الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصيحة دينية
تقدّمها جمعية العلماء للأمة الجزائرية الإسلامية*
ــ
أيتها الأمة
…
إن التفرّق شرّ كله، وشرّ أنواع التفرّق ما كان في الدين، وأشنع أنواع التفرّق في الدين ما كان منشؤه الهوى والغرض، ونتيجته التعادي والتباغض وأثره في نفوس الأجانب السخرية من الدين والتنقّص له واتخاذ أعمال أهله حجة عليه، وما أعظم جناية المسلم الذي يقيم من أعماله الفاسدة حجة على دينه الصحيح، وما أشنع جريمة المسلم الذي يعرض- بسوء عمله- دينه الطاهر النقي للزراية والاحتقار.
أيها المسلمون الجزائريون
…
في كل عام تفتنون في دينكم مرّتين، فتختلفون في الصوم اختلافًا شنيعًا وتتفرّقون في الإفطار تفرّقًا أشنع، وكلّما جاء شهر رمضان الذي تصفد فيه الشياطين، انطلقت من بينكم شياطين تدعوكم إلى التفرّق في شعيرة لم تشرع إلا للجمع، وتزيّن لكم الاختلاف في الدين باسم الفقه في الدين.
ولو كان تفرّقكم في الصوم والإفطار مبنيًا على اعتبار صحيح وعلى أسباب ضرورية- كعدم العلم بالرؤية مثلًا- لهان الأمر وكان لكم بعض العذر ولكنه في الأغلب مبني على جمود، وعناد مقصود، وتمحلات فقهية لا ترجع إلى مستند صحيح من نص، ولا إلى برهان صريح من علم، ثم انتهى بكم العناد واللجاج إلى شر ما تقع عليه العين من تفرّق واختلاف، وهو أن البيت الواحد يضمّ صائمين ومفطرين فضلًا عن القرية الواحدة، والصائم يرمي المفطر بالموبقات والمفطر يرمي الصائم بالشناعات وبين هذين ضاعت الحرمة الحقيقية والحكمة الحقيقية، وبين البطون الخماص والبطان تتلاشى المعاني العالية التي طواها
* "البصائر"، العدد 1، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 23 جويلية 1947م.
بيان نشر مستقلًا ووزع على الشعب قبل رمضان من نفس العام 1366هـ.
الإسلام فيما شرع من صوم وشرع من إفطار وبضعف إحساس الرحمة والإحسان وتنطفئ بشاشة العيد وبهجته وإشراقه، ويجف ما يفيض به على المسلمين من خير وأنس وتسامح وحب، فانظروا- رحمكم الله- إلى ما يبقي ذلك الخلاف في نفوسكم من حزازات وعداوات وتقطيع لما أمر الله به أن يوصل من أخوة الإسلام.
إن التفرّق في الصوم يذهب بجلال الصوم وحكمته.
وإن التفرّق في العيد يذهب بجمال العيد وبهجته.
وإن الله تعالى ما شرع هذه الشعائر عبثًا وإنما شرعها لحكم جليلة أعلاها جمع الأمة على الدين، لتجتمع في شؤونها الدنيوية، وتوحيدها في عبادة الله، لتتربى على الاتحاد في مصالحها العامة المشتركة.
يا للعجب أيكون الشهر الذي جعله الله مقوّيًا للإرادات، ومشددًا للعزائم ومطهرًا للأرواح ومهبًّا لنفحات الخير والرحمة والمحبة سببًا للفتور والضعف ومدبًّا للبغضاء والعداوة؟ أتجعلون من هذا الشهر الذي جعله الله جامعًا للقلوب على الأخوة وللأرواح على الطهر وللمشاعر على الإحسان وسيلة إلى التفريق والتشتيت؟
أيها المسلمون
…
هذا شهر رمضان على الأبواب فأحيوا في نفوسكم جميع معانيه الدينية والاجتماعية وابدأوا لتحقيق ذلك بالاتحاد في صومه والاتحاد في الخروج منه وأظهروا في هذين اليومين بالمظهر المشرف لدينكم ولجماعتكم، واجتمعوا على السرور بمقدمه وعلى الابتهاج بوداعه، واعلموا أن للاتحاد هيبة، وأن في الاجتماع قوة وسطوة فاستجلوا هذه المعاني في مظاهر دينكم، واستغلّوا ثمراتها في ظواهر دنياكم.
لا عذر لكم في الاختلاف في هذا الزمن الذي قارب بين أجزاء الأرض وقرب بين أفراد البشر وسهل نقل الأخبار وصحّح مقاييس العلم وضبط موازين الأشياء وأحكم الاتصال بين الناس وأعان على فهم حقائق الدين.
لا تجعلوا الحدود الإقليمية التي وضعها المخلوق، حدودًا فارقة في الشعائر التي وضعها الخالق، ولا ترتابوا في أخبار التليفون إذا عرف الصوت وتعدد الناقل، ولا ترتابوا في أخبار الإذاعة فإنها أمنع من أن يتطرق إليها الخلل في هذا الباب وأنها لا تذيع إلا ما تقدّمه لها الهيئات الشرعية.
لا تلتفتوا إلى شبهة تباعد الأقطار فكثيرًا ما يكون يوم عيد الأضحى بمنى هو يوم عيد الأضحى عندنا بشهادة الحجّاج منكم، وبينكم وبين منى آلاف الأميال، صوموا
وافطروا على الأخيار التليفونية من الثقات المعروفين إلى الثقات المعروفين من جميع أجزاء الشمال الإفريقي.
صوموا وافطروا على أخبار إذاعة تونس، فما تونس إلا جارة قسنطينة، وعلى أخبار إذاعة الرباط فما الرباط إلا جار وهران، وعلى أخبار إذاعة الجزائر فما الجزائر إلا قلب هذا الشمال الإسلامي العربي.
لا تتراخوا في أداء الشهادة برؤية الهلال وتعميمها بجميع الوسائل وأقواها وأسرعها التليفون.
لا تسمعوا كلام الجاهلين الذين يسوّلون لكم الخلاف في الدين باسم الدين ويطعنون في رؤية تونس أو فاس أو قسنطينة ويضيقون عليكم ما وسع الله، لا تقلدوا بعض الفقهاء الجامدين الذين يريدون أن يحتكروا التصرّف في الصوم والإفطار ويفرّقوا كلمة الأمة بِجُمودِهِم وجهلهم، واعلموا أن الله تعالى لم يكل هذا الأمر إليهم في كتاب ولا سنة ولا ورثوه عن سلف وإنما الشأن كله لجماعة المسلمين ولكن جماعة المسلمين أضاعوا هذا الحق من أيديهم فتسلّط عليه قوم لم يجعل الله لهم الحكم فيه فجعلوا لأنفسهم التحكّم عليه.
إن جمعية العلماء ستقوم بواجبها كالعادة فتتلقّى الأخبار وتعمّمها بما تملك من وسائل التعميم، وتتعاون مع جميع الهيئات في القيام بهذا الواجب.
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
محمد البشير الإبراهيمي