الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقطاب الفرقة القومية المصرية *
في مركز جمعية العلماء
(ملخص بقلم باعزيز بن عمر)
ــ
زار بعض أقطاب الفرقة يوم الأربعاء14 فيفري 1950، مركز جمعية العلماء بالعاصمة يتقدمهم الأستاذان الكبيران مدير الفرقة يوسف بك وهبي، ومديرها الفني زكي طليمات والأستاذ أحمد علام، والأستاذ فاخر فاخر، فرحب بهم الأستاذ الرَّئِيسُ محمد البشير الإبراهيمي ترحيب الروض بالطل، في مجمع حافل بالأدباء والشعراء من معلمي المدارس وأنصار جمعية العلماء، وحي في أشخاصهم الكريمة مصر العالمة الناهضة تحية أودعها من شريف المعاني وجميل الأدب وعميق الحب لمصر ما نقلنا إلى مغانيها الجميلة، وجعلنا نتنقل في ربوعها نتنسم فيها أخبار الجدود ممن لا يزال ذكرهم يعطر المجالس.
ولقد تصرف الأستاذ الرَّئِيسُ في معنى التحية وجاء بالمرقص والمطرب وجال بنا في سماء البلاغة جولة بعيدة، وذكر أن العرب تفننوا في أنواع التحيات حتى كادوا يجعلونها كلها مادية إلى أن جاء الإسلام فلطف التحية، وخلصها من أدران المادة والعظمة الطاغيتين على العالم يومئذ، لأن الإسلام دين روحي يضع الموازين القسط، ولا يعطي للأجسام إلّا المجال الضيق، وأشار إلى تصرف المعري وابن الرومي في معنى التحية وساق شواهد رائعة على ذلك، إلى أن قال: أما تحيتنا اليوم للضيوف الكرام الذين لا أسميهم ضيوفًا إلا مجازًا، فهي تحية العلم للفن، وتحية الروح للروح، تقدمها إليكم هذه النخبة من رجال جمعية العلماء التي تعمل على إكساء هذا الوطن روحًا وبدنًا، وإنهم جميعهم ليحيون اليوم مصر فيكم، وهنا وجه كلمة عتاب إلى مصر قائلًا: إن لنا على مصر حقوقًا، ولها علينا حق واحد.
لها علينا الزعامة في الأدب والفن، والإمامة في العلم والمعرفة، ولنا عليها حق الأخ الصغير، أخذ باليد إلى الرشد، وتربية تفضي إلى السعادة، ورعاية شاملة للخير والمصلحة، ولنا عليها حق الجار ذي القربى حفاظ وحماية وإحسان.
* "البصائر"، العدد 108، السنة الثالثة من السلسلة الثانية، 20 فيفري 1950م.
فهل قمنا نحن بما علينا من حق؟ وهل قامت مصر بما عليها من حقوق؟
أما نحن فقد قمنا بما يقوم به الطفل البريء الساذج: محبة واحترام وتقليد وائتمام، واتكلنا بعد ذلك على الله وعلى أنفسنا.
وأما مصر فنقول آسفين أنها لم تعرفنا كما يجب أن تعرفنا ولم ترع لنا ماضينا وتاريخنا المتصل بها، إلى غير هذا- من روائع الأستاذ التي وردت في خطابه البليغ الذي لا يقوى هذا القلم على أن يمتع القراء بكل شوارده وآياته البينات، فاكتفى بهذا الذي وعته الذاكرة من ألفاظه ومعانيه.
وتقدم بعد الأستاذ الرَّئِيسُ الضيف الكريم الأستاذ زكي طليمات مدير الفرقة الفني فرد التحية، وكانت تعبيرًا صادقًا عن أثر ما شاهده في الجزائر وتصويرًا لنهضة مصر وأخذها بأسباب الحياة في جميع الميادين، وقد أفرغ إحساسه هذا في قوله:"أحس بأني في محراب مقدس يشع فيه نور الإسلام وناره، لأن للإسلام نورًا ونارًا، فنوره للمبصرين المهتدين، وناره للجاحدين والمناوئين، كما أني سعيد إذ أجد نفسي بجوار هذا الأستاذ العظيم، وإني لأعتبره حقًا رئيس الجزائر ومحيي نهضتها العلمية، وإني أتمنى لو تتاح لي الفرص فأترك أعمالي كلها وأُلَازِمُه ملازمة التلميذ لأستفيد من علومه وآدابه وأوصيكم أن تكونوا جميعًا أعوانه المخلصين وأنصاره الأمناء".
وقفى عليه زميله الأستاذ وهبي مدير الفرقة فقال: "إني أحدثكم بصفتي فنانًا قبل كل شيء، وأشارككم في المهنة، فأنتم تعلمون في المدارس، ونحن نعلم في المسارح، وما أعظم مهنة التعليم فهل أنتم تشرفوننا بانتسابنا إليكم في هذا التعليم؟ إلى أن قال: سنعود إلى مصر، وسنكون هناك أبواقًا لكم ولنهضتكم".
وختم قائلًا: "فلو استطاع النيل أن يشق طريقه في الصحارى إليكم لفعل، ولو أمكن للأهرام أن تنتقل لانتقلت وانحنت ومن ورائها أبو الهول، أمامكم، ولكنه بعث بهذا العبد لينحني أمامكم".
ثم قام الشيخ أحمد سحنون فحياهم بقصيدة بلغت من الرقة منتهاها، وشارك الشيخ بيوض بكلمة عن تطلع الصحراء إلى كل جديد في مصر، وحرصها على الاهتداء بأنوار نهضتها القوية، كما شارك الشيخ طاهر البكاري بكلمة قدم بها تأليفه المدرسي الذي قدمه كهدية للضيوف الكرام.
وتناول المحتفلون بعد هذا الغذاء الفكري كؤوس الشاي والحلوى في جو من الأخوة الشاملة وأحاديث الأدب العالي والفن الرفيع.