الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤتمر الإسلامي الجزائري*
مظهر اتحاد الأمة الجزائرية وقوتها.
من أوكد الواجبات على الأمة الالتفاف حوله وإزالة كل ما يقف في طريقه.
البشرى بقرب انعقاد المؤتمر الثاني.
ــ
من الحقائق المسلمة أن اسْمَ (المؤتمر الإسلامي الجزائري) أصبح عنوانًا لاتحاد الأمة الجزائرية وقوّتها، ورمزًا لأمانيها القومية ومطالبها الحيوية، وشغلًا للألسنة المتحدثة عنها قبولًا ورفضًا، ومعجمًا جامعًا لكل الحقوق التي تصبو إليها الأمة الجزائرية.
انعقد المؤتمر الأول في اليوم السابع من شهر جوان من السنة الماضية بتلك الصورة الرائعة التي لم تبرح الأذهان، فكان أول خطوة خطتها الأمة الجزائرية في عهدها الجديد، وأول صفحة خطتها من تاريخها المجيد. تمثلت فيه الأمة بجميع عناصرها راجعة إلى عنصر واحد هو عنصر الإسلام والجزائرية، مدفوعة بدافع واحد هو دافع الشعور بالحرمان من الحياة والشعور بالحاجة إلى الحياة.
كان ذلك الاجتماع مجلى لقوّة الاتحاد والأخوة والتضامن، وكان درسًا بليغًا في باب استحقاق هذه الأمة للحياة نوه به رجال البرلمان الفرنسي على منابر الشورى، ونبهوا على قيمته رجال الحكم المسؤولين، وكان إنذارًا لخصوم هذه الأمة والعاملين على تفرقتها والكيد لها، وكان حجة للمنصفين علا بها صوتهم وقوي بها جانبهم وشد بها أزرهم، وكان تكذيبًا مريرًا للمتخرصين الأفاكين المتقولين على هذه الأمة الأقاويل والظانين بها ظن السوء. ومعلوم أن هذه الأمة كانت بين عاملين: عامل على تجريدها من دنياها فهو يجهد في التجريد ويتمنى المزيد، وعامل على تجريدها من دينها فهو يدأب في ذلك ما وسعه الدأب ويكيد ما وسعه الكيد.
ثم يلتقي العاملان في نقطة واحدة وهي القضاء على هذه الأمة، حتى إذا تم للعاملين ما أرادا وظن كل منهما أن الغاية تحققت، (جاء المؤتمر الإسلامي الجزائري) يقول للأول:
* جريدة "البصائر"، السنة الثانية، العدد 67، الجمعة 3 ربيع الأول 1356هـ / 14 ماي 1937م.
حسبك! لا قيصر بعد اليوم، إن ما تم في النوم لا يتم في اليقظة، وما أمكن مع الافتراق لا يمكن مع الاجتماع، فتعالَ نتقاسم الحظوظ في الحياة! ثم لا حرج إذا طالبتني بمقاسمة الحظوظ في الممات، فاعرض كلمتي على الحق تجده تفسيرها، وعلى العدل تجده مدلولها، وعلى قائمة الاخوة والمساواة والحرية تجدها شواهد لها!
ويقول للثاني: كذبك الظن، إن الإسلام كامن في هذه النفوس كمون النار في الحجر، وقد قدح المؤتمر زنده فأورى، إن في نفس هذه الأمة قبسًا من الحياة يشع منه نورها، فإذا هي مهدية، وتنقدح منه نارها فإذا هي قوية، وإن هذا القبس لا يخبو ما دام الإسلام والعربية.
…
ولد المؤتمر الإسلامي الجزائري كامل البنية لا نقص فيه- إلّا في العرضيات، وان زعم الجاهلون أنه ينطوي على نقائص فما ذلك إلّا لنقص في عقولهم أو مرض في نفوسهم، وبدت عليه مخايل القوّة من يوم تأسيسه فلهجت به الألسن وأصبح اسمه لازمة الحديث في المسألة الجزائرية، فأيده المؤيدون من غير الأمة على مقدار اعتقادهم في نفعه واعانته لهم على إقامة العدل، وقاومه المعارضون على مقدار اعتقادهم في مضادته لمصالحهم، أما الأمة- وهي صاحبة الكلمة فيه- فقد تعاهدته بما يجب من رعاية فحفظت ذكره وحاطته بما يضمن بقاءه من نظم وتأسيسات، وان لقيت في سبيل ذلك- حتى من أبنائها- ما لا يحصى من المشاكسات والمعاكسات، وواجبها في هذا المقام أن المؤتمر هو كنزها الثمين، فلتشد عليه يد الضنين.
لا نفيض في تاريخ المؤتمر فإن ذلك ما ستتدفق به ألسنة الخطباء في المؤتمر الثاني القريب، وإنما نقص خلاصة ما قررته لجنة "66" للمؤتمر في اجتماعها الخطير الذي عقدته بنادي الترقي يوم 9 ماي الجاري.
اجتمعت لجنة "66" للمؤتمر الإسلامي الجزائري يوم الأحد تاسع شهر ماي الجاري على الساعة التاسعة صباحًا بنادي الترقي برئاسة الدكتور (البشير عبد الوهاب) وحضر الاجتماع أغلب الأعضاء من جهات القطر المختلفة، وبعد تلاوة برقيات المعتذرين بسط الرئيس الحالة الأدبية للجنة التنفيذية للمؤتمر وقفى على أثره الكاتب العام ببيانٍ وافٍ وشرح للحالة الأدبية ثم قفى عليهما أمين المال ببيان للحالة المالية.
ثم طرحت مسألة الاستعداد للمؤتمر الثاني فقسمته اللجنة إلى نقط مترتبة لتتفاوض في كل نقطة على حدة، فكانت النقطة الأولى تاريخ انعقاده.
أصر فريق من الأعضاء على لزوم انعقاده في سابع جوان إحياء لذكرى المؤتمر الأول، وإبقاء لمعناه التاريخي الرابع وهذا شيء لا يخالف فيه أحد، ولكن عرض رأي آخر له وجاهته وتقديره وهو أن سابع جوان بل شهر جوان كله وقت أنهماك طائفة عظيمة من الأمة في أشغال فلاحية أو تعليمية، فالمحافظة على اليوم المعين تؤدي قطعًا إلى حرمانهم من شهود المؤتمر وحرمان المؤتمر من تأييدهم.
فوقع إجماع اللجنة على تعيين يوم الأحد الأول من شهر جويلية القابل تاريخًا للمؤتمر الثاني وعلى لزوم إحياء ذكرى سابع جوان بجعله عيدًا للأمة. ولتحقيق ذلك قررت اللجنة لزوم احتفال جميع لجان المؤتمر الفرعية والمركزية والعَمَالية في ذلك اليوم باجتماعات عامة تحضرها طبقات الأمة،- ولزوم إرسال برقيات للحكومة من جميع اللجان تتضمن المطالبة والالحاح في تنجيز المطالب، ويكون إرسال البرقيات كلها في ساعة واحدة وهي الساعة السادسة من مساء الإثنين سابع جوان.
ثم تفاوضت اللجنة في الترتيبات اللازمة لانعقاد المؤتمر الثاني فأقرت ما يلزم من التحضيرات والوسائل، لأن إعداد المؤتمر من خصائص اللجنة التنفيذية، ووقفت عند حدود نص اللائحة الداخلية التي كانت وضعتها لجنة "66" في أول سنة المؤتمر الماضية ونص المادة:
"إن المؤتمر يتكون من الأعضاء المفوضين الذين ترسلهم اللجان الفرعية والمركزية بشهادات رسمية بشرط أن لا يمثل اللجنة الفرعية أكثر من ثلاثة أعضاء، ولا يمثل اللجنة المركزية أكثر من ستة أعضاء".
وبناء على هذا فقد قررت اللجنة أن يجتمع الأعضاء المفوضون من اللجان يوم السبت السابق ليوم الأحد الأول من جويلية، فينتخبوا المقررين للمسائل المختلفة ويوزعوا الأعمال ويعينوا الخطباء المختصين للمواضيع الجوهرية للمؤتمر. ويوم الأحد يكون الاجتماع العام الذي تحضره طبقات الأمة كلها، ويوم الإثنين يجتمع الأعضاء المفوضون للأعمال اللازمة.
فأيام المؤتمر المقررة هي ثلاثة أيام.
أما تفاصيل هذه القرارات وتعيين مواقيت الساعات بالضبط وتعيين أماكن الاجتماع فإنها من خصائص مكتب اللجنة وستعلنها الكتابة العامة للأمة عن قريب.
…
نحن إنما نريد بهذه الخلاصة الموجزة أن نزف البشرى للأمة الجزائرية بقرب انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري، وأن نلفت نظرها إلى لزوم الالتفاف حوله وإزالة كل ما يقف في طريقه أو يصد عن سبيله.