الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأخينا المبجل، والجفاء ليومنا الأغر المحجل. وإن أنا قمت بما يوجبه الوفاء ليوم القرآن قصرت في حق أخ اعتقد أن ما قاله الشعراء والخطباء في حقه قليل، وكيف تفي حفلة مثل هذه، محدودة الساعات، بتمجيد رجل طوّقت هذا الوطن مننه.
فإن قمت ببعض ما يجب للقرآن وليوم القرآن فحسبي في التنويه بأعمال أخي الأستاذ أن هذا اليوم بعض حسناته.
-------------------------
6 -
التعريف بالمشاركين في حفل ختم التفسير
-------------------------
1 -
الأستاذ محمد بن العابد
الأستاذ محمد بن العابد من قدماء تلامذة الأستاذ بن باديس ومن بواكر النهضة الأدبية. أديب مشرف على الكمال، كاتب جزل الأسلوب، متين التراكيب، وفيّ للقواعد المقرّرة، مشرق الديباجة، سلس المعاني، وصّاف لخفايا النفوس ومساوي الاجتماع، شاعر رصين الشعر على إقلاله منه، باشر تعليم النشء الصغار من سنين، فحذق أساليبه وتمرّس به، فاكتسب الدؤب والصبر والجلد، وله في تربية الصغار وتحبيب العلم إلى نفوسهم طرائق نفسية هو فيها نسيج وحده، وهو الآن من الأعوان المعتمدين للشيخ ابن باديس على التعليم.
2 -
الأستاذ عبد الحفيظ الجنّان
الشيخ عبد الحفيظ الجنّان شاب كله شعور وقلب، فتح عينيه على بوارق النهضة الإصلاحية الأولى فخطا أول خطوة في الحياة على ضوئها، ثم واصل سيره على هداها، لم ينحرف به عن صراطها إقلال ولا رقّة حال، ولا أذى راصد ولا كيد مبيت، بل ظلّ يزداد ثباتًا كلما زادته الحوادث عركًا، تلقّى العلم على الأستاذ ابن باديس سنين، ثم عاجلته الظروف وغمسته في العمل فاشتغل بتلقين القرآن للصبيان، فقدّم للنهضة عملًا لا يقدّره حق قدره إلا القليل، وإن كان لا يُحسنه من العاملين للنهضة إلا القليل، وهو تقويم ألسنة الصبيان على النطق بالحروف العربية نطقًا صحيحًا متينًا مبرّأ من الزيغ عن المخارج الأصلية،
* "الشهاب"، المجلد 14، الجزءان 4 و 5، جوان وجويلية 1938
ومن الحيد عن الصفات المحققة، وقيمة هذا العمل في أنه تنشئة لِأَلْسِنَة الأطفال منذ تفتقها، ولِلَهَواتِهِم من يوم تشققها على سلامة النطق ومتانة التعبير، وهنا باب من أبواب الفصاحة يعرف قيمته مَن عرف أي بلاء صبّته العجمة على العربية من طريق مخارج الحروف وصفاتها.
والشيخ الجنّان، قبل ذلك وبعده، حركة دائمة ويد عاملة في كل الاجتماعات والجمعيات المتصلة بالنهضة.
3 -
الأستاذ مبارك جلواح
الأستاذ مبارك جلواح شاعر وجداني رقيق، له نبرات مشجية في التفنّن بمحاسن اللغة العربية ومفاخر السلف الأمجاد، تغمره روح جزائرية قومية مكن لها في نفسه نقاء النشأة والتربية، وزكاء العرق والقبيل.
قليل العناية بالصقل والتمحيص، ومن هنا جاء ما يرى في شعره من إسناد بعض الكلمات إلى ما لا يلائمها، ومن عدم الانسجام في بعض التراكيب، ومن نبو بعض المفردات في جملها، ولو أنه ملك زمام القواعد، وراض نفسه على إجادة السبك بممارسة كلام الفحول، لكان منه للجزائر شاعر أي شاعر.
4 -
الأستاذ عمر بن البسكري
الشيخ عمر بن البسكري داعية جهير الصوت بالإصلاح، كاتب متين القلم في الدينيات، سديد الرأي فيها، قوي الحجّة في مباحثها، كسبه ذلك قيامُه على كتب الفحول من فقهاء السنّة أمثال ابن تيمية وابن القيم والشوكاني، وهي كتب تربّي ملكة البيان كما تربّي ملكة البرهان.
والشيخ عمر يقرض الشعر في المناسبات المتصلة بفنه، فيرسله ملونًا بعاطفته متأثرًا بإحساسه، عامرًا بالمعاني، ويغفل عما وراء ذلك من أحكام الصنعة وسياسة التراكيب، لذلك تجد في شعره- على قفته- عيونًا من الأبيات بين أخوات لها متفاوتة الحظوظ في إجادة السبك، ويقرأ القارئ شعره وكتابته، فيحكم بأن الشيخ عمر الشاعر غير الشيخ عمر الكاتب.
والشيخ عمر أجلد دعاتنا وكتّابنا على المطالعة والقراءة، وما زلنا ننعى على علمائنا وأدبائنا هذا الكسل المزري عن القراءة، ونردّ إليه كل ما يظهر في إنتاجهم من ضعف ونقص.
ولو أن الشيخ عمر أعطى كتب الأدب ودواوين الشعر من العناية مثل ما أعطى كتب فقه السنة، لاسْتحكم سبكه وفَحُل شعره وجزلت تراكيبه.
وإن مطالعاته الدينية التي تفتح لذهنه آفاق الإصلاح، وتلهمه سداد الرأي والقول فيها، لمحتاجة إلى مدد من مطالعات أدبية، تمكّن لأسلوبه في الشعر، وتزيد طريقته في الكتابة متانة وقوّة، وأن عَسَى أن يتسع وقته لذلك.
5 -
الأستاذ السعيد الصالحي
الشيخ السعيد الصالحي أصيل النسب في العلم، سديد الخطا في التعليم، قريب المنهج في إرشاد العامة إلى الدين الصحيح، لطيف الاحتيال في الدخول إلى نفوسهم، خصوصي النزعة والتأثير، جاءه ذلك من بيئته التي نشأ فيها وأُفقه الذي اضطرب فيه، ثقيل الوطأة على دجاجلة العلم وسماسرة الدين، بارز الأثر في الإصلاح الديني: عمل له في وطنه فمكن أصوله وأحكم قواعده، وقطع البحر في سبيل إرشاد إخوانه المسلمين وجمع كلمتهم على الهدى والحق، فتجلّت أخلاقه الإسلامية المتينة في الصبر والثبات والعزيمة والإخلاص.
يتأثر- من ألوان الأدب القديم- باللون الأندلسي الشائع، ويقرض قليلًا من الشعر مصبوغًا بذلك اللون الذي اصطبغت به نفسه، ولكنه- كغالب إخوانه قالة الشعر بهذه الديار- ينقصه استعراض أساليب البلغاء وتحدّيها وتمرين القريحة على محاكاتها، وتيقظ الذهن إلى أسرار فقه اللغة ومواقع فصحها، ومجانبة الرخص النحوية، وتحكيم استعمالات الفصحاء في القواعد النظرية، وعسى أن تكون كلمتنا هذه حافزة لهممهم، فما أردنا بها إلا ذلك.
6 -
الحاج أحمد البوعوني
الحاج أحمد البوعوني، مع علو سنّه وأخذه عن طبقة بعيدة الصيت في عالم الشهرة كالشيخين عبد القادر المجاوي وحمدان الونيسي وغيرهما ممن كان الأخذ عنهم مدعاة للفخر والاستطالة وشموخ الأنف، فإنه مثال من علماء السلف في إنصافهم وإيثارهم الاستفادة على كل شيء، وإن من آثار هذا الخلق في نفسه أنه ما كان الأستاذ ابن باديس- وهو في درجة أحفاده وممن شاركه في الأخذ عن بعض أولئك المشائخ- يتنصّب للتدريس بقسنطينة حتى أخذ الشيخ البوعوني- مع جلالة قدره وسنّه- مكانه بين التلامذة، وكان أجلدهم على ملازمة الدروس الكثيرة، وأوسعهم عارضة في البحث والمناقشة، فإذا فرغ من الدروس المقررة قضى بقية أوقاته في تفقّد التلامذة وتحريضهم على المطالعة وتحضير الدروس وإعادتها لهم، مما لا يضطلع به حتى الشبان الأقوياء.
ومن لطائف الاتفاق في ربط الأحفاد بالأجداد أن الشيخ البوعوني- أبقاه الله- كان ينظم القصائد في تهنئة مشائخه في المناسبات وفي أختام دروسهم المهمة، وقد بارك الله في عمره
حتى شهد الاحتفال بختم التفسير من الشيخ ابن باديس، وقد حضره كله في ربع قرن فيما نعتقد، ففاضت نفسه المنصفة بهذه القصيدة، وكانت قصائده تاريخًا لثلاثة أجيال كاملة.
إن الشيخ البوعوني حجّة الله على علماء عصره الذين يذهب بهم الكبر والاستنكاف إلى حرمان أنفسهم من العلم، استطالةً واغترارًا بمكانتهم في السن أو الجاه، واحتقارًا لمن هو دونهم سنًّا وإن كان فوقهم علمًا.
7 -
الأستاذ محمد العيد
الأستاذ محمد العيد، شاعر الشباب وشاعر الجزائر الفتاة، بل شاعر الشمال الافريقي بلا منازع.
شاعر مستكمل الأدوات، خصيب الذهن، رحب الخيال، متسع جوانب الفكر، طائر اللمحة، مشرق الديباجة، متين التركيب، فحل الأسلوب، فخم الألفاظ، محكم النسج ملتحمه، مترقرق القوافي، لبق في تصريف الألفاظ وتنزيلها في مواضعها، بصير بدقائق استعمالات البلغاء، فقيه محفق في مفردات اللغة علمًا وعملًا، وقاف عند حدود القواعد العملية، محترم للأوضاع الصحيحة في علوم اللغة كلها، لا تقف في شعره- على كثرته- على شذوذ أو رخصة أو تسمح في قياس أو تعقيد في تركيب أو معاظلة في أسلوب، بارع الصنعة في الجناس والطباق وإرسال المثل، والترصيع بالنكت الأدبية والقصص التاريخية.
ومن يعرف محمد العيد، ويعرف إيمانه وتقواه وتديّنه وتخلّقه بالفضائل الإسلامية، يعرف أن روح الصدق المتفشية في شعره إنما هي من آثار صدق الإيمان وصحّة التخفق، ولعلم أنه من هذه الناحية بدع في الشعراء.
رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها وفي كل طور من أطوارها وفي كل أثر من آثارها القصائد الغرّ، والمقاطيع الخالدة، فشعره- لو جمع- سجل صادق لهذه النهضة، وعرض رائع لأطوارها.
وقد سَمَتْ نفسه في العهد الأخير إلى الشعر الفلسفي ونظم فيه عدّة مقطوعات لزومية رائعة نشر القليل منها.
وإذا كان في النهضة العلمية الأدبية بالجزائر نواحي نقص فمنها أن يبقى شعر محمد العيد غير مجموع ولا مطبوع (1).
1) شاءت الأقدار أن يقوم بطبع ديوان محمد العيد، نجل الإمام الإبراهيمي، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي:"ديوان محمد العيد"(الجزائر 1967، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع).