الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقائق الإسلام ما بينهن وبين الطبع البشري حقبة، وأقامته على صراط الفطرة السوي، وكأنما أنشأته نشأة مستأنفة، بما حرّرته منه من شوائب الاسترقاق لهذه الهنات وغيرها، حتى أصبح لا يدين بالعبودية إلا لله، ثم عاد المسلمين من ذكرى تلك الهنات عيد وطاف بهم طائف من العصبية التي محاها الإسلام لأول ظهوره، وإنّ العصبية لأصل البلاء كله، فنشأت فيهم العصبية إلى الجنس وإن لم يعمر من التاريخ صفحة، والعصبية إلى الرأي وإن لم يتعلق به من السداد نفحة، والعصبية للآباء وإن لم يكن لهم في الصالحات أثر، والتعصّب للأشياخ حتى فيما زاغ فيه الفكر وعثر.
لهذه العصبيات، صارت الأمة الواحدة أممًا وصارت السبيل الواحدة سبلًا إذ نشأت عن العصبيات آثارها اللازمة لها فساءت الحال وتراخت حبال الأخوة الإسلامية وضعف أثر الوازع الديني في النفوس، فضعف لضعفه أعظم ركن في الإسلام (وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) فطغت المحدثات على السنن حتى غمرتها وأصيبت العلوم الإسلامية بما أصيب به المجتمع الإسلامي من فتور، ولابست حقائق الدين شبهات أعضل أمرها وساء أثرها، وأتى التقليد بنيان الاستدلال من القواعد فجفّ العلم وعقمت العقول، وكان شر نتيجة لتلك المقدّمات كلها بُعْدُ الأمة الإسلامية عن هداية كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالح من أمّته.
بُعد المسلمين عن الهداية الإسلامية:
قد لمسنا- عن غير قصد- موضوعًا واسع الجنبات مترامي الأطراف، ولعلّنا نوفّق إلى تعمير بعض صحائف هذه الجريدة بفصول منه تفصل ما أجملناه هنا لأن الكشف عن النواحي الغامضة من هذا الموضوع من أوكد ما تتطلبه النهضة الإصلاحية الدينية، وأوجب ما تجب معرفته على القائمين بها مناشئ العلل وأسبابها وتاريخ نشأتها ليزدادوا بصيرة فيما يحاولونه من إصلاح فاسد أو تقويم معوج.
وقد يتعجّب الباحث المسلم المطّلع على أحوال المسلمين لعهدنا هذا، إذ يرى التقاليد والأوهام شائعة بينهم على اختلاف أجناسهم وتباعد ديارهم ويراها متشابهة الآثار فيهم، ويراهم في الاستمساك بها والمحافظة عليها وكأنما يسيرهم إلهام واحد أو يسوقهم إليها قانون واحد، يرى ذلك كله- وهو واقع- فيرى ظاهرًا من حال هذه الأمة يدعو إلى العجب، ولكنه إذا تعمّق في البحث يعثر بالأسباب واضحة العلل معقولة، فيزول العجب.
وقد يرى ذلك بعينيه الباحث الغربي أو من يحمل عصبية على المسلمين أو زراية بدينهم فيرد ذلك في منشئه إلى دين الإسلام ويخرج من بحثه بنتيجة خاطئة، وهي أن الإسلام يحمل في خفاياه جراثيم التأخّر والانحطاط والاستسلام للأوهام والخرافات ويخرج من ذلك إلى أنه