الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
------------------------------
5 -
خطبة الأستاذ الإبراهيمي التي ختم بها حفلة التكريم
للأستاذ ابن باديس في كليّة الشعب*
------------------------------
"ارتجل الأستاذ خطبته هذه فلم تصطد أقلام الكاتبين من ألفاظها إلا قليلًا مشوّشًا لم يحفظ ترابط المعاني بين أجزائها، فألحّ جماعة من السامعين المعجبين على الأستاذ أن يكتب ما علق بذاكرته من ألفاظها ويضيف إليها بقلمه ما يربط بين معانيها حرصًا على تخليدها في خطب الاحتفال، فحقّق رغبتهم بكتابة ما يراه القارئ منشورًا بعد هذا":
أيها الملأ الكرام:
ما أشرقت شمس في الجزائر الحديثة على مثل يومكم بالأمس، ولقد مضى بجلاله وروعته ولم ينطق في وصفه لسان بكلمة ولا اختلجت في نعته شفتان بحرف، لا زهدًا فيه ولا عدم عرفان لحقّه ولا غبنًا لحقيقته، كيوم شوقي الذي قال فيه:
غبنت حقيقته وفات جمالها
…
باع الخيال العبقري الملهم
وإنما هو كلام الله وبيت الله عقدا الألسنة بجلالهما وحبسا النفوس على جمالهما، فجاء اليوم وجاءت كليّة الشعب يقضيان من ذلك حقًا غير مغفل.
إن يوم أمس من أيام الأُمَم، ولأيام الأمم غرر لوامع في تاريخها، ويد صناع في بناء مجدها، وصلة لا تنضب بتكوين أسباب بقائها وعظمتها، كما أنها شهود ناطقة بما في الأمة من معاني العزّ والعظمة.
لسنا نعني بأيام الأمم، هذه الأيام المتعاقبة التي يجمعها نسق الأسبوع وتُعرف بالاعلام وتمتاز بمراتبها العددية في الشهر، فقد تمرّ الآلاف منها على الأمم من غير أن تجمعهم جمعها على مأثرة تكسبهم عزًّا ومن غير أن توحّدهم آحادها على عمل يرفع لهم ذكرًا. ثم لا تكون زيادتها إلا نقصًا في أعمار الأفراد وإبلاء للجديد من حياة المجموع.
وإنما نعني هذه الأيام التي هي لمع في الدهور، وشيات في غرر العصور، هذه الأيام التي تعرف بما يقع فيها من الأعمال، لا بما يوضع لها من الاعلام، وتذكر بآثارها في الأمم، لا بمواقعها من الأسبوع أو الشهر، هذه الأيام التي تطول وتتسع حتى تستغرق القرون وتستوعب الأجيال على حين يبقى غيرها محدودًا بمطلع الشمس ومغربها.
* "الشهاب"، الجزء الرابع، المجلد الرابع عشر، جوان- جويلية 1938، [ص:277]
إن أحدًا من المسلمين لا يجهل يوم بدر ولا يجهل- وإن كان عاميًّا- أثره في ظهور التوحيد على الشرك، ولكن قليلًا منهم من يعرف أن اسمه يوم كذا وأن نسبته من الشهر كذا، وقد غربت شمس يوم بدر منذ مئات الآلاف من الأيام وجرّ عليه الفلك أذيال عشرات الآلاف من شركائه في الاسم، فلم يعف له رسمًا ولم يطمس له أثرًا. ومات معناه الزمني المحدود ولكن معناه التاريخي النفسي لم يمت بل هو باق ما بقي الإسلام، طويل العمر ما طال، واسع المعنى ما اتسع.
ولقد علّمتنا لغة العرب فنًّا في مصاص الأشياء فقهنا منه أن من النساء عقائل، وأن في الأموال كرائم، وأن في الجواهر فرائد، وأن في النجوم دراري، وأن في الشعر عيونًا، وأن في الذخائر اعلاقًا إلى آخر ما يجري على هذا النسق، حتى إذا وصلنا إلى الأيام، وهذا أشد- من كل شيء- ارتباطًا بشؤوننا، لم نجد لمصاصها في اللغة إلا أوصافًا يتعاورها اشتراك الموصوفات، وبتجاذبها اختلاف الاعتبارات، ثم يذيلها شيوع الاتصاف وتبذل الاستعمال حتى تقصر عن التأدية، خصوصًا حين يفيض الوصف التاريخي على الوصف اللغوي، وإن من معجزات القرآن تسميته ليوم بدر بيوم الفرقان.
ولكن يسلينا أن ما قصرت فيه اللغة فلم تأت فيه بوصف يليق بجمالها وجلال هذه الأيام، قد وفى به التاريخ فلم نحفظ من أيام الأمم الكثيرة إلا أيامًا قليلة فكان ذلك منه تعبيرًا فصيحًا على أن هذه الأيام هي الخوالد من بين الأيام البائدة. وهي الغرر في الكثرة البهيمة، وهي المشهودات وغيرها غفل. وكان ذلك منه وضعًا تاريخيًا يخصص الأوضاع اللغوية. فإذا قلنا هذا يوم خالد ويوم أغرّ ويوم مشهود اطمأنت النفوس إلى تمام التأدية بمراعاة الوضعين التاريخي واللغوي.
أيها الإخوان:
إن يومكم الذي نتحدث عنه هو اليوم الأغرّ المحجل في تاريخ الجزائر الحديث ولا أبعد إذا قلت إنه اليوم الأغرّ في قرون من تاريخ الإسلام.
هذا هو اليوم الذي يجب أن نؤرّخ له في الطور الجديد من أطوار نهضتنا العلمية الدينية، ونؤرّخ به لمبدَإِ ازدهارها واثمارها، ونموّها وإِبدارها.
هذا هو اليوم الذي التفَّت فيه الأمّة حول دينها ولغتها فأثبتت أنها أمّة مسلمة عربية يأبى لها دينها أن تلين فيه للعاجم، وتأبى لها عربيتها أن تدين فيها للأعاجم.
هذا هو اليوم الذي تعلن فيه هذه الأمّة انابتها إلى ربها، وتكفيرها عن ذنبها ورجوعها إلى الله رجوع عبد أوبقته جرائره، وافتضحت سرائره، وانقطعت أواصره، وعزّ مغيثه وناصره، وظن أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فرجع على الطريق التي منها هرب. فإن هروب هذه الأمة من الله هو تفلتها من كتابه وبعدها عن هدايته، والتماسها الوصول إليه على غير
طريقه، فضلّت وتاهت قرونًا وها هي ذي تفيء إلى الله على طريق كتابه وسنّة محمّد وأصحابه وعسى هادي الحائرين أن يعود عليها بعوائد برّه وإحسانه.
هذا هو اليوم الذي يختم فيه إمام سلفي تفسير كتاب الله تفسيرًا سلفيًا ليرجع المسلمون إلى فهمه فهمًا سلفيًا، في وقت طغت فيه المادة على الروح ولعب فيه الهوى بالفكر، وهفت فيه العاطفة بالعقل، ودخلت فيه على المسلم دخائل الزيغ في عقائده وأخلاقه وأفكاره، وفي أمّة تقطعت صلاتها بالسلف وضعف تقديرها للقرآن، فأصبح ملهاة آذان ومشغلة لسان، وأصبح حفاظها يقْرأُونَه للتبرّك أو يتجرون به في المقابر، وعوامها ينزلونه منزلة البصل والكرّاث فيستشفون بحروفه من أمراض سببتها الحرارة أو جلبتها البرودة، وعلماؤها يدرسونه بلغة المصطلحات العرفية، ويتناولونه بأذهان حشيت بالأفكار الطائفية، والتعصبات المذهبية، والمحامل الجدلية، والتوجيهات اللفظية، وبكتب مُلئت بالإسرائيليات المصنوعة والآثار الموضوعة والنظريات، والطلبة- وهم صرعى هذه الفتن- يتلقونه بألسنة جافت البيان العربي وصرفتها العجمة في منهاج غير منهاج العرب، ففسد الذوق واختلّ التصور- وبأفكار غطّى عليها الجمود وسدّ عليها منافذ التفكير- وبنفوس ركبها الملل والسأم، فرضيت بسماع ما لا يفهم وتلقّي ما لا يعقل، وهان الزمان في حسابها فأصبحت تنفق منه جزافًا، واختلّ تقدير الأشياء عندها فأصبح كل مقروء علمًا وكل قارئ عالمًا.
وأشهد، لقد كنت ضيفًا بتونس منذ سبع عشرة سنة، فقيل لي عن عالم من مشائخ جامع الزيتونة ومن أبعدهم صيتًا في عالم التدريس: إنه يقرئ التفسير. فشهدت يومً! درسه لِأُكوِّن فكرة عن دراسة التفسير في ذلك المعهد الجليل. وكنت معنيًّا بهذا البحث وجلست إليه أكثر من نصف ساعة، فوالذي نفسي بيده ما سمعت منه كلمة واحدة من الآية التي هي موضوع الدرس ولا لمحت إمارة ولا إشارة تدُلّ على أن الدرس في التفسير. وما كان كل الذي سمعت إلا حكاية لجدل عنيف وتمثيلًا لمعركة لفظية مستعرة بين السيد الجرجاني وعبد الحكيم حول عبارة لعلها لمفسّر من المفسّرين الاصطلاحيين، ثم انقضت الحصة وقام الطلبة المساكين يتعثرون، تبدو عليهم سيماء التعب والملل والخيبة، وقمت أنا مستيقنًا أن هذه الطريقة في التفسير هي أكبر الحجب التي حجبت المسلمين عن فهم كتاب الله ثم زهدتهم فيه وصدتهم عن موارده.
أيها الإخوان:
إن الأمّة الإسلامية التي يقرأ الناس أخبارها في التاريخ فيقرأون المدهش المعجب، ويرى الناس آثارها في العلم والتشريع والأدب والحكمة فيرون الطراز العالي البارع، فيستوي المحب والمبغض في الاعتراف بأن أمّة هذه أخبارها وهذه آثارها لهي الأمّة حق الأمة، إن تلك الأمّة ما كانت أمّة بذلك المعنى وتلك الأوصاف إلا بالقرآن.
فالقرآن هو الذي ربّاها وأدّبها وزكّى منها النفوس، وصفّى القرائح، وأذكى الفطن، وجلا المواهب، وأرهف العزائم، وهذّب الأفكار، وأعلى الهمم، واستفزّ الشواعر، واستثار القوى، وصقل الملكات، وقوّى الإرادات، ومكّن للخير في النفوس، وغرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوب بالرحمة، وحفز الأيدي للعمل النافع والأرجل للسعي المثمر، ثم ساق هذه القوى على ما في الأرض من شر وباطل وفساد فطهّرها منه تطهيرًا وعمرها بالخير والحق والصلاح تعميرًا.
أيها الإخوان:
قارنوا بين هذه الأمّة الإسلامية المطوية في بطن الأرض وفي بطون الكتب، وبين هذه الأمّة الإسلامية التي تدب على وجه الأرض تجدوا الفرق بعيدًا جدًا، ووجوه الشبه مفقودة البتة مع وجود الاشتراك في الاسم والنسبة. ثم التمسوا السبب تجدوه قريبًا منكم، وما هو إلا هذا القرآن أقامه الأولون وجمعوا عليه قلوبهم وراضوا نفوسهم على أخلاقه، فعلمها الإيمان والأمان والإحسان، واتخذه الآخرون مهجورًا فحقت عليهم كلمة الله في أمثالهم. فمن لي بمن يرسلها في مسلمي الدعوى والعصبية صيحة داوية: يا أهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن؟
أيها الإخوان:
إن هذه البسيطة لم تشهد منذ دحاها الله صلاحًا عامًا وسعادة شاملة كالذي جاءها به القرآن يوم أنزله الله على قلب نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم فأنذر به العالمين ونشره ورثته الأمناء من بعده نقي الجوهر ناصع الحجة.
وإن هذا العالم الإنساني لم يشهد منذ برأه الله على ظهرها إفسادًا عامًا وشرًّا مستحكمًا وطاعونًا أخلاقيًا جارمًا إلا مرتين، على كثرة ما شهد من الطواعين الجسمانية.
أما إحداهما فكانت قبل الإسلام يوم كان العالم الإنساني كله فريسة للأثرة والاستعباد والاستبداد والفساد والإفساد، ويوم كان بحرًا متلاطم الأمواج بالرذائل، ويوم كان العقل عبدًا للهوى والفكر عبدًا للوهم، والحقيقة أمة للخرافة والفطرة رهينة الاعتلال والاختلال، ويوم كان هذا العالم كله خاضعًا لشهوات مضطرمة وحيوانية عارمة ووثنية متغلغلة.
ولكن الله- جلت قدرته- تداركه، وبه رمق، بالإسلام دين السلام وكتابه القرآن كتاب العدل والإحسان، وبرسوله الأمين يحمل منه للعالَم المثخن الدواء الشافي، ويمسح على مواقع الألم منه بالكف الكافي. فما هي إلا فترة حتى أصبح العالم يمرح في السعادة ويسبح في النعيم وينعم بالأخوّة والتسامح ويتقلب في أعطاف العدل.
وأما الثانية فهي في عهدكم هذا.
ولو أنكم تستشهدون التاريخ: أية المرّتين كانت أشرّ وأشرّ وأدهى وأمرّ، لقال لكم غير متَجَانِفٍ لإثم: إن شرّ المرّتين آخرتهما. ولساق لكم من الحجج ما لا تستطيعون له دفعًا. فإن الشرّ الأول كان من بعض دواعيه الجهل، أما هذا الشرّ فكل دواعيه العلم. وقد كان الشر يعرض على الناس باسمه وفي ثوبه الحقيقي فأصبح يعرض عليهم باسم الخير وفي ثوب الخير. وقد كان العالم متباعد الأجزاء متقطع الأوصال. وفي تباعد الأجزاء تقليل من بواعث الشر، فأصبح العالم مزدحمًا حتى ليكاد يلتحم. ومن ازدحامه والتحامه نشأت معضلته الاجتماعية الكبرى وهي مشكلة الأغنياء والفقراء التي لم يفلح في حلّها علم العلماء ولا حكمة الحكماء ولا قوّة الأقوياء ولا دهاء الدهاة، والتي تفاقم خطبها واضطرم لهيبها حتى أصبح بنو آدم المتآخون في نسبه فريقين مضطغنين يتربص كل فريق بأخيه دائرة السوء. ويا ويل هذه الأرض إذا انفجرت الأحقاد بين أبنائها.
وقد عرفنا التاريخ أن أصل البلاء بين البشر جاء من عصبياتهم المختلفة. وكان مما يهون تلك العصبيات أنها محدودة وأنها تعالج بعصبيات أخرى فيخف ضررها وتتلاشى قوّتها. ولكن مشكلة اليوم أن تلك العصبيات التي كانت تنفع حينًا وتضرّ أحيانًا ذابت كلها في عصبيتين جامحتين كلتاهما ضرر وكلتاهما شر.
إن رحمة الأرض آتية من السماء، وقد جاءت أديان السماء فعلّمت الفقير كيف يرضى ويصبر، وعلّمت الغني كيف يحسن ويرحم، فلماذا لا يرجع بنو الأرض إلى حكم السماء ورحمته؟ ولماذا لا يلتمسون مُثُل الإحسان الكاملة في القرآن؟
أيها الإخوان:
هذا داء العالم البشري فأين دواؤه؟ وهذا مرضه العضال فأين طبيبه؟ وهل يتداركه الله بلطفه فيهدي البشر إلى اتباع ما جاء به القرآن من تسامح وتعاون على الخير؟
فيا أيها المشفقون على العالم الإنساني أن يأكل بعضه بعضًا، انصحوه بالرجوع إلى الإسلام وكتابه يجد فيهما ظلال السلم وبرد الرحمة وعز القناعة وشرف التقوى ويتمتع من كل ذلك بنعمة السلام.
ويا أيها المسلمون، أنتم أطباء هذه المعضلات ولكنكم جاهلون، وأنتم الحكم المَرْضِيُّ في هذه المشكلات ولكنكم غائبون. ولو كنتم حاضرين حضور سلفكم لمشاهد العالم ومنازعاته العامة لوقفتم- كما وقفوا- بعقائدهم وسطًا بين التناهي والتقصير، وبزكاتهم المرضية حكمًا بين الغني والفقير، وبرحمة الإسلام سدًّا بين الآجر والأجير، وإذًا
لزرعتم في طول العالم وعرضه الخير والرحمة، وكشفتم عن أقويائه وضعفائه كل كرب وغمّة. وإذًا لرفعتم عن العالم هذه الأصار والأغلال وفزتم من بين حكمائه وعلمائه بتحقيق نقطة الإشكال.
إن العالم في عذاب، وعندكم كنز الرحمة؛ وإن العالم في احتراب، وعندكم منبع السلم، وإن العالم في غمة من الشك، وعندكم مشرق اليقين. فهل يجمل بكم أن تعطلوه فلا تنتفعوا به ولا تنفعوا؟
طبّقوا على أنفسكم جزئية واحدة من إصلاحاته كالزكاة، واظهروا بها للعالم على صورتها العملية الكاملة، وحقيقتها العلمية العليا. ثم قفوا بين الصفين، لا كموقف عمرو بمصاحفه يوم صفين. وأشربوا نفوسهم ما أشربت نفوسكم من معنى قوله تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} . ومن معنى قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، وأنا الضمين لكم أنهما يتحاجزان ويتسامحان في طرفة عين. إن دينكم دين إصلاح وسبب إصلاح ومظهر إصلاح وكما أوجب عليكم الإصلاح بين المؤمنين مدح الإصلاح بين الناس.
أحيوا قرآنكم تحيوا به، حقّقوه يتحقق وجودكم به. أفيضوا من أسراره على سرائركم ومن آدابه على نفوسكم ومن حكمه على عقولكم تكونوا به أطباء ويكن بكم دواء.
هذه الآية هي دستور الإسلام العام وهذه الآية هي التي نواجه بها كل من رمانا بالتعصب أو بالظلم أو بالأنانية أو بالقسوة. وصدى هذه الآية هو الذي سمعه الناس مردّدًا في الجامع الأخضر خمسًا وعشرين سنة آخرها أمس.
أيها الإخوان:
تكلم الخطباء والشعراء في المعنى الذي أقيمت لأجله الحفلة، وهو تكريم أخينا الأستاذ عبد الحميد بن باديس وتمجيد أعماله في خدمة الدين والعربية والعلم، وشغلتهم حقوق هذه الحفلة عن حقوق يوم أمس المشهود، وأوشكنا أن نضيع واجبه وأن يمر فلا يتغنى بأوصافه لسان، ولعل الأقلام تجفوه تبعًا لذلك فلا يجري في وصفه قلم.
وقد توزعتني الخواطر حين قمت: أأسلك ما سلكه الخطباء والشعراء من تمجيد أخينا بما هو أهله؟ ولو أني جريت في هذا المضمار وأسلس لي الكلام قياده، كان في ذلك الوفاء