الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نداء إلى الشعب*
إذا أصيبت الأمّة بكارثة من كوارث الزمان ووجد فيها من يتألم لتلك الكارثة ويهتز لها فذلك دليل قوي على حيوية الأمّة ورشدها ومقياس صحيح لتقدّمها ونهوضها.
وهي بذلك تقيم، لأصدقائها وخصومها، البراهين القاطعة على أنها خليقة بحرّيتها، جديرة بأن تتبوّأ مكانتها بين الأمم الحزة.
أما إذا كانت الأمّة غافلة عن واجبها نحو المجموع لا يفكّر أفرادها إلا فيما حولهم ولا تنظر جماعاتها إلا إلى محيطها الخاص، فهي أمّة غبية ليست خليقة بالاحترام ولا جديرة بما تصبو إليه من حرية.
نقول هذا بمناسبة الكارثة العظمى التي حلّت بساحة "الشريعة" ونواحيها من أحواز "تبسّة".
ففي ليلة 28 من شهر فيفري، دهمت سكان تلك الجهة سيول جارفة وحملت عليهم الأودية الهائلة من كل صوب، فلم تترك شيئًا من الأبنية والعباد والفلاحة والحيوانات والأقوات إلا أتت عليه وتركت أراضيهم وعمارتهم قاعًا صفصفًا.
وقد قُدّرت الخسائر المالية بعشرات الملايين، أما الضحايا من الأنفس البشرية فإنها تزيد على المائة. وما زالت عمليات الاكتشاف مستمرة، وأما الأفراد الذين بقوا بلا مأوى ولا قوت فعددهم يزيد على الألف.
فواجب الأمّة أن تهتز لهذا الحادث وتتكثل حوله وتعيره جانبًا كبيرًا من الأهمية فتسرع بتشكيل لجان، وفتح اكتتابات في أهم مدن القطر وقراه لإسعاف من نكبوا بهذه الكارثة الجسيمة وتخفيف الوطأة عنهم، وذلك من أول مظاهر وجود الأمّة.
* "البصائر"، العدد 28، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 22 مارس 1948م. (بدون إمضاء).
وفي طليعة من نوجّه إليهم هذه الصرخة، شُعَب جمعية العلماء في جميع أنحاء القطر لأنهم الممثلون لجمعية العلماء وهي الهيئة الوحيدة التي تعبّر عن شعور الأمّة تعبيرًا صحيحًا وتحسّ بآلامها وتعمل على تحقيق رغائبها قبل كل هيئة. وهي التي ما وُجدت إلا لتضمّد جراح الأمّة وتداوي كلومها وتقودها إلى المستوى الذي يشرّفها ويليق بكرامتها.
وقد شاهدنا أمثال هذه الكوارث إذا نزلت بالأمم الراقية كيف تتكتّل الشعوب والحكومات حولها.
شاهدنا الزلازل التي حلّت بتركيا وإيطاليا وشاهدنا حوادث الطوفان الذي دهم فرنسا في وقت من الأوقات كيف تكتّلت حكوماتهم وشعوبهم حولها وقاموا وقعدوا من أجلها وملأوا الدنيا صراخًا وعويلًا وشاهدناهم لا يكتفون بجهود حكوماتهم وشعوبهم بل يستعطفون الحكومات والشعوب النائية.
أما نحن الجزائريين فأصواتنا مكبوتة وحرّيتنا مصفدة فلا نعوّل إلا على أنفسنا ولا نستنجد في مثل هذه الكوارث إلا بأمّتنا، فهي- وحدها- عليها الاتكال ومنها المعونة.
وواجبنا في مثل هذه المواقف أن نضرب المثل الأعلى للإحساس المشترك والشعور الإنساني والقيام بما يقتضيه منا الواجب الديني والوطني، وبذلك نضرب الرقم القياسي للأجيال الآتية بأننا أناس نشعر بالمسؤولية ونتحمل أعباءها مهما عظمت.
وبهذا نحمل الخصوم والأصدقاء على احترامنا والإعجاب بنا.
أيتها الأمّة الكريمة، إن إسعاف هؤلاء المنكوبين أمر أكيد يقتضيه منا الدين وحقوق المواطن على مواطنه فلا يليق بأمّة تحترم نفسها وتحرص على أن يحترمها غيرها أن تغض الطرف عن قيامها بالواجب في مثل هذه المآسي التي يلين لها الجماد.
وما دمت، أيتها الأمّة مؤمنة بالقرآن الكريم فتذكّري قول الله تعالى:{وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} و {مَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} .
وما دمت تؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم فتذكري قوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» ، وقوله:«مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، وقوله:«مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» .
أيتها الأمّة الكريمة إنك إذا قمت بواجبك في أمثال هذه المآسي تكونين قد أرضيت الله ورسوله وحملت خصومك على احترامك وبرهنت على أنك جديرة بما تطمحين إليه من عزّة وسيادة.
وفي الختام، أرجوك أن تسنّي هذه السنّة الحسنة، فإن «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
هذا وقد افتتحت جمعية العلماء هذا الاكتتاب بإعانة قدرها 10000 فرنك.