الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
3
-
وهم يقولون عنّا لو أسقطوا من حسابهم فلانًا وفلانًا لـ
…
ولا يأتون في جواب "لو" هذه بشيء سديد ونحن يحقّ لنا أن (نكاشف) ولو مرة في العمر فدعوني آخذ نوبتي في المكاشفة عن جواب (لو) هذه وهاكم تركيب الجملة "لو أسقطوا من حسابهم فلانًا وفلانًا "لاثنين" لقلنا لهم أسقطوا فلانًا وفلانًا لاثنين آخرين حتى لا يبقى
…
" وفاتهم أننا تسعة "كما يقولون" وهذا الإسقاط الذي يطلبونه يتناول اثنين اثنين، فلا بدّ من بقاء واحد. والسر في ذلك الواحد
…
وما قولكم في ذلك الواحد إذا صاح صيحة الحق فاجتمع عليه تسعمائة وابتدأ الأمر بأشدّ مما انتهى به. ألا يكون ذلك أنكى عليكم؟ أم تظنون أن تنويمكم ضرب على المشاعر الحسّاسة كلّها، وإن ذكركم ملأ الآذان حتى لم تعد تسمع صيحة الحق، ومتى أنار الدنيا هلال مقنع؟ يا قوم، اظهروا ما تجمعون به وتعالوا نتساقط على الكيف لا على الكم كما تريدون ونحن تسعة كما تقولون وأنتم تسعة آلاف
…
فيوشك إن فعلتم أن لا يسقط منا اثنان حتى تسقطوا جميعًا لأن نسبتكم من العمل الذي تدعونه نسبة الزؤان من القمح وعند الغربال الخبر اليقين. إنها لخدعة الصبي على اللبن كما يقول علي، كرّم الله وجهه.
على أن المسألة ليست مسألة أشخاص، فنحن نرى أن الإصلاح مبدأ وفكرة وأنتم ترونه زيدًا وعمرًا.
ونحن نرى أن هذه الفكرة أو هذا المبدأ إن لم يقم بفلان قام بغيره وأنتم ترون أنه إن لم يكن فلان لم يكن مبدأ. ونحن نرى أن فرقًا بين جمعية تتكوّن حول مبدإ اقتضاه تدبير الاجتماع الإنساني فهي مترابطة بجاذبية مبدإ وهي ذائبة في مبدإ وهي دائبة في العمل للمبدإ وبين جمعية تتكوّن حول نفسها لتنصر نفسها بنفسها فتنصر مدبرًا بمدبر وتدافع ما لا يدفع بما لا يدفع ويكون من أول أكاذيبها على الناس أن تكذب في اسمها.
إن أسوأ السوء في أصحابنا أنهم يقدمون على الأمور الكبيرة بالأنظار القصيرة، وإننا لا نجاوز هذا المقام حتى نكشف للقرّاء الكرام عن حقائق تجب معرفتها لعلّهم يفهمون بها العقد الملتوية من شيوخ الطرق بالأمس وعلماء السنّة اليوم، ويطّلعون على مواطن الضعف من إدراكهم، وإذا أفهمنا المستعدّين للفهم فما علينا أن لا يفهم أصحابنا. وهل نحن معهم إلا كما قال ابن الرومي:
ولا أنا المفهم البهائم والطـ
…
ير سليمان قاهر المرده
إن المتتبع لتاريخ هؤلاء الدجّالين يجدهم لم يخلوا من التحرّق على الإصلاح والتنكّر له في جميع أطواره وعلى اختلاف مظاهره فقد كانوا متنكرين له وهو جنين فلما ظهر في الأفراد ازدادوا له تنكّرًا وعليه نقمة، فلما ظهر في شكل جمعية أجمعوا أمرهم وشركاءهم لحربه بهذه المكائد. ألم تعلموا أنهم قبل أن يظهر الإصلاح بهذا الوطن وتلهج الألسنة باسمه كانوا يلعنون ابن تيمية وابن حزم ومحمد عبده وغيرهم من أئمة الإسلام الذين جهروا بإنكار البدع، فلما ظهر الإصلاح بالمظهر الفردي كان أمضى سلاح يقاومونه به قولهم تيمي، عبداوي.
هذا ما نعلمه من حالهم ونستيقنه، ولكن القوم ظهروا في الدور الأخير بأقوالهم وأقوال خطبائهم وعلمائهم وكتّابهم وشعرائهم بمظاهر مختلفة لا تتفق مع تلك الحقيقة وقل هو الجهل أو قل هي الشعوذة. فتراهم يتّخذون الأشخاص هدفًا ويرمون حتى تنفد النبال ويطاعنون حتى تنكسر النصال على النصال فتقول أنت إن القوم لا يقاومون إصلاحًا وإنما يحاربون أشخاصًا لهم معهم تِرَاتٌ وذحول وتراهم كذلك يقولون الإصلاح المزعوم، الوهمي، الكاذب، فتقول أنت إن القوم ينشدون إصلاحًا واقعيًا حقيقيًا صادقًا، ولكنّك تراهم مع هذا وذاك غرقى في البدع الصفاء والمنكرات العمياء وتراهم يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ويشترطون السكوت عن تلك البدع وتلك الأباطيل لأن لهم وحدهم فيها فائدة- وإن أهلكت الأمة كلها- فتقول أنت وحدك ومن غير عناء، هذا غير الأول، وهذا ليس من ذاك، وهذا ليس يتفق مع الإصلاح المزعوم ولا الحقيقي.
هؤلاء هم أصحابنا ببردين من تمويه ومغالطة. ونحن، فقد تعلّمنا منهم قليلًا من التمويه والمغالطة نستعمله عند الحاجة فإن أفاد فالفضل لهم. فلنسأل أصحاب تلك الألسنة الكاذبة وتلك الأقلام الكاتبة سؤالًا هو في الإبهام من نوع علومهم، وفي البساطة على قدر فهومهم فنقول لهم: أي هدف ترمون بهذه الشتائم المصبوبة؟ وأي غرض تقصدون بهذه المكائد المنصوبة؟
فإن كنتم تريدون الأشخاص الذين تصرحون بأسمائهم، وتعرضون بنعوتهم وسيمائهم، فقدخلطتم.
وإن كنتم تريدون المبدأ مبدأ الإصلاح حتى تموت هذه الفكرة وتنطفئ هذه الجمرة فقد غلطتم. وإن كنتم ترمون الاثنين لعلمكم أن موت المصلحين موت للإصلاح "والعكس" فقد تهتم في العماية وخبطتم.
ثم نقول لهم بشيء من التفصيل: إذا كنتم ترمون الأشخاص لذواتهم كما يظهر من كلامكم لأنهم مصلحون وليسوا بصلحاء كما يبدو لأفهامكم، فطالما ظهرتم بمظهر الناصح بما لم ينتصح فيه، والواعظ بما لم يتعظ به، والمعلم لما هو أجهل الجاهلين له، والكاذب على الله ورسوله وصالح المؤمنين فلم يبقَ لكم محمل تحملون عليه في هذه إلا الغش لأمة محمد. والغش لها مدرجة الخروج منها وأخسر بها صفقة. ثم أية نتيجة تظفر بها أيديكم من وراء رمينا بالتُّهم والشناعات؟ إن كنتم تريدون بذلك تنقيص حظنا من الاعتبار الدنيوي والجاه الكاذب، فقد بعنا حظنا منه بخردلة إلا ما كان في حق الله حتى يقضى، أو في نصر ددينه حتى يرضى. وإن كنتم ترمون الفكرة فكرة الإصلاح فقد طاش سهمكم فإن فكرة الإصلاح حق ومغالب الحق مغلوب ومحاربه محروب- نعم إن الإصلاح حق وما وراء الإصلاح إلا الإفساد وأنتم أهله. وهل بعد الحق إلا الضلال وأنتم خيله الموجفة ورجله، ولكن الحق لا يغلب. وإن كنتم ترمون المصلحين ليموت الإصلاح بموتهم فهذا محل الضعف من إدراككم، فإن الإصلاح لا يموت بموت المصلحين الذين تعرفونهم. وإن الإصلاح أمانة إلهية تنتقل من صدر إلى صدر ولا تدخل مع الميت إلى القبر. فلم يبق لكم محمل تحملون عليه في هذه إلا محادة الحق وقد حقّت عليكم الكلمة ويوشك أن يأخذكم الله بعدله.
ثم نقول لهم ما هو أبعد عن أفهامهم وأشدّ منافرة لتصوّراتهم وأوهامهم وهو أن هذه الجمعية التي تحاربونها في أشخاصها ومبدئها قد كوّنتها الأمة وأنتم منها، فهل تكذبون النفس أو تعاندون الحسّ؟
نقول إن هذه الجمعية (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) كوّنتها الأمة، ونزيد القول بأن جميع أفراد الأمة أنصار لها شعروا أو لم يشعروا.
ومعنى هذا أنه ما تهيأت وسائل تكوين الجمعية وتهيأت أسبابها إلا بعد أن صارت حاجة من حاجاتها وإلا بعد أن استلزمتها ضرورتها الاجتماعية واقتضتها سنة تعاقب الأطوار، ولماذا لم تنشأ في أول القرن الرابع عشر الهجري أو في أول القرن التاسع عشر الميلادي مثلًا؟ السر في ذلك هو أنها دفعت إلى التكوين دفعًا بعوامل أقواها الشعور بحق كان مهجورًا وبحال أمثل من الموجود كان مقبورًا.