الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
2
- *
عهدنا أدعياء السنّة تجّارًا حاذقين لا يخفى عليهم ما يروج وما يكسد وعرفنا أن رأس مالهم التدجيل وعرفنا أن بضاعتهم هي هذه الأمّة المسكينة التي أحكموا الحيلة في تخديرها بالرؤيا والمنامات والفداء والمكفرات، وزعزعوا عقيدتها في الله بما أثبتوه لأنفسهم من التصرف في الكون أحياءً وأمواتًا ومن مشاركة الخالق فيما تفرّد به من الخلق والأمر، وأفسدوا فطرتها الدينية بما ابتدعوه لها من عبادات ميكانيكية هي إما زيادة في الدين أو نقص منه. وغايتها الانحلال من هذا الدين، وبسطوا أيديهم إلى خلق الشهامة والإباء من نفوسها فقتلوه واستباحوا منها المحرّمات واتّخذوا من ذلك كله ذريعة لابتزاز أموالها.
ولولا أنهم علموا ميل الأمة إلى السنّة وأحسّوا بانعطافها إلى معنى السنّة الحقيقي لما جاءوا بهذه الكبيرة ولما اتخذوا من هذا الاسم حيلة يطيلون بها زمن التخدير، وخدعة شيطانية يتألفون بها الشارد، وحبالة يصطادون بها المتفلّت وما كثر المتفلّتين. ولعلّ هذه الحيلة هي آخر حيلهم.
ونحن- والله- فقد أصبحنا تجّارًا حاذقين لا يخفى علينا ما يدقّ وما يجلّ من أباطيلهما وأوهامهم التي قادوا بها الأمة زمنًا فما قادوها إلا إلى الهلاك، ولكن رأس مالنا الحق نقوله وندفع به عنه ونرشد هذه الأمة المسكينة إليه، ونداوي منها ما جرحته تلك الأيدي القاسية، وفرق ما بيننا وبينهم أننا ندعو إلى السنّة وهم يدعون إلى البدعة، ونحن ندعو إلى أخوة
* نشر هذا المقال في العدد (9) من جريدة "السنّة" بالمقدمة التالية:
كان للمقال السابق صدى في جميع الطبقات، لما رأوا فيه من الحقيقة الواضحة والبيان الناصع، وجاءنا الناس والكتب يتساءلون عن هذا الكاتب النقاد البليغ الذي تركهم يلمسون الحقائق لمسًا ويشاهدونها عيانًا. وها هو اليوم مقاله الثاني يزيدهم بصيرة بالحق ويعرفهم بقوّته وإن بقي اسم الكاتب محجوبًا. وهؤلاء هم رجال الجمعية (جمعية العلماء) وهذه منزلتهم في العلم والدين والبيان.
الإسلام نشدّ بكتاب الله حبالها ونجمع بسنّة رسول الله أوصالها وهم يدعونها إلى الفرقة والفرق وخلاف الطرق.
وفرق آخر بيننا وبينهم أننا نذكِّر الأمة بكتاب الله وما صحّ من سنّة نبيّه وهم يذكرونها بالطبل والمزمار.
وأننا لا نسألها أجرًا عما أوجب الله علينا من إرشادها ولا نرزأها شيئًا من مالها ولا نبيع لها الأدعية لتملأ لنا الأوعية ولا نغرّها بالمغفرة ولا نهوّن عليها معصية الله واطراح دينه بالفداء والمكفرات في مقابلة لقم محدودة أو دراهم معدودة ولا نغريها بترك الأسباب اتكالًا على الأنساب، ولا نقرّها على الاستسلام والخضوع لغير الله، ولا نقارضها سكوتًا عن باطلها بنطق في مدحنا، ولا نشرع لها من الدين ما لم يأذن به الله.
أتدرون عواقب ما صنعتم بهذه الأمّة؟ إنكم اقتلعتم ببدعكم كل ما غرس الإسلام فيها من فضائل فمكّنتم فيها لأعراض الانحلال والتفكك والسقوط. وأتيتم على ما فيها من ذكاء ونشاط وعمل فأصبحت بين الأمم وهي مضرب المثل في البلادة والجمود والكسل ولو كنا وحدنا في أرض الله لهان الأمر في الجملة ولكن من ورائنا الأجانب عن هذا الدين يتربّصون به الدوائر فيأخذونكم في عداد أبنائه ويأخذون أعمالكم في عداد أعماله. فهل في أعمالكم ما يبيّض وجه الإسلام ويدفع عنه عادية الألسنة والأقلام، وإن منكم من يرقص أمام أولئك الأجانب رقص القرود وتلبسه شيطانيته فيلتهم الزجاج والحديد والحيات وهم يضحكون ولا رأي لهم إلا أن هذا هو الإسلام وهذه هي تعاليمه وهذه آثاره، ولا منطق لهم إلا أن هؤلاء أتباع طريقة كذا، وطريقة كذا من الإسلام، فهذا هو الإسلام ونحن نقول لهم إن الإسلام لا يعرف طريقة كذا ولا طريقة كذا فهو بريء من هذه البعران والتماسيح وهو من أفعالهم أبرأ.
فأي الفريقين أصدق تعبيرًا على محاسن الإسلام وأحسن تصويرًا لفضائله في نفس الأجنبي؟ أنحن بأقوالنا أم أنتم بأفعالكم؟
أرأيتم كيف تلجئنا الضرورات إلى البراءة منكم إلجاءً وتدفعنا إليه دفعًا لا نملك معه الإرادة إذا كان لا يستقيم لنا الدفاع عن هذا الدين إلا بذلك، وهما أمران ما من أحدهما بد فإمَّا أن أفعالكم حق فالإسلام بكتابه وسنّته وهدي أَئِمَّته باطل، وإما أن الإسلام هو الحق فأنتم وأعمالكم تكونون ماذا؟
وأخرى- ألا تدرون أن هناك محاضرات تلقى وخطبًا تتلى وكتبًا تطبع وتنشر وجمعيات تقوم بجميع ذلك- كل ذلك (لِلطَّعْن) في الإسلام بكم وبأفعالكم واتخاذكم حجّة عليه.
ثم أتدرون الغاية من ذلك كله؟ هي حمل العالم المتحضّر على احتقاركم واعتباركم في الهمج الرعاع الذين لا يصلحون لصالحة ولا يستقيمون على ما يريدون بل على ما يُراد منهم، وحمل الجمهور اللاهوتي منه على اقتحام مأسدة الإسلام لأن فيها ثعالب
…
فما أنحسكم على الإسلام.
إن للاهوتيين من العالم أن ينتزعوا من أعمالكم حجة مدارها على هذا القياس ما دامت العبادة بالبندير أو بالبيانو فالبيانو أرشق، وما دام الأمر بين أكل الأفاعي وبين أكل الخبز المقدّس فالخبز أفضل، وما دامت المغفرة تُباع بالدراهم عندنا وعندهم فنحن سواء، فما أعظم جنايتكم على الإسلام.
إني قلت، وما زلت أقول، إن محاسن هذا الدين كوّنت له أعداء من غير المنتسبين
إليه يرمونه بكل نقيصة، وإن حقائقه ومقاصده السامية كوّنت له أعداء من المنتسبين إليه يرمونه بكل معضلة. وإن عداوة الأولين منشأها سوء القصد وعداوة الأخيرين منشأها سوء الفهم وليسوا سواء في القصد والغرض ولكنّهم سواء في الأثر. ونقطة التلاقي بين الفريقين هي التعطيل المحض لهذا الدين إذا قدِّر لهم أن ينالوا منه نيلًا، ولو رزق الأولون شيئًا من الإنصاف ورزق الأخيرون شيئًا من صحة الفهم وصدق النظر لأصبحنا معهم في وفاق ولأصبح الإسلام الحقيقي دينًا عامًا يطوي في ملاءته النوع البشري كله.
أيها الناس، إن نقطة النزاع بيننا وبين هؤلاء هو ما علمتم: هو هذه العامة التي أضلّوها وأذلّوها وغاية الشيطان أن يضلّ، وأرادوا أن تعبدهم من دون الله وهو ما يئس منه الشيطان بنصّ الحديث، فإن كان بعد ذلك بيننا وبينهم نزاع في شيء فهو وسائلهم التي يمهّدون بها لهذا القصد، فإن كان بعد ذلك خلاف في شيء كمراتب العبادة وإباحة كراء الأسواق فتلك أغشية يريد علماؤهم المأجورون أن يحجبوا بها الحقيقة ويستجرّونا بها للخروج عن محل النزاع، فإن كان بعد ذلك شيء فهو لا شيء إلا أنهم يقولون عنّا بغير فهم: إنهم وهّابيون وكذا وكذا، ولسنا نستغرب صدور ذلك عنهم فإن من لا يستحي أن يقول على الله بغير علم لا يعزّ عليه أن يقول على المخلوق بغير فهم.
ألا لا يرتابنَّ بعد هذا البيان مرتاب ولا يشكن شاك بعد اليوم في أن اجتماع أصحابنا وتلبثهم حول اسم السنّة إنما هو للدفاع عن (الخبزة) المشتركة.
إن موقفنا معكم قد أصبح يتقاضانا الصراحة وتسمية كل شيء باسمه فقد طال ما سكتنا عنكم فتجرأتم وطالما كنينا ولم نصرّح وحوّمنا ولم نرد استيلافًا لكم وطمعًا في استصلاحكم، فلم يزدكم ذلك منّا إلا عتوًا واستكبارًا حتى حامت حولنا الظنون وأصبحت الشبه تتساقط بساحتنا، فأصبح من المتحثم علينا أن نشرحكم شرحًا يحلّ المشكلات وبفكّ
المقفلات، وقد فتح الله علينا في فهمكم حتى لا يغمض علينا منكم معنى ولا تلتوي عبارة، وحتى لو أن الله مسخكم جملًا يضمّها كتاب يُكتب عليه (تأليف ابن قشوط بشرح الحافظي) لما كلَّ لنا ذهن ولا قعدت بنا قريحة عن فهمكم، وإن كان لا يصدر عن الرجلين إلا العسلطة والثرثرة وتلفيق شيء لشيء، وسبحان الفتّاح
…
وإن هذا القلم الذي خط الألف من هذا الموضوع لا يجف ولا يكف حتى يخط الياء منه، وإن صاحب هذا القلم قد ابتلاه الله بدرس التعقيدات الإنسانية، وهو يزعم أنه زعيم بتحليلها وإرجاع كل عنصر منها إلى أصله وقد أتى من أول هذا المقال بلمحة إنْ لم تكن مصدّقة لهذا الزعم فهي منبّهة على قيمته وهو ماضٍ بعد في جريه حتى يحلّل الموضوع وما وضعتم بهوامشه من تعقيدات، وصبرًا أيها القارئ الكريم فإن هذا القلم ما بعد بكم عن عنوان هذا المقال إلا ليقرّبه إليكم فارتقبوا ولا تعجلوا، وما الحيلة وقد أبى أصحابنا إلا أن يكونوا موضوعًا تضطرب فيه الأفكار وتزدحم عليه الأقلام. وإن من تمام الحل لهذه العقدة أن نأتي على جميع ما يقولونه ونشرحه شرحًا يكشف عمّا بين أقوالهم وبين مقاصدهم من بعد. ونبيّن للناس أنهم غالطون في بعضها ومغالطون ببعضها، ثم نأتي على ما يقولونه عن أنفسهم وما يدعونه لها ونعطي القرّاء عهد الله أننا نخرج من هذا الشرح ونحن في كفة من الميزان وخصومنا في كفّة- وما هو إلا ميزان السنّة الصحيحة- لينظروا أيّنا أرجح.
فهم يقولون لو سكت لنا المصلحون في كذا وكذا لسلَّمنا لهم الباقي أو- على الأقلّ- لم تكن منّا هذه الطيرة وهذا التألب وهذه القضية. ونحن نعلم أننا لو تساهلنا معهم وجاريناهم على الظاهر من قولهم فسكتنا لهم عن هذا (الكذا) لقالوا أيضًا لو سكتوا لنا عن كذا آخر حتى نسكت لهم عن الجميع، فالقوم لا يرضيهم منّا إلا السكوت البات كما يقول رئيسهم (1) في شروطه المعروفة للقرّاء. ولا يرضيهم إلا كم الأفواه وتكسير الأقلام لم لا نحصل منهم على الرضا التام حتى نرقص رقصهم ونفحص الأرض بأرجلنا فحصهم ونضرب معهم البندير ونبلع الزجاج والمسامير. ولو كان ما يقولون حقًا وكانوا على شيء من الإنصاف لسلّموا لنا شيئًا من شيء واعترفوا بما يسهل عليهم الاعتراف به ولم يقعوا من الدفاع على الباطل في الإنكار للحق وإذن لكانوا معنا في أهون الشرّين.
على أننا قد سكتنا على كثير من أباطيلهم فسكتنا على ما لا يجوز السكوت عنه حتى لنحسب أننا بذلك السكوت شركاؤهم في الباطل وأن الله مؤاخذنا عن ذلك.
قد سكتنا- يا لكم الله- عن كتب ابن عليوه وما فيها من البلايا والجرائم وكبائر الإثم والفواحش وأن من يسكت عن كتب ابن عليوه يسكت عن عظيم من الشر وشنيع من
1) أي رئيس جمعية "علماء السنة" وهو الشيخ المولود الحافظي.
المنكر لا تبرك الإبل به. وأن انتشار هذه الدفاتر في هذه الأمة المسلمة يفوق انتشار الأوبئة والطواعين فيها، وأن الواجب على علماء هذه الأمة أن يحموها من تلك الكتب كما يحمى المريض من بعض الأطعمة وبعض المياه التي تمدّ المرض وتزيده إعضالًا، وأن أيسر ما تستحقه تلك الكتب هو الإحراق.
ويقولون عنّا إننا وهّابيون، كلمة كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أنست ما قبلها من كلمات: عبداويين وإباضيين وخوارج. فنحن بحمد الله ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحقّ، ولكن القوم يصبغوننا في كل يوم بصبغة ويسموننا في كل لحظة بسمة، وهم يتخذون من هذه الأسماء المختلفة أدوات لتنفير العامة منّا وإبعادها عنّا وأسلحة يقاتلوننا بها وكلّما كلّت أداة جاءوا بأداة، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المفلولة التي عرضوها في هذه الأيام كلمة "وهابي" ولعلّهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها ولعلّهم كافأوا مبتدعها بلقب (مبدع كبير).
إن العامة لا تعرف من مدلول كلمة "وهابي" إلا ما يعرفها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرف منها هؤلاء إلا الاسم وأشهر خاصة لهذا الاسم وهي أنه يذيب البدع كما تذيب النار الحديد، وأن العاقل لا يدري ممَّ يعجب: أمن تنفيرهم باسم لا يعرف حقيقته المخاطب منهم ولا المخاطب أم من تعمّدهم تكفير المسلم الذي لا يعرفونه نكاية في المسلم الذي يعرفونه، فقد وجّهت أسئلة من العامة إلى هؤلاء المفترين من علماء (السنّة) عن معنى الوهابي- فقالوا هو الكافر بالله وبرسوله {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .
أما نحن فلا يعسر علينا فهم هذه العقدة من أصحابنا بعد أن فهمنا جميع عقدهم، وإذ قد عرفنا مبلغ فهمهم للأشياء وعلمهم بالأشياء، فإننا لا نرد ما يصدر منهم إلى ما يعلمون منه ولكننا نردّه إلى ما يقصدون به وما يقصدون بهذه الكلمات إلا تنفير الناس من دعاة الحق ولا دافع لهم إلى الحشد في هذا إلا أنهم موتورون لهذه الوهابية التي هدمت أنصابهم ومحت بدعهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله وقد ضجّ مبتدعة الحجاز فضجّ هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسّة، فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة وهابي تقذف في وجه كل داع إلى الحق إلا نواحًا مرددًا على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهابية، وتحرّقًا على هذه الوهابية التي جرفت البدع، فما أبغض الوهابية إلى نفوس أصحابنا وما أثقل هذا الاسم على أسماعهم ولكن ما أخفّه على ألسنتهم حين يتوسلون به إلى التنفير من المصلحين، وما أقسى هذه الوهابية التي فجعت المبتدعة في بدعهم وهي أعزّ عزيز لديهم ولم ترحم النفوس الولهانة بحبّها ولم ترث للعبرات المراقة من أجلها.
وإذا لم يفهم أصحابنا من معنى الوهابية إلا أنه محو البدع، فقد استقام لهم هذا المنطق الغريب على هذا النحو الغريب وهو أنه ما دامت الوهابية هي محو البدع، وما دامت وصفًا لا رجلًا وما دام كل وصف ككل كسوة عسكرية كل من يلبسها فهو عسكري يُعرف بها ولا تُعرف به، وما دام المصلحون ينكرون البدع فهم وهابيون وإن لم يؤمنوا للحجاج سبيلًا ولم يأتوا بابن سعود وقومه قبيلًا اهـ. من كتاب ابن قشوط.
ونحن نقول لهم على هذا النمط من المنطق الغريب: ما دامت جريدة الإخلاص مكتوبًا على وجهها الأول (ولتكن منكم أمة) - وما دام مكتوبًا على وجهها الثاني يجب السكوت البات على عوائد الأفراح والأتراح والاحتفالات والمآتم.
وما دامت هذه العوائد بعضها منكر وبعضها غير معروف، وما دامت الجريدة وجاردها كالثريدة وثاردها يأكلها ولا تأكله فأصحاب جريدة الإخلاص ليسوا (منكم) وليسوا (أمة)
…
! أهـ - بتخليط.
هذا فهم دارسي التعقيدات مثلي، وأما الفهم السطحي فهو أن دين أصحابنا هو البدعة وما تفرّع عنها، ومن كفر ببدعهم فهو الكافر في اصطلاحهم، وعليه فالوهّابيون كفّار والمصلحون كافرون. ألم يقل لنا الحافظي- نفعه الله- مرارًا إن لكلّ قوم اصطلاحهم
…
!
يا قوم- إن الحق فوق الأشخاص وإن السنّة لا تسمىّ باسم من أحياها، وإن الوهّابيين قوم مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدة وهي أنهم لا يقرون البدعة، وما ذنبهم إذا أنكروا ما أنكره كتاب الله وسنة رسوله وتيسّر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟
أإذا وافقنا طائفة من المسلمين في شيء معلوم من الدين بالضرورة وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندهم- والمنكر لا يختلف حكمه بحكم الأوطان- تنسجوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم وازدراء بنا وبهم، وإن فرّقت بيننا وبينهم الاعتبارات، فنحن مالكيون برغم أنوفكم، وهم حنبليون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة. ونحن نعمل في طريق الإصلاح الأقلام، وهم يعملون فيها الأقدام. وهم يعملون في الأضرحة المعاول ونحن نعمل في بانيها المقاول.
وما رأيكم في أوروباوي لم يفارق أورباه إلا مرة واحدة طار فيها بطيارة فوقعت به في الهند، فرأى هنديًا يصلّي، ثم طار بها أو طارتْ به فوقعتْ به في مراكش فرأى مراكشيًا يصلّي فقال له: أنت هندي لأنك تصلي، ألا تعدون هذا القياس منه سخيفًا؟ إلّا لا تعدوه كذلك فقد جئتم بأسخف منه في نسبتنا إلى الوهابية.
إننا نجتمع مع الوهابيين في الطريق الجامعة من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وننكر عليهم غلوّهم في الحق كما أنكرنا عليكم غلوّكم في الباطل فقعوا أو طيروا فما ذلك بضائرنا وما هو بنافعكم.
…
ومن المضحكات أن جريدة "الإخلاص" وضعت فوق اسمها آية وتحته حديثًا كأنهما شعار لها ولكنّك لا تكاد تجاوز الاسم وما فوقه وما تحته حتى تجد نفسك وكأنما خرجت من بحر لبرٍ ولا تجد أثرًا ولا رائحة من معنى الآية ولا من معنى الحديث ولا تذوق لهما طعمًا، وتمرّ على صحائفها الأرج بأنهارها وسواقيها فلا ترى إلا دعاء للشر لا للخير ولا ترى إلا بدعًا تشهر وتنصر ومنكرًا لا يغير. ولا ترى من أصحاب الجريدة إلا طائفة قائمة (ثائرة) على الحق تهدمه، وعاكفة على الضلال تقويه وتبرمه وتعظمه وتكرّمه. وعذرهم القائم في ذلك أنهم لو حقّقوا من أنفسهم معنى الآية والحديث لأصبحوا وهّابيين حقًا ولأصبحنا نعيرهم بهذا الاسم كما عيّرونا به والنار ولا العار.