الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمعية العلماء المسلمين الجزائرين كما هي:
نسمع نغمات مختلفة ونقرؤها في بعض الأوقات كلمات مجسمة- صادرة من بعض الجهات الإدارية أو الجهات الطرقية- تحمل عليها الوسوسة وعدم التبصر في الحقائق من جهة، والتشفي والتشهير من جهة أخرى، هذه النغمات هي رمي جمعية العلماء تارة بأنها شيوعية، وتارة بأنها محركة بيد خفية أجنبية، وتارة بأنها تعمل للجامعة الإسلامية أو العربية (8) أو تعمل لنشر الوهابية، والطرقيون لا تهمهم إلّا هذه الكلمة الأخيرة، فهي التي تقض مضاجعهم وتحرمهم لذيذ المنام، وحالهم معها على الوجه الذي يقول فيه القائل:
فَإِذَا تَنَبَّهَ رُعْتَهُ وَإِذَا غَفَا
…
سَلَّتْ عَلَيْهِ سُيُوفَكَ الْأَحْلَامُ
وكيف لا يحقدون عن هادمة أنصابهم، وهازمة أحزابهم؟ فتراهم لاضطغانهم عليها يريدون أن يسبوها فيسبوننا بها من غير أن يتبينوا حقيقتها أو حقيقتنا. والقوم جهال ملتخّون من الجهل، وحسبهم هذا.
أما الجهات الإدارية فيهمها كل شئ ويعنيها كل شيء. وكل شيء في المنطق الإداري محتمل الوقوع، ولو كان من القضايا التي لا تلازم بين طرفيها، ولو لم تظهر الإدارة في كثير من المواقف بتأييد الطرقية والتحيز لها، لقلنا فيما ترمينا به هو حزم السياسة والسلام، وقد اطلعنا على كثير من تقاريرها السرية المتعلقة بنا، فرأينا العجب العجاب، ولسنا نلوم الإدارة على تحريها واحتياطها، وتشددها واشتراطها، بقدر ما نلومها على جهل وَزَعَتِهَا واشراطها. فعجيب- والله- ومؤلم- والله- أن تعتمد في التحري علينا وعلى دروسنا ومحاضراتنا رجالًا لا يفقهون فقه اللغة العامية ومغازيها، فضلًا عن العربية الفصحى، ونحن قوم لساننا عربي فصيح نصرفه قي وجوه القول المختلفة، ونديره على حقائق اللغة ومجازاتها ومترادفاتها ومشتركاتها، ونسيمه في حكمها وأمثالها، وسائر تصاريفها وأحوالها، أفيجوز في حكم الانصاف أن تؤخذ التقارير عنا من قوم هذا شأنهم؟ نقول "الجهد" فيفهمون "الجهاد" ونقول "الأساس" فيفهمون "السياسة"!
فإن قالت الادارة إنهم محلفون (كما قال لي كبير إداري فاوضته في هذا الأمر) فهي أول من يعلم أن التحليف- قد- يمنع من الكذب، ولكنه لا يمنع أبدًا من الجهل باللغة. سمعنا تلك الكلمات وقرأناها وعلمنا أنها نتائج تقارير سرية تبذل فيها جهود وأموال، وعلمنا المغازي التي ترمي إليها، والدوافع التي حملت عليها، وفهمنا أنها استنباطات واختلافات لا قيمة لها لأنه لا وجود لها، وإنما يراد بها التهويل والتضليل ومآرب أخرى، كما يهول على الأطفال بالغول وما لا حقيقة له. ونحن قد شببنا عن طوق الطفولة فلم نعر
8) المقصود الفكرة العربية لأن الجامعة كمؤسسة لمَّا تتكون بعد.
هذه الكلمات التفاتًا، ولا شغلتنا بجواب، ولا أصغت منا صاغية، ولا صدتنا عن عمل، ولا أوهنت لنا عزيمة ولا فلت لنا حدًا، ولا بالينا بقائليها بالة.
أما الطرقيون فلعلمنا أنهم رمونا بالكفر فكيف بما دونه؟ وأما الجهات الأخرى فلعلمنا أن سبيلها الحجة والدليل، فلندعها حتى تقيم الدَّليل، ولكن مع هذا كله يجب أن نقول هنا كلمة في حقيقة هذه الجمعية طالما قلناها وهي عملها مترجمًا في سطر، ومداها محصورًا في شبر، كما يقال للشمس هي الشمس، فيكون ظهورها هو علة تعيينها، ونورها هو سبب تبيينها.
جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية، فهي بالصفة الأولى تعلم وتدعو إلى العلم، وترغب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلم الدين والعربية لأنهما شيئان متلازمان وتدعو إليهما وترغب فيهما وتنحو في الدين منحاها الخصوصي، وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعياداته، لأن هذا هو معنى الإصلاح الذي أسست لأجله ووقفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضًا بوسائل علنية ظاهرة.
وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق التي حض الدين والعقل عليها لأنها من كمالهما، وتحارب الرذائل الاجتماعية التي قبح الدين اقترافها وذم مقترفيها، وسلكت في هذه الطريق أيضًا الجادة الواضحة.
وبهذه الصفة تعمل لترقية فكر المسلم بما استطاعت، وترشده إلى الأخذ بأسباب الحياة الزمنية، وتريه ما يتعارض منها مع الدين وما لا يتعارض.
فالجمعية- بهذا الوصف الحقيقي لها- أداة من أدوات الخير والصلاح، وعامل لا يستهان به من عوامل التربية الصالحة والتهذيب النافع، وعون صالح لأولي الأمر على ما يعملون له من هناء وراحة، تشكر أعماله ولا تنكر.
ولئن قالوا: ان هذه الجمعية فرقت الأمة
…
لنقولن ومتى كانت هذه الأمة مجتمعة حتى يقال إن الجمعية فرقتها؟
ان الأمة كانت فرقًا شتى كلها على الباطل والضلال، فجاءت جمعية العلماء فردت تلك الفرق إلى فرقتين، إحداهما على الحق والهدى، هذه هي الحقيقة لا ما يهذي بها قصار النظر صغار العقول.
والجمعية فيما وراء هذا مرتبطة بالعالم الإسلامي أفرادًا وشعوبًا بما يترابط به المسلمون من حقائق دينهم ومظاهره، وهذه ناحية ارتباط طبيعية ذاتية، وصلة اشتباك روحية فطرية