الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيانات للأمّة من المكتب الإداري لجمعية
العلماء في قضية الصوم والإفطار *
1 -
ثبت هلال شعبان ثبوتًا شرعيًا، ليلة الاثنين (مساء الأحد) في مصر وفي تونس، وأخبرت هيئاتهما العلمية بذلك وعمّمته بجميع وسائل التعميم كالجرائد وغيرها، وجرت الحكومات والصحف في التاريخ اليومي على اعتبار يوم الاثنين أول يوم من شعبان، كما ثبت ذلك بالرؤية هنا في عدة جهات من القطر الجزائري ولم يبلغنا ذلك إلا مؤخرًا، ولكن الخبر لم يعمّم، لزهد العامة في التبليغ إلى القضاة، لأنها لم تر منهم العناية بمثل هذه القضية.
2 -
الأقطار الإسلامية كلها دار واحدة، فحيثما ثبتت الرؤية وعلمت على وجهها الشرعي الصحيح، قامت بها الحجة على الجميع، وتعلّق بهم الحكم صومًا وإفطارًا، ولا عبرة بما هو شائع من اختلاف المطالع، فإن القواعد الفلكية اليقينية تنقضه.
3 -
وظيفة القضاة في هذا الباب لا تتجاوز سماع الشهادات بالرؤية وتعديلها وتسجيلها (بشرط أن لا يكون القاضي نفسه مسلوب العدالة)، أما الحكم بالصوم أو الإفطار فهو من الله ورسوله، إذا تحقّق موجبه، فكل من سمع خبر الرؤية من عدلين تعلّق به الحكم.
4 -
المذاييع كافية في الأخبار إذا كان للمسلمين فيها يد، لأنها لا تستطيع الاختلاق في هذا الباب، فإن اختلفت فالمثبت منها مقدّم على النافي، لأن عدم رؤية الهلال في جهة لا يقتضي عدم رؤيته في جهة أخرى، ولكن يحسن أن يذفع الخبر اثنان، حتى يكون تبليغ الشهادة كأدائها بواسطة اثنين، وما يقال في المذيعين يقال في المستمعين لهما إذا أريد نقل الخبر، وما يقال في خبر الإذاعة يقال في خبر التلفون.
5 -
رؤية الهلال صباحًا قبل طلوع الشمس يمنع من رؤيته مساء بعد غروبها، بل هو محال في القواعد الفلكية القطعية، إذ لا بدّ في كل شهر قمري من ليلة محاق لا يقابل القمر
* "البصائر"، العدد 157، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، 28 ماي 1951م. (بدون إمضاء).
الشمس فيها بجانب من جوانبه فيقتبس الجزء المقدّر له من نورها، وهو نصف سبع، بل يطلع مغمورًا بنورها، ويغرب مغمورًا بنورها، فلا يراه أحد في الصباح ولا في المساء، وهو معنى المحاق، فإذا طلع قبلها، فلا بدّ من غروبه قبلها، كما هي سنته في جميع أيام الشهر، وإذا جوزنا رؤيته صباحًا ومساءً في اليوم الأخير من الشهر، لزمنا تجويز ذلك في جميع أيام الشهر، وهذا محال في عالم الواقع، ومما يمنع ذلك وينقضه أن الهلال الذي يرى صباحًا هو هلال الشهر الماضي، والهلال الذي يُرى في المساء هو هلال الشهر الآتي، ولا يجتمع هلالا شهرين في يوم واحد، ولا يوزّع يوم واحد بين شهرين، إلا إذا كان هناك هلالان، أو كان في النظام الشمسي اختلال، وإن هذا كله لمحال في سنّة من قدر القمر منازل، وجعل الشمس والقمر بحسبان، وحاش سنن الله في الدين والكون أن تتناقض هذا التناقض، وكلام الفقهاء في هذه القضية كلام فقهي، ومن محاسن الفقهاء أنهم يرجعون في كل شيء إلى أهله، كما رجعوا إلى الأطباء في أشياء، والحكم في هذه القضية علماء الفلك، وقواعد الفلك كقواعد الحساب والهندسة، كلها قطعية، والرجوع إلى القطعيات اليقينية من مقاصد الدين الإسلامي.
6 -
اختلاف المسلمين في الصوم والإفطار بعد عموم الخبر بالرؤية قبيح جدًا، ولو مع التأول، لأنه يذهب بجمال الشعيرة، ويطمس أعلام الحكمة فيها، ويغطي على روعة الاتحاد، ويباعد بين القلوب، ويغرس فيها بذور النفرة، ويعين شياطين الفتنة من الإنس والجن على تقطيع الروابط بين المسلمين، ويجلب استخفاف الأجانب بالمسلمين وبدينهم، ولأنه- مع ذلك كله- نوع شنيع من التفرّق في الدين، الذي أمر الله نبيّه بالبراءة من فاعليه والمتسبّبين فيه.
7 -
من أقبح القبائح اعتبار التقسيمات السياسية أو الجغرافية بين الأقطار الإسلامية في قضية دينية كهذه، فيصبح للمغرب صوم وعيد، وللجزائر صوم وعيد، وهكذا، وأي دليل يأخذه الاستعمار على أننا أمم شتّى لا أمّة واحدة أكبر من هذا؟ إنها أكبر حجّة علينا، نقدّمها بأنفسنا.
8 -
الإنصاف أن نعمل برؤية الأقطار الإسلامية، وتعمل هي برؤيتنا، ولكن ليس من الإنصاف أن يعطينا إخواننا شهادات مبنية على أصول إسلامية واعتبارات شرعية، ومؤهلات دينية، ويأخذوا منا شهادات على يد لجنة كوّنتها حكومة استعمارية لغايات ليس منها الدين، وما أحقّنا بقول القائل:
وَلِي كَبِدٌ مَقْرُوحَةٌ مَنْ يَبِيعُنِي
…
بِهَا كَبِداً لَيْسَتْ بِذَاتِ قُرُوحِ؟
أَبَاهَا عَلَيَّ النَّاسُ لَا يَشْتَرُونَهَا
…
وَمَنْ يَشْتَرِي ذَا عِلَّةٍ بِصَحِيحِ؟
9 -
الحج عرفة، ويوم عرفة وأيام منى التي يتشوق إليها حجّاجنا إنما تتحقّق برؤية الحجاز، وكثيرًا ما يكون يوم العيد عندهم هو يوم العيد عندنا، وكثيرًا ما يكون يوم الصوم هو يوم النحر، وقد أصبحت أخبار الحجاز تصلنا في لحظة بواسطة الإذاعة، فما هو هذا العقل السخيف الذي يتردّد في العمل برؤية الحجاز، أو في عمل الحجاز برؤيتنا لو كانت تنتهي إليهم بواسطة (سالمة)؟
10 -
جمعية العلماء تعمل لإرجاع المسلمين إلى الحق في دينهم، وجمعهم على الحق فيه، فهي تدعو إلى ترك الخلاف في الصوم والإفطار لما بيّنته من شروره، وهي- حين تدعو إلى ذلك- إنما تدعو إلى الرجوع إلى الحق في الدين، وإذا كانت تنكر على لجنة الأهلة أمرها، فإن ذلك الإنكار موجّه إلى تشكيلها، وإلى اليد التي تسيّرها، وإلى الغاية التي تراد منها، لا إلى أشخاصها، ولو أننا سألنا رئيس اللجنة اليوم، وأجابنا بالصدق، لأخبرنا من الآن بيوم الصوم ويوم الفطر، كأن الحديث عن شهر جوان، لا عن شهر رمضان، وقد أخبر م. نايجلان في وقت مضى عن يوم عيد إسلامي قبل دخول شهره، ومن يستطيع أن يخبر بأسماء النواب، قبل يوم الانتخاب، لا يبعد عليه أن يخبر بيوم عيد يتوقف على الهلال، قبل ظهور هلاله.
11 -
تدخل الحكومة في شؤوننا الدينية باطل، وكل ما بُني على الباطل فهو باطل، والمعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا.
12 -
حيث أن المرجع الديني التنفيذي مفقود في الجزائر، فالمرجع هو جماعة المسلمين، وهي تتمثّل في جمعية العلماء وشُعَبِها وأنصارها، وبناءً على هذا فجمعية العلماء ترى من الواجب عليها، ومن طبيعة عملها الخيري، أن تكون واسطة بين أطراف القطر في تحمل الشهادة بالرؤية، وفي أدائها، وفي تعميم الأخبار بها بكل الوسائل التي تدخل في إمكانها.
13 -
مركز جمعية العلماء في الجزائر يبقى مفتوحًا إلى الساعة الواحدة بعد نصف الليل، لتلقّي الأخبار، والإجابة عنها، وتوزيعها، فعلى الأمّة كلها، وعلى شعب جمعية العلماء ومعلّميها وجمعياتها المحلية بالخصوص، أن يرقبوا هلال رمضان مساء الاثنين رابع شهر جوان الآتي، ومن رأى الهلال فليبلغّ الخبر حالًا بأية وسيلة إلى المركز القريب إليه من المراكز الآتي ذكرها، وعليه أن يبلّغه إلى ما يجاوره ويحيط به من المنازل والقرى.
14 -
تجربة سنوات دلّتنا على أن الطلبات التلفونية- مستخبرة أو مخبرة- تتزاحم على إدارة بريد العاصمة فيتعطل المتأخر منها، لذلك رأت الجمعية أن تنظّم الاتصال في هذه السنة تنظيمًا يمنع التعطيل، وذلك بأن لا يتصل المخبرون والسائلون بمركز الجمعية في
العاصمة رأسًا، بل يتصل كل واحد منهم بالمركز القريب منه من المراكز المذكورة في آخر هذه الكلمة، وذلك المركز يتصل بمركز العمالة، وهو يتصل بمركز العاصمة.
…
فعلى الإخوان والمشائخ المعلّمين أن يقوموا في هذه القضية المقام المحمود، وأن يبذلوا جهدهم في تبليغ خبر الرؤية إن ثبتت ثبوتًا شرعيًا، وأن يسعوا في الحصول على الغاية الشريفة، وهي توحيد الأمّة على الصوم والإفطار، ونسأل الله أن يمدّ العاملين المخلصين بعونه.