الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وان أشرف ما قام به المكتب- السعي في قبول بعثات من أبناء الجزائر باسم جمعية العلماء في المعاهد العلمية الكبرى، على نفقة الحكومة المصرية، وبعض الحكومات الشرقية، وقد سافر جماعة من أبنائنا لهذا الغرض، مزودين بشهادات منا، وستتكامل البعثة المكونة من عشرين تلميذا فتوزع على الأزهر والجامعة المصرية والمعاهد الأخرى، وإن هذا المكتب لم يزل في المرحلة الأولى، وهي مرحلة التكوين، وسيأتي من الأعمال الجليلة ما يقر أعينكم.
ذخر من النصائح للمجلس الجديد:
أيها الإخوة الكرام، أيها الأبناء البررة، هذه أمهات الأعمال التي قام بها المجلس الإداري لجمعيتكم، فأدى الأماتة، وبلغ بالسفينة إلى ساحل النجاة في بحر من الأحداث متلاطم الأمواج، وسبل من السياسة كثيرة الالتواء والاعوجاج، وهو اليوم يلقي الحمل فخورًا بأعماله التي إن لم يصب في بعضها النجاح فقد حفظ فيها الشرف، وإن لم يكتب له فيها النصر فلم تكتب عليه الهزيمة، وان في التجاريب لعلمًا ليس في الكتب، وان في مراس الحوادث لقتلًا لها، وكشفا لدخائلها واطلاعًا على حقائقها، وحقيق عليَّ أن لا أختم كلامي حتى أتقدم بنصائح وإرشادات للمجلس الجديد، ولمن يأتي بعده، وأن عسى أن يجد فيها النور والهداية، ويستفيد منها ما يستفيده الأواخر من تجاريب الأوائل.
أوصيه بتقوى الله فهي ملاك كل شيء، وأوصيه بالاعتماد عليه فهو ناصر المستضعفين، وأوصيه بالصبر فهو السلاح الذي يفل الأسلحة، وليقرنه بالحق فقد قرن الله بينهما- أوصيه بالصبر على جفاء الإخوان، وتجهم الزمان، وتنكر الأقوياء، ووقع الأحداث، وعلى تلكؤ الأمة في الاستجابة، وتصاممها عن صوت الحق، وليعذرها قبل أن تعتذر إليه، فإنها حديثة عهد بالإفاقة من نوم طويل ثقيل.
وأوصيه باستقبال الحوادث بالصدر الرحب والعزيمة الثابتة المصممة، والحزم النافذ الحاسم، فإن التردد مزلة قدم.
وأوصيه بالروية والرأي والاناة في الحكم على الأشياء، فإن الارتجال مجلبة ندم. وأوصيه بالمحافظة على هذه الجمعية فإنها أمانة الله والأمة عندنا فيجب أن تسلمها يد
قوية وذمة مؤتمنة إلى يد أقوى وذمة أكثر ائتمانًا.
وأوصيه بإتقان القديم وتصحيحه، قبل التفكير في الجديد، فإن تشعب الأعمال مضيعة لجميعها، وان إصلاح الموجود خير وأجدى من السعي للمفقود.
وأوصيه بالانسجام فإن لا يكن طبيعيًّا اكتسبه، وان لا يكن موجودًا اجتلبه.
وأوصيه بالتضامن في السراء والضراء، والتعاضد في الآراء والأعمال، فإن التخاذل أول مراتب الخيبة.
وأوصيه بالصدق في الحال وأن يكون ظاهره كباطنه فإن الأمة تنظر إليه نظرة الإجلال، فليكن أهلًا لهذا الإجلال.
وأوصيه بأبنائنا المعلمين خيرًا فهم جند الجمعية وحراسها، وهم قوة الجمعية وسلاحها، وهم القائمون بأشرف أعمالها، وهو التعليم، فليأخذهم بالنظام فهو أضبط لأحوالهم وأعون لهم على أعمالهم، وليكمل نقص ناقصهم بالإرشاد، وليكن وسيطًا حكيمًا بينهم وبين الجمعيات المشاركة لهم في العمل، فهما جناحا الجمعية اللذان تحلق بهما إلى الكمال.
وأوصيه بالشباب فإنهم ذخر الغد، وأمل الأبد، ورأس مال هذه الأمة، فليلابسهم، وليغرس فيهم حب دينهم ولغتهم ووطنهم وتاريخهم، وليقو فيهم ملكة الاعتزاز بها، وليبسط في آمالهم الوطنية، وليرضهم على الفضائل الشرقية، وليجمع قلوبهم على الإسلام وكتابه، وألسنتهم على لغته وآدابه، وليتألف شاردهم بالرفق والأناة، فإن للشباب نزوات، وليقو رجاءهم في الحياة، "فإن اليأس يخترم الشبابا": ولْيُرَبِّهم على التقليل من الأقوال، والتكثير من الأعمال، وليوجههم إلى حياة الشرف، حياة العلم مقرونًا بالعمل، فهذه سمة العصر وشبابه، وليربط حاضرهم بماضيهم، فقد أوشكت الصلة بينهما أن تنقطع عندهم، وأوشك الاستعمار والحضارة الغربية أن يتركاهم بلا ماض، فالقارىء منهم يعرف عن نابوليون أكثر مما يعرف عن عمر، والأمي منهم يجهلهما معًا، ولا ذنب لهم في ذلك، وإنما الذنب ذنب الزمن الغادر والعصر الفاجر، وليحملهم على التحابب فإن الحب رباط القلوب وإن الحب يثمر الاتحاد.
وأوصيه بالأمة الجزائرية المسلمة، فليكن لها تكن له.
أيها الإخوان أيها الأبناء:
أودعكم بمثل ما استقبلتكم به من التحيات المباركات الطيبات، تحية الأبوة للبنوة، وتحية القرابة والأخوة، وتحية الشيخوخة للفتوة، وتحية الضعف للقوة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته