الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوّة، وتمكين للمؤتمر، ومثار فرح واغتباط في الطبقات العامية لأنها ترى في حضور العلماء للمؤتمر ضمانًا وكفالة لأعزّ عزيز لديها- وهو الدين واللغة العربية- وكانت من جهة أخرى مثيرة لسخط أشخاص ومقامات عرفناها وبلوناها، فلم نعرف منها الرضى بما يسر المسلمين ولا الفرح بما يقرب بعضهم من بعضهم. ولم نبل منها إلا كل معاكسة لمصالحهم، ونحن لا يهمّنا من أمر هؤلاء الأشخاص ولا هذه المقامات شيء ما دمنا قد أدّينا واجبنا نحو ديننا ولغتنا وشاركنا في عمل صالح لأمّتنا.
وإنك لتسمع بعض الألسنة التي تترجم عن قلوب جاهلة أو مريضة تردّد هذا السؤال: ما معنى مشاركة العلماء في مؤتمر سياسي؟ كأنهم يريدون تخويفنا بهذا الغول الموهوم غول السياسة، وتفويت الفرصة علينا بمثل هذه الترهات. وكم أضاعت هذه الترهات على الغافلين من فرص!
وإننا لنعلم أن وراء الأكنّة، شخوصًا مجتنة، في كيد الأبالسة وخفاء الجنة، وإن هذه الشخوص جربت العلماء فوجدتهم لا يلينون لغامز، فيسوءها أن ينعقد المؤتمر، ويسوءها بنوع خاص أن يشارك العلماء فيه، فيكتسب قوة من قوّتهم وثباتًا من ثباتهم ولونًا راسخًا مما عرفوا به من الرسوخ، ثم يتحوّل غيظها عنه إلى قالة السوء يشيعونها عليه، وأحدوثة الاستهجان يرمونه بها في طوائف مخصوصة تردّد تلك الأصداء وتلبس علينا بأن المؤتمر يهمها أكثر مما يهمّنا بآية أنها لا تستهجن إلا جوانب النقص فيه، ومن جوانب النقص- في هذا المنطق الزائف- اشتراك العلماء في المؤتمر.
فويحكم .. ان العلماء الذين تعنونهم، هم من الأمة في الواقع والحقيقة، في حال أنكم لا تعدون منها إلا على الزعم والدعوى، وان العلماء يمثّلون الوصف الذي ما كانت الأمة أمة إلا به وهو الإسلام ولسانه، وإن مطالب الأمة التي رفعت صوتها بها في المؤتمر ترجع إلى أصول أربعة، الدين والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وإن لكل مطلب من هذه المطالب فروعًا متشابكة، وإن كل أصل من هذه الأصول يحتاج إلى بحوث ودراسات تفتقر إلى كفايات واختصاصات، وإذا كان في نوّاب الأمّة ومفكريها من فيه الكفاية والمؤهلات لدراسة المطالب السياسية ووصل مقدماتها بنتائجها وإعطاء رأي ناضج فيها، أو كان في فلّاحينا وتجّارنا من نعتمد عليه وعلى رأيه في المطالب الاقتصادية مثلًا، فمن للمطالب الدينية وما يتبعها من اللغة العربية غير العلماء؟
المؤتمر الجزائري الإسلامي العام:
يجد القرّاء على وجه كل جزء من أجزاء "الشهاب" مبدأه في الإصلاح السياسي هكذا: "الحق والعدل والمؤاخاة في إعطاء جميع الحقوق للذين قاموا بجميع الواجبات"، ونحن
نعني بذلك أن الأمة الجزائرية قد قامت لفرنسا بكل ما طلبته منها من نفس ونفيس، فمن الحق الواجب على فرنسا ومن العدل الذي لا يقوم أمر أمة إلا به، ومن مقتضى المؤاخاة الحقيقية التي لا تكون إلا عندما يشعر الإنسان بأنه غير مغموط الحق ولا مهضوم الجانب من صاحبه، أن تعطي فرنسا للجزائريين جميع حقوقهم دون أي تنقيص لهم عن غيرهم، ولا أدنى تمييز لهم عنهم، وليس لها أن تطالبهم بالانخلاع عن أقل شيء من مميزاتهم في قوميتهم ودينهم ولغتهم، فقد قاموا بما فرضته عليهم من الواجبات وهم على قوميتهم ودينهم ولغتهم، فلتعطهم جميع الحقوق وهم على قوميتهم ودينهم ولغتهم. وعلى هذا مبدإ كنا نقاوم (بروجي)(6) الرجل العظيم الذي لا ننسى فضله م. فيوليت، لما فيه من عدم التسوية في الحقوق لا بين الجزائريين والفرنسيين ولا بين طبقات الجزائريين أنفسهم، ومما فيه من تهيئة الطبقة المثقفة للاندماج مع السكوت التام عن الدين واللغة.
إن جمعية العلماء هي المؤتمنة عن الدين ولغته العربية. وإليها يرجع الفضل في احيائهما بهذا الوطن- برغم الأفاكين- وإليها يرجع الفضل أيضًا في المطالبة بحقوقهما بالصوت الجهير يوم كانت الأصوات خافتة، والقلوب من الرهبة واجفة.
وإن من دلائل عناية الله بهذا المؤتمر وتيسيره لليسرى، أن اجتمعت فيه أقانيم الكمال كلها، حتى أصبح- على الحقيقة- مؤتمرًا إسلاميًا جزائريًا.
6) كلمة أجنبية " projet" معناها مشروع.