الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منشور إلى الأمتين الإسلامية والفرنسية*
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، جمعية إسلامية في سيرها وأعمالها، جزائرية في مدارها وأوضاعها، علمية في مَبْدَئِها وغايتها. أُسّست لغرض شريف تستدعيه ضرورة هذا الوطن وطبيعة أهله، ويستلزمه تاريخهم الممتدّ في القدم إلى قرون وأجيال. وهذا الغرض هو تعليم الدين ولغة العرب التي هي لسانه المعبّر عن حقائقه للكبار في المساجد التي هي بيوت الله، وللصغار في المدارس على وفق أنظمة لا تصادم قانونًا جاريًا، ولا تزاحم نظامًا رسميّا، ولا تضر مصلحة أحد ولا تسيء إلى سمعة أحد، فجميع أعمالها دائرة على الدين، والدين عقيدة اتفقت جميع أمم الحضارة على حمايتها، وعلى التعليم، والتعليم مهنة اتفقت جميع قوانين الحضارة على احترامها وإكبار أهلها.
وان هذه الجمعية مستندة في نظام تأسيسها على القوانين الفرنسية التي تتّسع لحرية الاجتماع وحرية الجمعيات.
وانها لم تحد منذ تأسيسها إلى الآن عن المقاصد والأعمال التي أُسّست لأجلها. وان كل أعمالها ظاهرة مشهودة، وان جميع أعضائها جزائريون تجري عليهم القوانين الفرنسية، وان كل ما يقومون به فهو مما تبيحه القوانين الفرنسية.
ولم تكتفِ الجمعية بهذه الأعمال الشاهدة على نفسها، بل ظلّت في جميع المناسبات ترفع صوتها بإيضاح خطتها وبيان غايتها.
والأمّة الجزائرية الإسلامية العربية المقصودة بالتعليم، وصاحبة الحق الطبيعي فيه، تعلم هذا من جمعية العلماء وتتحققه. وتتطلبه بطبيعتها وتعده ضروريًا لحياتها. ولذلك
* جريدة "البصائر"، السنة الرابعة، العدد 160، الجمعة 16 صفر 1358هـ/ 7 أفريل 1939م.
التفّت حول جمعية العلماء وأقبلت على ما خطته لها من مناهج في تعليم الدين والعربية على بصيرة ويقين.
…
ومع هذا كله فالحكومة الجزائرية لم تزل تعامل هذه الجمعية معاملة قاسية، وتمعن في التشريعات الجائرة لقتل حركتها التي هي حركة الإسلام والعربية بهذا الوطن، وتطارد رجالها القائمين على التعليم كما يُطارد المجرمون، وتغلق مدارسها التهذيبية كما تغلق المحلات الضارة، وتنتزع رخص التعليم من أيديهم بلا سبب قانوني، وتمتنع من إعطاء الرخص لطالبيها منهم بلا مانع قانوني، ثم التصامم في الأخير عن سماع كل شكوى وكل مراجعة.
إن للحكومة الجزائرية خطة مرسومة نحو جمعية العلماء هي ماضية في تنفيذها بكل قساوة وبكل فظاعة. ولم يبق لنا شك في تلك الخطة ولا في الوسائل المحضّرة لها، ولا فيما تنتحله الحكومة من المبررات لسلوكها ولا في مراميها القريبة والبعيدة. ولم يبق لنا شك في أن مقصد الحكومة هو قتل الإسلام والعربية بهذا الوطن بمحو تعليمهما الصحيح وإسكات رجالهما الأكفاء.
…
وقد كانت حكومة الجزائر ترمي الجمعية بألسنتها الرسمية وغير الرسمية بأنها وهابية، وهي تعلم أن الوهابية مذهب ديني لا شأن للحكومات به، ثم افتضحت هذه التهمة.
فانتقلت إلى رميها بموالاة الشيوعية. فلما حلا مشرب الشيوعية للحكومة رمت الجمعية بموالاتها للفاشيستية، وباتصالها بالأجانب، وهي تعلم أن الفاشيستية جزء من معنى الحكومة، وأننا بلونا كلا الجزأين وذقنا منهما الأمرّين.
ولا ندري ماذا تدخره الحكومة للجمعية من هذه الأنواع التي لا تستند على منطق ولا واقع.
كل هذه الاتهامات جرت على ألسنة رجال الإدارة ومن أقلام كتّابها، وسُمعت من منابر الخطابة الرسمية. وكلها اتهامات لا وجود لها إلا في خيال المتخيلين لها المريدين بجمعية العلماء شرًا.
وجمعية العلماء تحدّت في الماضي وتتحدّى في المستقبل كل من يرميها بمثل هذه الأباطيل أن يأتيها على ذلك ولو بشبهة أضعف من خيط العنكبوت، وهي تعتقد اعتقادًا جازمًا أنه لن يأتي بها.
وجمعية العلماء تعد نفسها- بحق- أشرف من أن تكون ذنبًا لهيئة أخرى مهما كانت قيمتها، أو أداة لأجنبي مهما كان جنسه. وانها مقيدة في عملها بدائرة الدين الإسلامي ولغته، وبدائرة الوطن الجزائري، وبدائرة القوانين الفرنسية التي بنيت عليها الجمهورية الديمقراطية.
وجمعية العلماء تسخر من هذه الاتهامات التي لا قيمة لها والتي لا يصدقها حتى المجانين، معتدة بصدقها في خدمة مَبْدَإِهَا الإنساني الديني العلمي. أما ما تتظاهر به الحكومة الجزائرية من تسامح في التعليم الديني العربي مع هيئات غير جمعية العلماء، وما تستر به قسوتها وغضبها على رجال الجمعية من لين ورضى عن غيرهم، فجمعية العلماء تعلم حق العلم أن الهيئات الملحوظة بالرضا من الحكومة الجزائرية هي الهيئات الطرقية. وتعلم حق العلم أن الطرقية بشكلها الحاضر هي من صنع يد الحكومة، وان الحكومة تعلم كما نعلم أن الطرقية ليست وسيلة تعليم وتهذيب، وإنما هي أداة تجهيل وتخريب. وان آثارها في عقول الأمم التي ابتُليت بها هي التخريف والجمود. ووا أسفاه! إن من العار على حكومة علمية ديمقراطية أن تنصر الجمود والتخريف على العلم والتثقيف.
فالهيئة الطرقية التي تنصرها حكومة الجزائر وتخصّها بالرضا والإمداد وتظهرها بمظهر الدين والعلم والتعليم، لتستر بمسايرتها لها محاربتها جمعية العلماء وتقيم من منحها رخص التعليم الحجة على عدم حربها للدين والعلم، هذه الهيئة الموصومة بما ذكرنا هي- في حقيقتها- تشكيل حكومي مؤقت أريد به شل الإسلام والعربية، وهي- في حقيقتها- (ديكري)(1) مؤلف من أشخاص لا من كلمات يضاف إلى ديكري النوادي (2) وديكري 8 مارس (3)، وانه، وإن كان أعمق منها أثرًا، أقصر منها عمرًا
…
فأعضاء شُعَب جمعية العلماء المجتمعون بنادي الترقي يوم الاثنين 27 مارس سنة 1939 مجمعون على كل ما تقدم فهمًا واعتقادًا ومجمعون على استنكار هذه المعاملات الجائرة للتعليم الديني العربي.
ومجمعون على اعتبارها طعنات موجّهة إلى صميم الإسلام والعربية ومصمّمون على الثبات في حقّهم، ومتضامنون على الوقوف في وجه الباطل والاحتجاج الصارخ على قانون 8 مارس وما سبقه من قوانين جائرة وما نشأ عنه وعنها من تطبيقات جائرة.
1) كلمة أجنبية معناها مرسوم.
2) مرسوم يمنع نوادي جمعية العلماء من بيع المشروبات (قهوة- شاي) حتى تفلس تلك النوادي وتغلق أبوابها، وينفض من حولها الشبان الذين تتخذ جمعية العلماء من تلك النوادي أماكن لتوجيههم.
3) مرسوم أصدره رئيس الحكومة- وزير الداخلية الفرنسي "شوطان" في 8 مارس 1938 يعتبر فيه اللغة العربية أجنبية في الجزائر، ويمنع تعليمها.