الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ختم ابن باديس لتفسير القرآن*
بسم الله الرحمن الرحيم
------
1 -
تمهيد
------
أتم الله نعمته على القطر الجزائري بختم الأستاذ عبد الحميد بن باديس لتفسير الكتاب الكريم درسًا على الطريقة السلفية. وكان إكماله إياه على هذه الطريقة في خمس وعشرين سنة متواليات مفخرة مدخرة لهذا القطر. وبشرى عامة لدعاة الإصلاح الديني في العالم الإسلامي كله، تمسح عن نفوسهم الأسى والحزن لما عاق إمام المصلحين محمد عبده عن إتمامه درسًا، ولما عاق حواريه الإمام رشيد رضا عن إِتمامه كتابة.
إن إكمال تفسير القرآن على تلك الطريقة في مدة تساوي- بعد حذف الفترات- المدة التي كمل الله نزوله فيها، يعد في نظر المتوسمين إيذانًا من الله برجوع دولة القرآن إلى الوجود، وتمكين سلطانه في الأرض، وطلوع شمسه من جديد، وظهور المعجزة المحمدية كرة أخرى في هذا الكون.
ثم كان الاحتفال بختمه بمدينة قسنطينة في الثالث عشر من ربيع الثاني عام 1357 دليلًا على انسياق الأمّة الجزائرية المسلمة إلى القرآن واستجابتها لداعي القرآن واجتماع قلوبها على القرآن وشعورها بلزوم الرجوع إلى هداية القرآن، ولا معنى لذلك كله إلا أن إحياء القرآن على الطريقة السلفية إحياء للأمّة التي تدين به.
* "الشهاب"، الجزء الرابع، المجلد 14، جوان- جويلية 1938، [ص:153]، عدد خاص من "الشهاب" بمناسبة ختم الأستاذ عبد الحميد بن باديس لتفسير القرآن.
ثم جاءت حفلات التكريم للأستاذ المفسّر ولوفود القرآن، وما لقيته تلك الوفود من سكان الحاضرة القسنطينية من صدق الحفاوة وكرم اللقاء وبشاشة المظهر وتهلل الأسرة وإكرام المثوى وإغداق الضيافة، آية بالغة على أن القرآن فعل فعله في تلك النفوس فجمعها على التقوى وهداها لكريم الخلال وبسط شعاعه على جوانبها المظلمة، فتعارفت بعد التناكر وتآلفت بعد التخالف، ويوشك أن يأتي بعد هذا التعارف الخير الكثير.
ولما كانت مجلة "الشهاب" هي لسان الحركة الإصلاحية التي قرّبت ما بين الأمّة وبين قرآنها من بعد، وأزالت ما بينهما من جفاء، كانت تلك المجلة حقيقة بأن تؤرّخ لهذا الموسم القرآني العظيم وتدوّن وصفه وما قيل فيه ليبقى تذكرة خالدة للأجيال المقبلة، وصفحة لامعة في تاريخ النهضة الدينية العلمية بالجزائر، وعلمًا هاديا لمؤرخيها والباحثين عن أطوارها من أبناء الغد.
وهل يمنع من ذلك أن صاحب المجلة هو الأستاذ المفسّر، وأن معظم ما قيل في الاحتفال دائر على تقريظه والثناء عليه والتنويه بأعماله؟
قد كان بعض ذلك، وأبت للأستاذ همّته العلمية وإخلاصه العمل لله أن لا ينشر في "الشهاب" إلا ما هو من حقوق الدين والعلم والعربية دون ما هو من حظوظ النفس وتمجيد الشخص. ولكن إخوانه من رجال العلم والأدب الحريصين على تخليد هذا الاجتماع القرآني المنقطع النظير رغبوا منه أن يتنازل عن حقه من مجلة "الشهاب" هذه المرّة، وأقنعوه بأن كل كلمة قيلت في مدح شخصه والثناء عليه فهي مصروفة إلى أعماله، وإلى مبدإ الذي وقف حياته عليه وإلى النهضة التي كان- بحق- بانيها ومشيّد أركانها وإلى الأمّة التي أنفق عمره وقواه في سبيل نفعها وإحيائها. وبأن تسجيل هذه الصفحة الوضّاءة من صفحات الإصلاح، من الواجبات على "الشهاب" لتتصل خطواته في خدمة الإصلاح الديني وتسجيل أطواره، وتتناسق صحائفه المدونة لتاريخه وأخباره، فاقتنع- حفظه الله- وأذن في أن يكون هذا العدد من "الشهاب" خاصًا بالاحتفال وتوابعه. وطلب من رفيقه الوفي كاتب هذه السطور أن يكتب بقلمه كلمة في تصدير العدد، وكلمة في تصوير الاحتفال وتلخيصًا لما علق بذهنه من ألفاظ درس الختم ومعانيه ففعل بقدر ما وسعه وقته وحاله، وعسى أن نكون وُفّقنا لإرضاء المتعطّشين المترقبين الذين حبستهم الأعذار عن حضور الاحتفال.
تلمسان ....................................... الإبراهيمي.