المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية * - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٢

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مقدمة

- ‌خلل ذاتي:

- ‌في رحاب الآثار:

- ‌فلسفة الإصلاح:

- ‌الإصلاح وجمعية العلماء:

- ‌خصائص أدب الإبراهيمي:

- ‌السياق التاريخي (1940 - 1952)

- ‌ المنجزات

- ‌أولًا: في ميدان التربية والتعليم:

- ‌1) تأسيس معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة:

- ‌2) بناء المدارس:

- ‌3) تكوين لجنة التعليم العليا:

- ‌4) إنشاء الشهادة الابتدائية:

- ‌5) إرسال البعثات الطلابية إلى الدول العربية:

- ‌ثانيا: في ميدان التنظيم:

- ‌1) المركز العام:

- ‌2) التوسع في تأسيس الشُّعَب:

- ‌3) توسيع المجلس الإداري وتنقيح القانون الأساسي للجمعية:

- ‌4) بعْثُ النشاط في فرنسا:

- ‌5) فتح مكتب القاهرة:

- ‌ثالثًا: في ميدان التوجيه والإعلام:

- ‌1) إعادة إصدار جريدة البصائر:

- ‌2) وفود الوعظ والإرشاد:

- ‌رابعًا: المجال الديني:

- ‌خامسًا: في الميدان السياسي:

- ‌في المنفىأومن وحي آفلو

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌تساؤُل نفس*

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد قصيبة*

- ‌رسالة الضبّ*

- ‌((فصل))ونعود إلى الحديث عن الضبّ

- ‌((فصل))ورجز الضبّ الذي أشار إليه المعرّي

- ‌((فصل))ومن مزاعم العرب في الضب

- ‌((فصل))وكما يستطيب العرب لحم الضبّ

- ‌((فصل))وتضرب العرب المثل بالضب

- ‌((فصل))ولما ذكرناه من علاقة العرب بالضبّ

- ‌((فصل))وقد جرى في هذه الرسالة ذكر الوزير المغربي

- ‌مناجاة مبتورة لدواعي الضّرورة*

- ‌رواية الثّلاثة*

- ‌مَظاهر الأبطالِ الثلاثةِ في الرِّوايةِ:

- ‌أسلوب الرواية

- ‌صورة الاستدعاء من المدير

- ‌الجلسة الأولى:

- ‌الجلسة الثانية

- ‌صُورَةُ الاِسْتِدْعَاءِ مِنَ الرَّئِيسِ إِلَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ بُوشْمَال

- ‌الجلسة الثالثة

- ‌(الْمَشْهَدُ الْأَخِيرُ:

- ‌هذه "العزيمة

- ‌حاشية:

- ‌مرشد المعلّمين*

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌رئيس جمعية العلماءيتكلم

- ‌لقاء ووفاء *

- ‌واجب المثقّفين نحو الأمة*

- ‌منزلة المثقفين في الأمم الحية:

- ‌كيف يؤدي المثقفون واجبهم نحو الأمة

- ‌الدروس العلمية بتبسة*

- ‌تقرير إلى لجنة الإصلاحات الإسلامية بالجزائر*

- ‌الإصلاح السياسي:

- ‌التقرير* الذي قدّمه مجلس إدارةجمعية العلماء المسلمين الجزائريينإلى الحكومة الجزائرية

- ‌المساجد وأوقافها:

- ‌التعليم العربي الحر ومدارسه ومعلموه

- ‌مطالب جمعية العلماء: في قضية التعليم العربي

- ‌القضاء الإسلامي وتعليمه ورجاله:

- ‌ التعليم القضائي

- ‌ها هي أصول للإصلاح نقدمها بكل إخلاص:

- ‌الوظائف القضائية:

- ‌السلطة العليا:

- ‌محاكم للاستئناف:

- ‌التجول:

- ‌النوادي:

- ‌في السجن العسكريبالعاصمة ثم قسنطينة

- ‌رسالة إلى الأستاذ إبراهيم الكتاني*

- ‌رسالة إلى الطلبة الجزائريين بالزيتونة*

- ‌كتاب مفتوح لسعادة وزير الداخلية

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌رئيس جمعية العلماءومدير «البصائر»ومؤسس «معهد ابن باديس»يتكلم

- ‌بلاغ من جمعية العلماء *

- ‌نصيحة دينية

- ‌المسلمون في جزيرة صقلية*

- ‌السيد محمد خطّاب الفرقاني*

- ‌كوارث الاستعمار*

- ‌إحياء التعليم المسجدي بمدينة قسنطينة*

- ‌معهد قسنطينة*

- ‌شروط قبول التلامذة

- ‌تنبيهات وتوضيحات:

- ‌جريدة (العَلَم) الخفاق أو (العلم) الشامخ*

- ‌عزاء للأستاذ التبسي*

- ‌ديكتاتور (مايو) *

- ‌مبارك الميلي*

- ‌نداء إلى الشعب*

- ‌بلاغ إلى الأمّة العربية الجزائرية*

- ‌الأستاذ محمد بن العربي العلوي*

- ‌ذكرى عبد الحميد بن باديس الثامنة

- ‌ذوق صحفي بارد*

- ‌هدية ذات مغزى جليل*

- ‌نداء وتحذير

- ‌إمتحانات المعهد والمدارس *

- ‌الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌البصائر" ومعهد ابن باديس *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:ما له وما عليه *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:

- ‌الفرع وأصله:

- ‌ومطالب المعهد:

- ‌النجاح يقوّي الأمل:

- ‌همسة في أذن الأمّة:

- ‌ أيتها الأمّة

- ‌كلمة الختام:

- ‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية *

- ‌سنة من عمر "البصائر

- ‌سنة "البصائر" الجديدة *

- ‌جناية الحزبية على التعليم والعلم *

- ‌مجلة أفريقيا الشمالية*

- ‌أدعاية أم سعاية؟ أم هما معًا

- ‌برقية تعزية في وفاة المنصف باي *

- ‌كارثة الأغواط *

- ‌إلى المشائخ المعلمين *

- ‌بيان من المجلس الإداري لجمعية العلماء *

- ‌مقدمة كتاب "مجالس التذكير

- ‌مجالس التذكير *

- ‌جريدة "العلم" الخفاق *

- ‌كيف تشكّلت الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌قادة الجيل الجديد في ميادين العلم *

- ‌قرار من المجلس الإداري لجمعية العلماءالمسلمين الجزائريين *

- ‌زواوة" الكبرى تستمسك بعروة الإسلامالوثقى وتطلب الرجوع إلى الأصل *

- ‌حيّا الله تونس *

- ‌تنبيه أكيد إلى رؤساء الجمعيات المحلية *

- ‌تحذير

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌صوت المسجد

- ‌شكوى العاصمي *

- ‌الشيخ أبو القاسم بن حلوش *

- ‌إلى الأمّة *

- ‌رمضان: وحدة الصوم والإفطار *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس *

- ‌دروس الوعظ والإرشاد في رمضان *

- ‌إلى الكتّاب *

- ‌ذكرى بدر بمركز جمعية العلماء *

- ‌إلى القرّاء *

- ‌الرقم السجين *

- ‌مؤتمر الثقافة الإسلامية

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌في حفل ختام السنة الدراسيةبمعهد عبد الحميد بن باديس

- ‌محمد خطاب الفرقاني *

- ‌البصائر" في سنتها الثالثة *

- ‌رفع إيهام *

- ‌المعهد والمدارس *

- ‌والمدارس

- ‌نفحات من الشعر الجزائري الحديث*

- ‌برقية احتجاج *

- ‌الفضيل الورتلاني

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الأستاذ علي الحمامي

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الزميل المنستيري *

- ‌أقطاب الفرقة القومية المصرية *

- ‌كتاب "نقرأ ونكتب

- ‌بيان حقيقة ورفع إيهام

- ‌المولد النبوي الكريم

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌مدرسة أولاد سيدي إبراهيم *

- ‌برقية تأييد لمطالب التلامذة الزيتونيين *

- ‌الوعظ في رمضان *

- ‌فتح جامع "الحنايا" ومدرستها *

- ‌المعهد الباديسي *

- ‌مدارس جمعية العلماء *

- ‌الأستاذ إبراهيم الكتّاني *

- ‌رسل الصحافة المصرية في الجزائر *

- ‌البصائر" في سنتها الرابعة *

- ‌رحلتنا إلى باريس *

- ‌بيان من رئاسة جمعية العلماء

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌من ثمرات الأخوة الإسلامية

- ‌افتتاح مدرسة بسكرة *

- ‌فرية غريبة *

- ‌حركة الإسلام في أوروبا *

- ‌حركة جمعية العلماء بباريس *

- ‌الدكتور عبد الكريم جرمانوس *

- ‌نغمة شاذة *

- ‌صحف الشرق العربي *

- ‌الكتب المهداة إلى "البصائر

- ‌اتحاد الأحزاب بالمغرب الأقصى *

- ‌تنصّل من تهمة *

- ‌بيانات للأمّة من المكتب الإداري لجمعيةالعلماء في قضية الصوم والإفطار *

- ‌أكبر زلّة تقترفها لجنة الأهلة *

- ‌ونعود إلى لجنة الأهلة *

- ‌هلال رمضان: معلومات وتنبيهات *

- ‌شكر واعتذار

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الإجتماع العام لجمعية العلماء *

- ‌نظام الاجتماع

- ‌التقرير الأدبي *

- ‌المدارس

- ‌المعهد الباديسي

- ‌البصائر

- ‌قضية فصل الدين عن الحكومة

- ‌العمل في فرنسا

- ‌العمل في مصر

- ‌ذخر من النصائح للمجلس الجديد:

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس

- ‌بلاغ *

- ‌التهنئة باستقلال ليبيا *

- ‌الأستاذ محي الدين القليبي *

- ‌دار الطلبة بقسنطينة

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌بلاغات *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌خاتمة السنة الرابعة لـ"البصائر

- ‌فاتحة السنة الخامسة لـ"البصائر

- ‌خطاب أمام الوفود العربية والإسلاميةفي الأمم المتحدة *

الفصل: ‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية *

‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية *

ما هذه اللجنة التي فرضت نفسها على المسلمين، أو فرضتها الحكومة على دين المسلمين؟ وعلى أي سند تستند؟ أعلى الدين؟ والدين لم يجعل للقضاة ولا لِلِّجَانِ سلطانًا على شعائره. أم على التاريخ؟ والتاريخ لم يعرف في جميع عصوره جماعة بهذا الإسم. أم على التقليد الموروث المتلقى من الأمّة بالقبول عن طوع واختيار؟ والتقاليد لا تعتبر إلا إذا عركتها الأزمنة وأصبحت جزءًا من حياة الأمّة، جارية منها مجرى الضروريات التي لا غنى عنها.

يقول الشيخ قاضي الجزائر في بلاغه الذي نشره بالجرائد الفرنسية قبيل رمضان ما معناه: إنه رئيس للجنة الأهلة والأعياد الإسلامية الكبيرة، وإن هذه اللجنة أصيلة، وإنها لا صلة لها بالحكومة، ولا مدخل للحكومة فيها، هذا معنى كلامه. ونحن وجميع الناس لا نعرف إلا أنها حكومية لحمًا ودمًا ووضعًا. وأنها حديثة عهد بالولادة والتسمية. سبقتها لجنة أخرى مبتدعة كانت تسمّى لجنة الأهلة. لم يطل عمرها كبقية الأوضاع المزوّرة على الدين والتاريخ. ولا نعرف عمن ورثها الشيخ القاضي لولا الحكومة؟ ولا ندري من قلّده إياها لولا الحكومة؟ ولا من أي طريق توصّل إليها لولا القضاء؟ ولا من أي طريق توصل إلى القضاء لولا الحكومة؟ فالحكومة هي الأولى والأخيرة في الموضوع ولا معنى لإنكار ذلك. ولم يتوصل بها الشيخ بانتخاب من الأمّة، ولا بمؤهّلات علمية أو دينية.

وإذا كان من بعض تراتيب الحكومات الإسلامية في القديم نصب قاض خاص بالأهلة، منقطع طول العام لتتبع مطالعها ومغاربها فإن ذلك سند انقطع، وسنة ماتت. على أن مفهوم "قاض" للأهلة غير مفهوم رئيس للأهلة والأعياد الإسلامية الكبيرة. فإن إدخال الأعياد هنا يشعر بأنها لجنة احتفالات بالأعياد تقيمها وتنظمها.

* "البصائر"، العدد 45، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 21 جوان 1948م.

ص: 224

ويقول الشيخ القاضي فيما ردّ به على زميله المفتي الحنفي ونشره بجريدة "الوزبر": إن لجنة الأهلة والمواسم الإسلامية في جميع أقطار الإسلام من خطط القاضي المالكي. ونحن نعرف أقطار الإسلام، ولكننا لا نعرف هذه الخطة. ونعرف تاريخ القضاء ولا نعرف أن هذه الخطة من خصائصه ولو كان مالكيًا. ثم ما معنى خطط القاضي؟ لقد كانت للقاضي خطط يوم كانت في يده الحدود والمظالم والتعزيرات والحسبة والأموال. أما قضاة (ما تحت الاستعمار الفرنسي) فهم كمسائل (ما وراء الطبيعة) وإنما ينظرون في الأنكحة والمواربث وأموال المحاجير نظرًا مقيّدًا بالقانون الفرنسي، وبسلطة القاضي الفرنسي.

ويقول أيضًا: إن لجنته لا تقلّ قيمتها عن الهيئات الموجودة في الأقطار الإسلامية الأخرى. ونحن لا نسلم هذا إلا إذا سلّمنا أن هيأة قاضي الجزائر مساوية للهيئات الإسلامية في العلم والدين والمحافظة على الشعائر والذب عنها ولا نستطيع التسليم بذلك إلا إذا رزقنا جرأة كجرأة الشيخ القاضي.

ويقول أيضًا: إن أعضاء هيأته كلهم متضامنون متحدون متفقون على ما فيه الخير والصلاح ودرء الخلاف والشقاق بين إخوانهم المسلمين الخ

وبعض هذا صحيح، وهو التضامن، فقد تضامنوا في ليلة الشك على النوم من الساعة التاسعة ونصف- العاشرة، وتركوا الأمّة تنتظر.

إن سلطة القاضي في الإسلام مقصورة على أحكام المعاملات الدنيوية ولا صلة لها بالعبادات، البتة، ومن أحكام المعاملات سماع الشهادة وتعديلها أو تجريحها، لأنها أساس في إيصال الحقوق إلى أهلها. أما الشهادة على الرؤية، رؤية الهلال، فهي من باب الخبر، لا من باب الشهادة. إذ لا حق للمخلوق هنا: وكل من سمع الخبر تعلّق به الحكم، وهو وجوب الصوم. والفرق بين الشهادة والخبر معروف عند الفقهاء. ولكن قضاتنا صيروا الخبر - رغم أنفه- شهادة، ودخلوا من بابها إلى رمضان الذي هو عبادة محضة لا يدخل فيها حكم الحاكم، فابتدأ تدخّلهم في مسألة الصوم بتلقّي الشهادات وتسجيلها ثم توسعوا في المسألة لهذا العهد حتى توهموا- بسكوت العامة- أنها من مناطق نفوذهم. ثم ترقت المواصلات الإخباربة بالتلفون والراديو، فأصبحت المسألة مصدر شهرة، فنافسهم فيها المفتون، ونازعوهم حبل النفوذ والظهور ثم ازدادت عناية الأمّة بدينها، فازداد الفريقان بها تعلّقًا. يتخذ منها المفتي مشغلة لوظيفته العاطلة، وتعميرًا لوقته الفارغ. ويتخذ منها القاضي أداة ظهور وزلفى للأمّة، وعلالة بالنفوذ الديني، ومظهرًا من مظاهر العناية بالدين يتجدد في

ص: 225

كل عام. ومن فاتته السلطة النافذة في صميم وظيفته، التمسها بالتصنع والانتحال، وانتجعها في المراعي البعيدة.

ثم جاءت الحكومة في الأخير لتستغل ما زرعت بذوره، وغرست جذوره. وكان صوم هذا العام هو مصنع التجربة

هذه هي وظيفة القاضي مقيّدة محدودة. أما المفتي فإنه لم يذكر في الكتاب. ولا مفتي في الإسلام بهذه الصورة. وإنما الفتوى في الدين واجب مشاع بين علماء الدين، وإذا كان خلفاء بني أمية يقيمون في مواسم الحج الأكبر مناديًا ينادي لا يفتي في الناس إلا عطاء، أو لا يفتي في الناس إلا طاوس، وإذا كانوا يقولون لا يُفتى ومالك بالمدينة، فما ذلك إلا أنه عطاء وطاوس ومالك

ونحن نسمّي حادثة هذا العام مهزلة حكمًا بالظاهر، وقياسًا على ما كان يقع في الأعوام الماضية من التلاعب وتقوية أسباب الخلاف بين جماعات هذه الأمّة المسكينة. أما في هذا العام فهي مهزلة ومكيدة معًا. فقد دلّت القرائن على أنها مكيدة مدبّرة محبوكة الأطراف، اشتركت فيها عدة هيئات وأشخاص أولها الهيئة الحكومية، وآخرها هيئة الأهلة والأعياد، وبينهما ما شاء الهوى من وسائط وأدوات. منها راديو الجزائر الذي بادر إلى النوم، كأنما كان هو واللجنة فيه على ميعاد، ولا نبرئ راديو تونس في هذا العام، فقد رأيناه يتثاءب ويتمطّى ويتناوب ويضيق به الصبر فتسكت نامته، وآذان سامعيه معلّقة به. كأنما سرت إليه نفحة من وحي الجزائر.

وهكذا تقوم الشواهد كل يوم على أنه لا ثقة بهذه المصالح والهيئات التي لا تتحرك ولا تسكن إلا بالوحي والإيعاز، ومنها مرصد (بوزريعة) الذي يعتمد عليه الشيخ القاضي ويقول عنه لسان حاله: إنه حيث لا هلال في المرصد، فلا هلال في السماء. ونحن لا نثق ببوزريعة ولا بمكبراته، ومتى كان بوزريعة مصدر شريعة؟ ومتى كان مصدر وحي بالصوم والإفطار؟

إن الرصد علم. لم يبلغ بنا الجمود أن ننكره. ولكن الاستعمار يفسد العلم بإفساد العلماء. ويوم يجمع علماء الإسلام على الرجوع في الصوم إلى الحساب والترحيل يكون لهم في علماء الفلك منهم مندوحة عن مراصد الاستعمار التي يشيّدها، ويقيّدها. وعن علمائها الذين لا يسميهم حتى يسممهم.

أصل هذه المهزلة أو المكيدة، وعفتها التي سهّلت على مرتكبيها ارتكابها مهزلة أخرى صنعها الاستعمار صنعًا ليذرّ بها الرماد في العيون، فقد شرع في العام الماضي قانونًا يقضي باعتبار الأعياد الإسلامية أعيادًا رسمية تعطل فيها المصالح والأعمال. ومن ذلك اليوم زيد في اسم (لجنة الأهلة) سطر وهو (والأعياد الإسلامية الكبيرة).

ص: 226

وإلى الآن لم ندر ما مرادهم بالكبيرة؟

لم تبلغ بنا البلاهة إلى حدّ أن تخفى علينا المقاصد الحقيقية من هذه الترهات. فقد فطنا من أول لحظة للقصد من هذا التشريع التافه. وسبق الشيخ أبو القاسم البيضاوي فكتب مقالة في العدد الثامن عشر من "البصائر" كشف فيها الغطاء عن هذه اللعبة، ونبّه الأمّة إلى ما ينطوي عليه هذا القانون من كيد. وأن الغاية منه التوصل إلى العبث بأعيادنا والتحكم في شعائرنا بواسطة لجنة كلجنة الأهلة والأعياد.

كانت المكيدة مفضوحة بنفسها وبأيدي رجالها الذين غفلوا عن موطن النقد فافتضحوا ودلونا على أن الأمر كله وحي وإيعازات.

ذلك أن ليلة الأربعاء هي ليلة الشك. فكان الواجب على لجنة الأهلة أن تنسى الأعياد، وأن تأخذ للأمر حيطته بأربعة أمور:

الأول: أن تبقى مجتمعة في مكتبها إلى ما بعد منتصف الليل لتتلقّى الأخبار لاسيّما وبلاغ الشيخ القاضي يتضمن هذا.

الثاني: أن تتقدم إلى إدارة البريد بإبقاء المكاتب البريدية في القرى الصغيرة مفتوحة إلى ذلك الوقت.

الثالث: أن تتقدم إلى إدارة الراديو بمثل ذلك.

الرابع: أن تكون على اتفاق مع جميع قضاة القطر بأن يتصلوا بها إلى ذلك الوقت. ولو شاءت اللجنة لفعلت ذلك من دون مانع ولا عائق، أولًا لأن للقضاة جمعية ورئيسها

هو رئيس اللجنة. وثانيًا لأن هذه الأشياء الأربعة حكومية، فهي أخوات من الرضاع وقد سمعنا أن جمعية القضاة اجتمعت مرات، ولم نسمع أنهم ذكروا هذه المسألة الخطيرة بكلمة.

غير أن لجنة الأهلة والدعاية لم تفعل شيئا من ذلك، بل فعلت نقيض ذلك. فما جاءت الساعة التاسعة ونصف- العاشرة حتى كانت مكاتب القاضيين والمفتيين بالجزائر كلها مغلقة، وأهلها نائمون. وسرى النوم منهم إلى الراديو فغطّ، كأن الليلة ليست ليلة شك. وكأن الأمّة ليست في انتظارهم وانتظاره وكأن الشيخ القاضي لم يكتب في ذلك بلاغا. ولو أنه انتظر إلى نصف الليل، لَقام عن نفسه بالعذر سواء صدّق خبر قسنطينة أو كذّبه.

وقد طلب مركز جمعية العلماء مكاتب القاضيين والمفتيين مرارًا إلى ما بعد نصف الليل، فلم يجبه أحد، وجاءتنا الأخبار من الآفاق بأن عشرات من الناس طلبوا مكتب اللجنة

ص: 227

عشرات المرات فلم يجبهم أحد. وأن محكمة قسنطينة خاطبته بعد العاشرة لتبلغه الخبر الذي تلقّته بالرؤية فوجدته نائمًا. وبلغتنا الأخبار الصادقة بأن كثيرًا من المحاكم لم تفتح ليلة الأربعاء ولا دقيقة، وأن قاضي سطيف استيقظ في الساعة الثامنة من صباح الأربعاء فبلغه أن الرؤية ثبتت عند قاضي قسنطينة، فأمر مناديًا ينادي في الناس بالإمساك فقابله مفتي البلد به بمناد آخر ينادي بالفطر. وكانت فتنة، وكان تشويش، وكانت سخرية بالغة من الأجانب. وما كان القاضي ولا المفتي يريد بما صنع وجه الله ولا نصر الحق، وإنما هو تنازع على نفوذ موهوم ورياسة زائفة.

ومما يزيد في الحسرة والألم أن جريدة "ديبيش قسنطينة" نشرت صباح الأربعاء خبرين متناقضين في إطار واحد، أحدهما بالحرف الدقيق ومعناه أن قاضي قسنطينة أثبت الصوم، والآخر بالحرف الغليظ ومعناه أن قاضي الجزائر يقول: لا رؤية، ولا هلال، ولا صوم. وجريدة "الديبيش" من ألسنة الاستعمار الحادة، ومن معامل الكيد للإسلام والمسلمين، ومصانع الاستخفاف بهما، والاحتقار لهما. ولها في كل حرف تنشره عنهما حكمة وغرض. ففي نشر الخبرين معًا في إطار واحد بنوعين من الحروف أحدهما يلفت النظر، معان لا تخفى علينا ومغاز لا نستغرب منها، ودلالة على دعايتها لأحد الخبرين، وترجيحًا له. وإننا لا نلومها على شيء خلقت له، فقامت به أحسن قيام. وإنما نلوم هذه الهيئة القضائية المتشاكسة على إدخالها الأغراض الشخصية في مسائل الدين، وعلى هذا التلاعب الذي مهّدت به السبيل للسخرية من الإسلام والمسلمين.

أصبحنا لا نثق بهذه الهيئات المسيرة، ولا بهذه الآلات المسخرة. فهل للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن ينظروا لدينهم، ويجمعوا على أمر يشرف الإسلام وينقذه من هذه الفوضى المخزية. وسندلي برأينا في ذلك ونشارك في وضع خطة الإنقاذ.

وقد كنا نشرنا على الأمة منشورًا في العام الماضي، وأعدنا نشره في هذا العام مكنا فيه للثقة بمراكز الإذاعة في تونس والجزائر والرباط، وبالأخبار التي تأتيها من الهيئات الشرعية، حملًا لها ولهم على محمل الأمان والائتمان. ولم نراع في ذلك كونهم قضاة ولا مفتيين. وإنما راعينا كونهم عمالًا مؤتمنين. أما الآن

وبعد اطلاعنا على هذه الخائنة منهم فقد بدا لنا فيهم بداء. وما على الأمة بعد هذا إلا أن تعتمد على نفسها، وأن تتبادل الأخبار التلفونية من شاهدين إلى شاهدين، وأن تجتهد في تعميم الأخبار بالوسائل الممكنة.

ص: 228