الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلخصُ خطاب ألقي بنادي الترقّي*
.
طلبنا من الأخ محمد البشير الإبراهيمي أن يلخّص لنا خطبته التي ارتجلها في المأدبة التي أعدّتها إدارة نادي الترقّي العامر لمجلس إدارة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد انفضاض الاجتماع العام، فكتب لنا ما وعته ذاكرته منها، وها نحن ننشرها على قرّاء الشهاب تخليدًا لها وحرصًا على جمع أكثر ما قيل في هذا الاجتماع، وهذا نص ما كُتب (1):
ــ
أيها الإخوة الكرام،
إن هذه الأمّة الجزائرية أمّة واحدة ولا كلام، ربّها الله وإمامها القرآن ونبيّها محمد ولغتها العربية ودينها الإسلام. وإنها تحمل ما تحمله الأمم من المقوّمات الكلية، وإن كانت لا تحمل ما تحمله الأمم من المؤهلات للحياة. وقد أخذت تشعر بنقائصها الاجتماعية وأخذت تتلمّس سبل الهداية لسدّ تلك النقائص، وتجلّى هذا الشعور في رغبتها الصادقة في العلم، ورغبتها الصادقة في التعارف والاجتماع، ومن الشواهد التي لا تُنكر والبيّنات التي لا يكابر فيها على هاتين الرغبتين ما رأيتموه بأعينكم في هذا النادي من اجتماع علماء الأمة ومتعلميها ومؤيدي العلم فيها، وما سمعتموه بآذانكم من الصرخات الداوية في رحاب هذا النادي.
أيها الإخوة،
إن أخوف ما نخافه على هذه الأمّة- وهي في الخطوة الأولى من نهضتها- أن تتشابه عليها السبل ويضيع صوابها بين تفاؤل المتفائلين وتشاؤم المتشائمين- وان تكبو في غبار هذه المشادات القائمة وفي ميدان الأنظار المختلفة- في أي الطرق هي أقرب للغاية وأمكن منها وأشد ملاءمة لروح الأمّة.
* مجلة "الشهاب"، الجزء التاسع، المجلد العاشر، أوت 1934، [ص:415].
1) تعليق مجلة "الشهاب".
إن اختلاف الأنظار في أوائل نهضات الأمم ضروري وطبيعي ولكنه قد يطغى فيه غير المعقول على المعقول، فيكون ذلك عائقًا للسير ومطيلًا للمدة وقاطعًا عن التقلّم ومميتًا للشعور.
أيها الإخوة،
إن المهمة التي تقوم جمعية العلماء المسلمين بأدائها- وهي السير بهذه الأمّة إلى الحياة من طريق العلم والدين- هي أقوم الطرق وأمثلها وأوفقها لمزاج الأمة. وسيأتي يوم توضع فيه الموازين القسط للعاملين وستتبين الأمة الأوفياء من الغادرين والنصحاء من الغاشين، وستجزي هداتها تكرمة وذكرًا في الآخرين.
أيها الإخوة،
أنا لا أعتد من هذه الأمة بملايينها الستة، وهي على الحالة التي نراها عليها من التفكّك والتخاذل وضعف البصائر في دينها ودنياها، ولا أَعْتَدُّ من عناصر الحياة فيها إلا بهذا العنصر الذي بدأ يتكوّن حول عقيدة واحدة ومبدإ واحد، معتصمًا بالحق متسلّحًا بالصبر والثبات، متدرّعًا بالفضيلة، عالمًا أن الحياة في الدنيا للعاملين وأن العاقبة في الآخرة للمتّقين، وأن سنة الله كفيلة بذوبان العناصر الضعيفة كلها، وسيغتالها الجوع العقلي لأنها لم تعلم، وسيغتالها الجوع البدني لأنها لم تعمل، فلا يبقى إلا هذا العنصر المستعدّ للبقاء.
فعلى العاملين من قادة هذه الأمة وهداتها أن يتعاهدوا هذا العنصر النامي بالعناية، وأن يحوطوه بالرعاية، وأن يأخذوا بيده إلى الكمال الذي استعدّ له، فلا يمضي زمن حتى تتكوّن لنا أمّة صحيحة العقول، صحيحة العقائد، صحيحة التفكير صحيحة الأبدان، صحيحة الأعمال.
تلك هي الأمة التي نرجوها ونعلّق عليها الآمال. تلك هي الأمّة التي تمحو سيّئاتنا بحسناتها، ونتّكل عليها أن تثأر لنا من الزمان، وأن الاتكال على الضعيف ضعف، وأن الاتكال على القويّ قوّة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.