا تبلغونها إلا بدفع دينكم ثمنًا لها.

أليس من الشائع في معتقدات العامة التي هي من وضع أيديكم أن من زار مقام فلان ثلات مرات كتبت له حجة؟ وهل في التعطيل لأركان الدين أشنع من هذا؟ لكم الويل أَكُلُّ هذا في سبيل إشباع بطونكم؟

بلى، كل هذا فيكم وفيكم غيره مما نعد منه ولا نعدده وإننا لنعلم أن منكم من ينكر هذا في نفسه ويبرأ منه، ولكن لماذا لا يمدّ يده إلينا ويرفع صوته معنا بالإنكار لهذه الشناعات التي صارت لكم سمة ونعتًا وعرفتم بها وعرفت بكم؟ لماذا لا ينضمّ إلينا فيكون لنا من بعضكم الصالح عون على بعضكم الطالح لولا أنكم تتقارضون سكوتًا بسكوت لأن ضلالكم (مصلحي) والمصلحة أنواع.

أفي الحق ما بعضه حق وبعضه باطل؟ وفي الأوصاف ما إن وصف به فلان ابن فلان كان خيرًا وكان حسنًا وكان فضيلة وكان بحيث يحمد ولا يذم ويشكر ولا ينكر، وإن وصف به فلان الآخر كان شرًا وكان معصية وكان رذيلة وكان وكان، أوَّلًا: ففيم نزاع الناس في أن هؤلاء لصوص؟ أإن فارقوا اللصّ في هيئته فارقوه في أنه يأخذ مال الناس غلابًا ويأخذونه بما يشبه الرضى وفارقوه في طرائق الاحتيال للتخلّص من القانون- يريدون منّا ألا نسمّيهم لصوصًا، كلا إنهم لصوص ويزيدون على اللص العادي بواحدة- وما يزيدون بها إلا النقص، وهي أنهم يتلصصون باسم الدين.

ولقد كان الظن بكم غير ما هو الآن إذ كنتم فرادى يعمل كل واحد منكم في دائرته الخاصة ويسير في طريقه ويحمي مناطق نفوذه ويجرّ النار لقرصه وكانت أسباب العداوة بينكم مستحكمة تمدّها أسبابها الطبيعية وما أسبابها إلا المزاحمة في المصالح الدنيوية والمنافسة على الرياسة والمكاثرة بالاتباع فكنّا نراكم على باطل ولكنه باطل موزع القوة وذلك أوهن له، وكنا لذلك نرجو لكم الرجوع إلى الحق ونرجو منكم معاونة الداعين إليه، فما راعنا في وقت نحن ننتظر فيه منكم الإنابة إلا تألبكم ضد الحق واجتماعكم لحربه فعلمنا أن ذلك الباطل الموزع بعضه من بعض وأن هذه هي غايته لا ما مَوَّه به المموّهون منكم.

ص: 117

فأجمعوا أمركم ثم كيدوا الحق فما أنتم ببالغين إلا ما يبلغه من يريد أن يغطي على الشمس بكمه وهو لا يدري أن وراء كمّه أرض الله الواسعة.

أجمعوا أمركم وحدّدوا عقد الإجارة مع علمائكم واستوثقوا منهم ولا تأمنوهم فقد خانوا الله وأحرى بهم أن يخونوكم وإنما هم قوم مع الدراهم كثرة أو قدة لا مع المبادئ حقًا أو باطلًا ومع البطون ملئًا وفراغًا لا مع الآراء صوابًا أو خطأ.

أما نحن، فوالله ما نباليكم مجتمعين ولا متفرقين وما رهبناكم وأمركم إلى إقبال والدنيا لكم تبع وأهلها لكم شيع، فكيف نرهبكم وأمركم إلى إدبار وقد ضجّت الدنيا من خفاياكم وخباياكم وزواياكم وبلاياكم ورزاياكم، وكم اشتكت منكم الجيوب إلى علّام الغيوب.

ووالله ما وهمنا في شأنكم ولا كذبتنا الحقيقة وما أنتم اليوم إلا من عرفنا بالأمس.

ص: 118