الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيّا الله تونس *
جمعية العلماء، وشُعَبها، ومدارسها، ومعلموها، والجمعيات المتفرّعة منها، و"البصائر" - وأسرتها. كل هذا الجهاز العلمي الثقافي العتيد يتقدّم بالشكر الخالص، والثناء الجمّ والتحيات الطيبات، إلى تونس العزيزة، مصوّرة في ذلك الطراز الرفيع من الزيتونة والهالة المحيطة بها، المنوّرة لأرجائها، من شيخها الجليل، إلى مدرّسيها الفحول، إلى تلك الجموع السالمة من التلامذة، ومن الصحف ورجالها، ومن الأحزاب ومسيريها، كفاء ما قاموا به وأظهروه من ضروب الحفاوة والترحيب بالأستاذ الشيخ العربي التبسي نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ومدير معهد عبد الحميد بن باديس، وصاحب الآثار الجليلة في العلم والإصلاح، والآراء السديدة في السياسة والاجتماع، والمواقف الجرئية في تمكين الإسلام والعروبة بالقطر الجزائري.
وجمعية العلماء وفروعها المختلفة تعد تلك الحفاوة من تونس احتفاءً بالجمعية وتكريمًا لها ومغالاة بقيمتها وعرفانًا لقدرها واعترافًا بأعمالها. وهي تكافئها على تلك الحفاوة العملية بتقدير منبعه القلب، وثناء مصدره اللسان، وتنويه مطلعه جريدة "البصائر". وهذا جهد المقل.
وتونس قبلة الجزائر العلمية، ومأرزها الذي تأرز إليه في النوائب، ومنارتها التي تُشرف منها على الشرق وأنواره، فلا عجب إذا حرصت جمعية العلماء على تمتين الحبال الواصلة بين الجزائر وبينها، وعلى توضيح ما يخفى من أحوال الجار على جاره، وإزالة ما يلبس به سيّئ القصد وسيّئ الفهم على صحيح العقد حسن القصد، ولا عجب إذا اختارت لهذه السفارة أقدر رجل على الاضطلاع بها وهو الأستاذ التبسّي، ولا عجب إذا عرفت تونس
* "البصائر"، العدد 60، السنة الثانية من السلسلة الثانية، 20 سبتمبر 1948م.
العلمية لهذا السفير الكفء قيمته ومكانته فاحتفت به هذا الاحتفاء الذي هو ترجمة مؤدّية لما تكنّه تونس للنهضة العلمية والفكرية بالجزائر من تقدير وتأييد.
والأستاذ التبسي عالم عريق النسبة في الإصلاح، بعيد الغور في التفكير، سديد النظر في الحكم على الأشياء، عزوف الهمّة عن المظاهر والسفاسف، انتهى به العلم والتجربة وأحداث الزمان إلى أن تونس والجزائر والمغرب شيء واحد، وأنها لا تفلح في الحياة ولا تنتصر في الجهاد لها إلا إذا أصبحت هذه الثلاثة شيئًا واحدًا، ثم انتهى به العمل لهذه المقاصد العالية إلى معرفة حظ العالم من العمل، وحظه من تبعة التقصير فيه، لذلك كله أصبح علمًا فردًا في قيادة الأمّة في جميع ميادين حياتها، ولذلك سَمَتْ همّته إلى تعرّف أحوال إخوانه العلماء، فكان هذا المعنى أحد بواعثه على هذه الرحلة. ولقد عاش في تونس والقاهرة طالبًا محصّلًا ثم أقام في وطنه الجزائر عاملًا مربّيًا عشرين سنة، زار بعدها تونس وفيها البقية من مشائخه والكثير من أقرانه، فشاهد التبدل العجيب، وشهد بالتطور المفيد. وكنا نتوسم من وراء رحلته الرجوع إلينا بفوائد تغذّي حركتنا، وتحفزنا إلى التقدّم فيها. وتهوّن علينا بعض ما نلقى في سبيلها، فكان لنا من هذه الرحلة فوق ما نرجو.