الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في تحقيقه" (46)، وأسست شُعَبًا في أمهات المدن الفرنسية كمرسيليا، وليون، وباريس، وليل وغيرها. وأوفدت بعض أعضائها يعلمون المغتربين دينهم، ولغتهم، وتاريخ أمتهم. وكانت الجمعية تعتبر "هذه المسألة كبيرة، ومسؤوليتها عند الله وعند الناس ثقيلة" (47)، ولذلك أولاها الإمام ما تستحقه من عناية، وتردد على فرنسا عدة مرات، تفقدًا للحركة، وتشجيعًا للقائمين عليها. ولو توافر المال لحققت الجمعية في ميدان هداية المسلمين الضالين نتائج طيبة، ولأَتَتْ في مجال دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بنتائج باهرة.
إن جمعية العلماء هي الهيئة الوحيدة التي نقلت جزءًا من نشاطها من الجزائر إلى فرنسا لإنقاذ تلك الجالية من الذوبان والانسلاخ من دينها ولغتها ووطنها، أما حزبا نجم شمال افريقيا وحزب الشعب الجزائري فقد نشآ هناك، ولم يكن لهما نشاط يذكر في ميدان الصراع الحضاري، واقتصر نشاطهما على عقد تجمعات، وتوزيع منشورات، بل لقد كانا يجدان- أحيانًا- تعاطفًا وتعاونًا من بعض الفرنسيين.
5) فتح مكتب القاهرة:
أسست جمعية العلماء في أواخر سنة 1950 "مكتبًا رسميًا متألفًا من ثلاثة من أبناء الجزائر المقيمين في القاهرة"(48) ليكون "سفيرًا أمينًا بين الجزائر وأخواتها العربيات شعوبًا وحكومات"(49)، و "إن أشرف ما قام به السعي في قبول بعثات من أبناء الجزائر باسم جمعية العلماء في المعاهد العلمية الكبرى على نفقة الحكومة المصرية وبعض الحكومات الشرقية"(50). وقد ازدادت أهمية هذا المكتب وتكثَّف نشاطه بعد سفر الإمام الإبراهيمي إلى المشرق سنة 1952.
ثالثًا: في ميدان التوجيه والإعلام:
1) إعادة إصدار جريدة البصائر:
صدرت البصائر أول مرة سنة 1935، وفي بداية الحرب العالمية الثانية قررت الجمعية توقيفها حتى لا تجبرها السلطات الفرنسية على قول ما لا تريد. وفي سنة 1947 أعاد الإمام
46) انظر مقال "مذكرة إيضاحية" في الجزء الرابع من هذه الآثار.
47) انظر مقال "التقرير الأدبي" في هذا الجزء من الآثار.
48) نفس المرجع.
49) انظر رسالة الإمام الإبراهيمي إلى السيد فاضل الجمالي، رئيس الوزراء العراقي في الجزء الرابع من هذه الآثار.
50) انظر مقال "التقرير الأدبي" في هذا الجزء من الآثار.
الإبراهيمي إصدار جريدة البصائر رغم المصاعب المادية الحادة التي كانت تعانيها الجمعية والشعب الجزائري.
وقد حمَّل العلماء رئيسهم مسؤولية إدارة البصائر ورئاسة تحريرها، فحمَّلوه- بذلك- أثقالاً مع أثقاله، ولكنه قام بالمهمة أحسن قيام، ولم يَؤُدْه حفظها والارتقاء بها إلى أعلى مستوى.
لقد دبَّج الإمام الإبراهيمي في البصائر أروع المَقالات، وأبدع التحليلات، وخاض على صفحاتها أصدق الهجمات على الاستعمار وسياسته، وأعنف الحملات على الذين خانوا أمانة الإسلام والأوطان، ولولا ذلك القلم السيال والفكر الجوَّال والعزم الصوال لكانت جريدة البصائر كبقية الجرائد. لقد كان الإمام الإبراهيمي للبصائر كالأم لطفلها، يمتص حليبها وهو أزكى ما في جسمها، وكالزهرة للنحلة، تمتص رحيقها وهو ألذ وأشهى ما فيها، وهو ما جعل الناس في داخل الجزائر وخارجها يُقبلون عليها إقبال الظمآن على الماء، ويستعجلون يوم صدورها، لما يجدونه فيها من مقالات إبراهيمية تقنع العقول وتُحْيِي القلوب، وتشفي الصدور، في أسلوب بديع وبيان رفيع يُذَكِّر بأزهى عصور اللغة العربية، حتى أصبحت البصائر لكثير من أصحاب الأقلام سُلمًا إلى المجد وسبيلاً إلى الشهرة. وقد كان يصيب البصائر ما يصيب الجرائد ذات الفكر الرشيد والرأي السديد والمبدإ العتيد من أزمات مالية تكاد تخمد صوتها وتطفئ نورها فيتداركها الإمام الإبراهيمي- بجهوده الخاصة- فتعود سيرتها الأولى ناطقة بالصدق، صدَّاعة بالحق شاهدة بالعدل، قاذفة بالشهب المحرقة على الطغاة والبغاة ومن ألقى إليهم بالمودة.
كان الإمام الإبراهيمي يعتبر البصائر هي صوت الجزائر، لا صوت جمعية أو حركة فقط، ولذلك كان حريصًا أشد الحرص على أن يكون هذا الصوت معبرًا أصدق تعبير عن حقيقة الجزائر المسلمة الدين، العربية الانتماء، المجاهدة لاسترجاع كيانها السياسي، والعاملة لاستئناف دورها الحضاري، وكان أشد حرصًا على أن تصل البصائر إلى خارج الجزائر، فوصلت إلى الشرقين العربي والإسلامي، وإلى الأمريكتين الوسطى والجنويية (51).
لقد كانت السلطات الفرنسية تدرك قوة جريدة البصائر في كشف حقيقة سياستها، وتعرف قدرة البصائر على إقناع الناس بحق الجزائر في استعادة سيادتها، فكانت تلك السلطات تتدخل مباشرة فتمنع- أحيانًا- دخول البصائر إلى الأقطار التي- تسيطر عليها، وتُوعِزُ - أحيانًا- إلى إدارة البريد لكي تحجزها فلا تصل إلى من تُرسَل إليهم في الأقطار الأخرى.
51) انظر مقال "البصائر في سنتها الرابعة" في هذا الجزء من الآثار.