الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
3
- *
كلمة في «دار الحديث»
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها السادات الأفاضل، أيها الآباء المكرّمون،
أنا من نتاج هذه المدرسة يوم أن كانت اسمًا بلا مسمّى، ومن زرع هذا الحقل من قبل أن تتناوله يَدُ الإصلاح، وتعمل في فلاحته وفلاحة همّة الفلّاح، ومن بواكر الثمار لهذه الحديقة من قبل أن تتّسع أرجاؤها ويشاد بناؤها. فكل المراحل التي قطعتُها- وإن كانت قصيرة- فهي على هذه المدرسة محسوبة، وكل الآمال التي لي في العلم فهي إلى فضل هذه المدرسة منسوبة.
وكيف لا أمتلئ زهوًا وإعجابًا وأملًا في الحياة وطموحًا إلى غاياتها بعد أن رأينا المدرسة التي تذوّقنا حلاوة العلم الصحيح فيها، وسرنا على نور الهداية الإسلامية تحت اسمها وسمعتها، رأيناها تترقّى في الوجود الحسي من أماكن مستعارة إلى بيوت بالإجارة، إلى مكان بسيط لا يليق بشرف العلم، ولا يتناسب مع قدر "تلمسان" وعظمتها التاريخية ومجدها الخالد، ولا بقيمة أستاذنا محي "تلمسان".
تترقّى في مثل هذه المدّة القليلة إلى هذه القمّة العليا، وتظهر في هذا الشكل العجيب المدهش جامعةً بين الفن العربي البديع والشكل العصري الأنيق، وتبدو آيةً في الضخامة والجمال، والسعة والكمال.
أيها الآباء المحترمون: إننا إذا قال الناس: إن الوقت وقت علم وإن العصر عصر تقدم، نقول لهم: إن ديننا دين العلم ودين التقدّم، فلسنا في هذا السبيل بين عصر وعصر، ولكننا
* مسوّدة كلمة أملاها الشيخ على نجله الأكبر محمد -وعمره آنذاك 13 سنة- الذي ألقى الكلمة.
بين خمول كنّا فيه وغفلة عن أوامر ديننا ونواهيه، وبين يقظة في ذلك الدين أذّن مؤذّنها، ووجد من يدعو إليها ويبيّنها، ولا غرابة في رجوع الشيء إلى أصله ولا في طلب صاحب الحق لحقّه، وإنما الغريب ما كنّا فيه من نوم عميق، وبُعدٍ عن العلم سحيق، وعماية تخبّطنا في ظلماتها أحقابًا، وخرافات ورثناها أعقابًا وأعقابًا.
أيها الآباء المحترمون: إن هذه المدرسة هي الشاهد الذي لا يكذِب على صدق النهضة الإسلامية العلمية ونضوجها ووصولها إلى درجة الكمال التي يفرح لها العاملون، وييأس منها الظالمون.
إن أثر ذلك يكون بلا شك نفعًا في تقديرنا لهذا الدين واعتبارنا لهذه اللغة، ونحن في هذا الطور لا نتأثّر إلّا بالمحسوسات، فلا نعرف مما تقولون لنا إلّا قولكم: هذا الإسلام وهذه مساجده، وهذا لسان العرب وهذه معاهده. فأمّا أن تقولوا لنا: هذا الإسلام ولا مسجد، وهذه علوم الإسلام ولا معهد، فاعذرونا إذا استهوتنا هذه المعاهد المشيّدة للألسنة الأجنبية، وتخطفتنا دعايات البشر من كل جانب.
أيها الآباء: هذا هو السرّ في ضعف الدعاية الإسلامية في أبنائكم، وموت العاطفة العربية فيهم، ولو أن أجدادنا فعلوا مثل ما فعلتم لرأيتم منا غير ما رأيتم، ولعملنا نحن للأجيال القادمة أضعاف أضعاف ما عملتموه لنا، ولأعدنا نحن إلى الإسلام سيرته الأولى وإلى العربية شبابها الزاهر.
أيها الآباء: قد تعوَّدْتُم أن تستهينوا في رغبات أبنائكم بكل عزيز، لأنهم أعزّ عليكم من كل عزيز، وتعوّدنا نحن أن نتقدّم إليكم بالرغبات التافهة، فاستهينوا في سبيل المدرسة بالمال العزيز في سبيل أبنائكم الأعزّة، واحمدوا الله على أن أصبحنا نتقدّم إليكم بالمطالب الجليلة والرغائب الكبيرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.