الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى كتّاب "البصائر
"*
إلى حملة الأقلام من أنصار الجريدة والذادة عنها والحريصين على أن تكون مكانتها في النفوس مكافئة لمكانة الجمعية، نسوق هذه الكلمات الآتية تذكيرًا لحضراتهم وتنبيهًا على ما يجب أن يراعوه فيما يوافون به الجريدة من ثمرات أقلامهم.
إن جريدة البصائر هي لسان حال جمعية العلماء المسلمين. ومعنى هذا أن مبدأ الجريدة هو مبدأ الجمعية، ومبدأ الجمعية وإن تعدّدت مناحيه يرجع إلى كلمتين ذواتي مدلول واسع وهما (العلم والدين).
فالجمعية لم تخرج منذ تأسست عن مبدئها الواضح الجليّ وهو خدمة العلم والدين والدعوة إليهما.
ولسنا نقيم وزنًا لما رماها به المتخرصون الذين لا يفرّقون بين من يعمل لشخصه وبين من يعمل لفكرة عامة، جهلًا منهم، أو لا يريدون أن يفرّقوا مكرًا ومكايدة.
لا نقيم لهؤلاء وأمثالهم وزنًا ما دمنا نعمل عن عقيدة في الحق وإخلاص له، وقد جرّبنا أقوالهم وبلونا آثارها فما كانت إلا وبالًا عليهم وما كانت إلا قوّة للجمعية وتمكينًا لها.
وقد كشف الزمان عن الحقائق، وحقّت كلمة الله فكانت العاقبة للحق والصبر والتقوى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ، اللهم قد صبرنا فآتنا عقبى الصابرين، اللهم وقد غفرنا فاشهد.
* جريدة "البصائر"، السنة الأولى، العدد 2، الجمعة 15 شوّال 1354هـ 10 جانفي 1936م، وهي الكلمة التي وُجّهت باسم المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين.
إن الجمعية قد جرت على سنة الله في تطور الكائنات وقد كان من أطوارها طور للتمهيد، وطور لإزالة الأنقاض، وهي الآن في طورها الثالث وهو طور البناء والتشييد. ولكل طور من هذه الأطوار حكمه وحكمته وظروفه وملابساته وأسبابه ومقتضياته، كما كان لجرائدها السابقة: السنّة فالشريعة والصراط حظ من هذا التطور، وكان لكل ما نشر في تلك الجرائد ظرف خاص أوجبه، وسبب خاص اقتضاه، وما أكثر المفاجآت في أطوار التمهيد والتأسيس، وما أكثر ما تلد تلك المفاجآت من أشياء تسمّى خروجًا عن الموضوع وما هي إلا من باب ما لا يتم الواجب إلا به، أو من باب الوسائل التي لا تصوّر المقاصد إلا بعد تصويرها، أو من باب الضرورات القاهرة.
إن لله في هذه الجمعية وجرائدها حكمة هو مجليها لوقتها. فقد كانت أسماء جرائدها رموزًا إلى أطوارها، ونحمد الله الذي ألهمنا تسمية هذه الجريدة بالبصائر. فقد تجلّت على الناس في وقت انقشعت فيه سحب الرين والشكوك عن البصائر، وأيقن الناس إلا قليلًا منهم، أن ما تدعو إليه الجمعية من علم ودين حق لا ريب فيه، وستكون "البصائر" البرهان القائم على استبصار الجمعية فيما تدعو إليه من الإصلاح الديني والعلمي، وعلى استبصار الأمّة فيما تدعى إليه منهما.
لذلك كله يجب علينا وعليكم- أيها الإخوان الكرام- أن نسير بالجريدة فيما يكتب فيها على خطة تتفق مع الطور الحاضر للجمعية، وهو طور البناء والتشييد، معتقدين أن حركة الإصلاح هي حركة فرغ من وسائلها وإعداد أذهان العامة والخاصة لقبولها، ولم يبق إلا الاشتغال بالمقاصد العملية، وأهمها توجيه الجهود كلها إلى بيان الحقائق العلمية والدينية بالدروس والمحاضرات والكتابة، وأن كلمة الإصلاح قد أصبحت علمًا غالبًا محدّد المعنى والحقيقة على هذا المبدإ السامي الذي ندعو إليه. ونعتقد أن من حق الله علينا الدعوة إليه، وقد كنا بالأمس قليلًا مستضعفين فأصبحنا- بحمد الله- كثيرًا ظاهرين، وسيعمّ الإصلاح الديني هذه الأمة لا بقوتنا بل بقوة الله، وسيتفق الناس عليه حتى كأن لم يكن بينهم فيه خلاف، وسيهتدي الضال ويرشد الغوي، وثقوا أنه ما اختلف اثنان في الحق إلا وأرغمهما الحق على الاتفاق فيه.
أما هذه الخطة التي يقتضيها التطور فنجملها لكم في الأصول الآتية:
الأول: علاقتنا بالإدارة الجزائرية علاقة صفو ومسالمة بالتي هي أحسن في خصوص دائرتنا التي نعمل لها وهي العلم والدين، والنظر في هذه العلاقة وتحديدها في الجملة من خصائص المجلس الإداري لجمعيتكم، وهو كما تعهدونه وفوق ما تعهدونه لا ينام عن حق ديني أو علمي لهذه الأمّة تخوّلها إياه القوانين والمبادئ الجمهورية، ولا يسكت حيث يجب
النطق ولا يركب لمطالبه إلا المشروع المعقول من الوسائل، ولا ييأس من إنصاف الحكومة وعدلها، فدعوا الكتابة في هذا الأصل- إن لزمت الكتابة فيه- لإخوانكم أعضاء مجلس الإدارة المطّلعين المسيرين لسفينة الجمعية المطلعين على دقائق الأحوال وجلائلها.
الثاني: الشخصيات- وما أدراكم ما الشخصيات- التي ما دخلت في أمر إلا أفسدته، فلا تتنزّلوا لدركاتها ولا تغمسوا أقلامكم في حمأتها.
الثالث: تحامل المتحاملين على الجمعية والجريدة بقصد الشغب وإثارة الكوامن الدفينة، فلا تتشاغلوا بهم ولا تضيّعوا أوقاتكم في الردّ عليهم، إلا أن يكون في الردّ عليهم درء لضرر محقق.
الرابع: أصل النزاع بيننا وبين خصوم الإصلاح، وهذا الأصل هو أدق المواضيع التي كتبت فيها الأقلام وجالت في ميادينها، وكانت تضطر أحيانًا بحكم البيان للحقيقة إلى تسمية الأشياء بأسمائها، فتجرح أقوامًا لم يتعودوا مرارة الحقيقة ولم يوطّنوا أنفسهم على مواجهتها كفاحًا، وهذا أمر قد كفيناه فلا نعود إليه وأصبح من حظ المحاورات الكلامية التي تقع في مجالس الدعوة والتذكير، ونشأت في المصلحين طبقات تقوم بالوسائل وتقوم بالكماليات فأراحوا الكتاب ومهّدوا لهم سبيل التفرغ إلى ما هو أهم وأولى.
أما أقلام كتاب "البصائر" فيجب أن تشرح الحقائق الكلية من دينية وعلمية، وتبيّن الحق بدلائله وشواهده، وتسمّيه باسمه، وتشرح الباطل وتفضحه بشبهاته وأوهامه بما نعهده فيها من نصرة الحق والغضب له، ولكن يجب أن تسمو عن النبذ والتلويح، وفرق بين أسلوب في الكتابة وأسلوب، ومعرض للكلام ومعرض.
وليعلم من لم يكن على بصيرة من أمرنا أننا لا ندعو إلا إلى الله ودينه ونبيّه وسنّة نبيّه وهدي السلف الصالح من أمّته.
وإننا لا ننكر على أحد لذاته أو اسمه أو شهرته، وإنما ننكر على المبطل باطله أو وقوفه في طريق الحق.
ولو أنصف خصومنا لعلموا أن إنكارنا عليهم هو دليل أخوّتنا لهم، بل دليل صدقنا في هذه الأخوّة، فلو لم يكونوا إخواننا في الدين لما أنكرنا عليهم ما أنكره الدين، وأن الدين الذي أوجب علينا أن ننكر المنكر يوجب عليهم الفيئة إلى الحق، ويوجب علينا جميعًا التحاكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه والرضا بحكمهما والتسليم لهما والرجوع إلى سبيلهما الجامعة، وقد دعوناهم إلى هذا ولا نزال ندعوهم، ونسأل الله لنا التوفيق والإخلاص في الدعوة ولهم الهداية والتوفيق للأنصاف، ولا نيأس من روح الله {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} .
إننا لا نريد التضييق عليكم- أيها الكتّاب الكرام- وإنما نريد إلفاتكم إلى الميادين الفسيحة والمراعي الخصيبة وتوجيهكم إلى ناحية التفكير العميق والبحث المنتج، فأمامكم من المواضيع ما تنفد الأعمار ولا ينفد.
أمامكم حقائق الدين وفضائله، وآداب الإسلام وحكمه فاشرحوها وبيّنوها.
وأمامكم السنن الميتة فأحيوها نشرًا ونصرًا كما أحييتموها علمًا وعملًا، وارفعوا أصواتكم بلزوم إحيائها.
وأمامكم مباحث التاريخ الإسلامي وعبره وعظاته وسير أمجاده فأحيوها تحيوا بها وتحيوا
…
!
أمامكم أمراضنا الاجتماعية وجوائحنا النفسية والخلقية التي حجبت عنا وجه الحياة، وأخفت علينا مسالكه فشرحوا الداء وبيّنوا الدواء، ومزّقوا الجلابيب التي أضفاها الجهل على عقولنا فلم تفقه معنى الحياة.
أمامكم العلم بآفاقه المتّسعة فبيّنوا ورغبوا وأهيبوا بالغافلين عنه والمتخلفين عن ركبه أن يشمروا ويسارعوا وأن يتمسكوا بأسبابه ويأخذوه عن أقطابه.
أمامكم اللغة وعلومها وآدابها فابحثوا ونقبوا واحدوا ركابها وطربوا، واسعوا لبيان فضلها سعيكم لتعليمها، وأشربوا قلوب أولاد هذه الأمة: انه ما غرّد بلبل بغير حنجرته.
أمامكم العلم والدين وإذا قلنا لكم العلم والدين فقد قلنا لكم قليلًا ودللناكم على كثير!
…
والإحسان الإحسان- أيها الكتّاب الكرام- فلا تكتبوا إلا فيما تحسنون موضوعه.