الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان من المجلس الإداري لجمعية العلماء *
قرار رقم 16، جلسة يوم الإثنين 9 ذي القعدة عام 1367هـ
الموافق للثالث عشر من سبتمبر 1948م.
جمعية العلماء- في حقيقتها- دفاع منظم قوي عن الإسلام والعروبة بهذا القطر. هيأه الله عناية بدينه ولغة كتابه، وهيأ له نوعًا من العلماء ممتازًا بقوّة العلم وقوّة الروح. ليقوم بما قام به المصلحون المصطفون من علماء الإسلام في جميع العصور كلما طاف بالدين طائف بدعة من الداخل، أو عارض شبهة من الخارج. فيقمعون البدعة لئلا تندثر السنن، ويردون الشبهة لئلا تلتبس الحقائق، وكلما تجافت الألسنة عن صراط العربية، وجفت النفوس والقرائح من الأدب العربي، فيقومون زيغ الألسنة لئلا تضيع الفصاحة، ويعالجون القرائح لئلا تفسد الأذواق، وما زال الإسلام مبتلى بالبدع والشبهات، وما زالت العربية مرزوءة في فصاحتها بهذه الضرائر من اللهجات النابية، والرطانات الغريبة، ولولا دفاع الله عنهما بمثل جمعية العلماء لانزوى القرآن في المصاحف وانضوت روائع العربيية إلى المتاحف. كما هو واقع بهما من يوم ظهر في الميدان أفجر عدوّ لهما على وجه الدهر، وهو الاستعمار المسيحي.
وعمل جمعية العلماء- في جملته- إرث مذخور، ونصيب مفروض، لا يستحقه إلا العلماء أولوا الأيدي والأبصار، الذين أخذوا الكتاب بقوّة، ودرسوا ما فيه بتدبر، ولا يضطلع بحمله قليل العلم، ولا كليل الفهم، ولا ضعيف المنة، ولا منزور الحظ من البيان والإلهام.
* "البصائر"، العدد 31، السنة الثانية من السلسلة الثانية، 27 سبتمبر 1948م.
وأعمال جمعية العلماء للإسلام والعربية هي البناء المتين للقومية، والتفسير الصحيح للوطنية، والشرح العملي لمعنى الأمة، والمعنى الجامع لهذه الكلمات الجليلة التي أصبحت عند أمم الأعمال مفخرة الفاخر، وعند أمم الأقوال- مثلنا- سخرية الساخر.
…
وكما امتحن الله الإسلام بخصومه الكائدين له، المتربصين به، ليجلو حقه بباطلهم، ويظهر حقيقته بمزاعمهم، وبقوي حجته بشبهاتهم، ويثبت قواعده بما يحاولون من هدمه، حتى كأنه- بسببهم- موجود مرتين، أو كأنه موجود وجودًا مضاعفًا، وهذه إحدى سنن الله في الحق والباطل، ما وقف الباطل أمام الحق إلا كان حجة له لا عليه، بل كان حججًا مطوية في حجة، ففي تهافت الباطل حجة، وفي تَخَاذُل أصحابه حجة، وفي خذلان الله لهم في العاقبة حجة الحجج.
وكما امتحن الله اللغة العربية بهذه الرطانات الناشزة ليقيم من عيها دليلًا على فصاحتها، ومن هجنتها برهانًا على صراحتها، كما يشهد قبح الشوهاء لجمال الحسناء، إذا تواقفتا في مشهد.
كذلك ابتلى جمعية العلماء بجماعات يعارضون أعمالها، ويسفهون آراءها، ويطمسون حسناتها، ويَتَنَقَّصُون جلاثل آثارها ويعارضون بأقوالهم أفعالها، فلا تكون عواقبهم إلّا كعواقب من يترصد للإسلام الأذى، ويبيت للعربية المحو والإبادة، وما جعل الله الأولين إلا سلفًا ومثلا للآخرين.
…
كان من المعقول أن يقف الكتابي أو الوثني في طريق الإسلام ليقطع مجراه أو ليصد تياره، ذيادًا عن دينه أن يهضم، وعن حوضه أن يهدم.
وكان من الطبيعي أن يقف الأعجمي اللغة موقف المكابر في فضل العربية وجمالها وسحر بيانها، حَمِيَّة للغته أن تنتقص، ولآدابها أن تبخس، وما زالت المحاماة عن اللغات كالمحاماة عن الأعراض- غريزة بشرية. حتى لو سألت السوداني المتوحش عن لغته لقال: إنها أفضل اللغات، وإنها أفصح اللغات.
ولكن غير المعقول وغير الطبيعي أن تقوم جماعة تحسب في عداد المسلمين وتعد من أبناء العرب، فتجاهر بالتنكر للإسلام والعربية، وتقيم العراقيل في سبيل انتشارهما، وتحارب الداعين إليهما والمدافعين عنهما، وتكون- من حيث تدري أو من حيث لا تدري- عونًا لأعدائهما عليهما.
إن الاستعمار ليطير فرحًا بالكلمة يقولها المسلم في تهوين الإسلام، وباللفظة يلفظها العربي في توهين الأمة العربية. لأنه يعلم منشأ ذلك في نفس القائل، ولعلم أثره في نفس السامع، وهو التدرج إلى التحلل من الدين، والهجران للعربية. فكيف به إذا سمع التزهيد فيهما يخطب به في المحافل؟ وكيف به إذا علم أن هذه الفكرة أصبحت مذهبًا يدعو إليه الدعاة، ويجتهد في نشره المجتهدون؟ إنها لجريمة. إنها لجريمة
…
هذا كله بعينه ومينه هو ما يقوم به دعاة هذه الحركة التي سمت نفسها "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" مع جمعية العلماء، وتعليمها للإسلام والعربية، ومدارسها التي تعلم فيها الإسلام والعربية، ورجالها الذين تعتمد عليهم في ذلك التعليم، فقد وقفت هذه الطائفة موقف العداوة المكشوفة الصريحة لجمعية العلماء، لا لشيء تنقمه منها إلا أنها جمعية العلماء التي عرفها الناس وعرفوا أعمالها الجليلة في نشر الإسلام والعربية، ومواقفها المشرفة في الدفاع عن الإسلام والعربية. فإن لم يكن هذا هو الذي ينقمونه من الجمعية فما هو؟ أَثَأْرٌ لهم عندها؟ ولا ثأر. أم مزاحمة لهم منها؟ ولا مزاحمة. أم خلاف في الرأي؟ وهل يبلغ الخلاف في رأي دنيوي إلى حرب الدين واللغة؟ أم حقد طبيعي لا يغالب؟ وهل يبلغ الحقد بصاحبه إلى حدّ أن يخرب بيته بيده؟ ألا إن لهم في ذلك مأربًا يخفونه ولا يبدونه، وهو أن تكون الجمعية مسخرة في أيديهم، وقنطرة يعبرون بها إلى أغراضهم، وهذا ما لا يكون، وسحقًا لما يأفكون.
هذه الطائفة تبث دعاتها في المدن والقرى، وتفرض عليهم سب جمعية العلماء ورجالها، وتحقير أعمالها، وحض الأمة على البقاء في الجهل والأمية، وعلى نفض يدها من التعليم ومدارسه، وعلى هدم المدارس هدمًا معنويًّا بقبض الأيدي عن إعانتها، وبتقبيح التعليم من حيث هو، وتبث دعاة آخرين إلى الطلبة المهاجرين إلى الزيتونة والقرويين يزهدونهم في العلم، ويلهونهم عنه، ويصدونهم عن سبيله، ويشغلونهم عنه بأمور مهما غلا فيها الغالون فإنها لا تبلغ في القيمة ما يبلغه العلم، ومهما كانت نافعة فإنها لا تنفع إلّا بالعلم ومع العلم، وتبث دعاة آخرين يدعون إلى مقاطعة "البصائر" لسان الصدق، ومجلى البيان، ومفخرة الصحافة العربية بهذا القطر، ومثال الجرأة والصراحة في الحق، وتبلغ بهم الوقاحة إلى أن يسبوا بائعيها ومشتريها.
كل هذا مما يقوم به دعاة هذه الطائفة ويقولونه بصراحة لا تعمية فيها، وكل هذا مما شهدت به عليهم مآت الألوف من طبقات الأمة، وكل هذا معدود عند كبيرهم وصغيرهم من أصول الوطنية، وكل هذا يقع في داخل القطر الجزائري، أما في الخارج فهم يتسترون بثوب شفاف من الدعايات- ويشاركون الحركات العاملة بما يشارك به المفلس، أو بما يشارك به "طير الليل" طيور النهار.
***
هذه الجهود التي ينفقها هؤلاء في حرب العلماء والتعلم والتعليم والبصائر هو عند كل عاقل حرب للإسلام وللعروبة- لا إسم له إلّا هذا، ولا معنى له إلّا هذا، ولا يحتمل معنى آخر غير هذا.
وجمعية العلماء سكتت طويلًا عن هذا الباطل لعله يبطل من نفسه، وعن هؤلاء المبطلين لعلهم يرعوون، فما زادهم سكوتها إلّا جرأة، حتى أوشك السكوت أن يكون إقرارًا للباطل، وقد قررت الآن، أن لا تسكت بعد الآن وستدمغ الباطل بالحق، والكذب بالصدق، وستدافع عن نفسها كما دافعت عن الإسلام والعروبة، وهي تشهد الله والأمة على أنها لم تبدأ بالهجوم وإنما هي مدافعة عن نفسها، بعدما أصبح سكوتها سكوتًا عن الحق وهي لم تتعود أن تسكت عن الحق.
عن المجلس الإداري لجمعية العلماء
محمد البشير الإبراهيمي