الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة من عمر "البصائر
" *
بتاريخ هذا العدد تسلخ "البصائر" السنة الأولى من سلسلتها الثانية حامدة لله تعالى على ما وفق وأعان ويسر، شاكرة للكتاب والقراء ما بذلوا من عون وتنشيط. فخورة بهذه الأسرة المخلصة المتعاونة، وبهذا الجيش اللجب من العلماء والكتاب والشعراء، وهذا المدد المتلاحق من القراء والأنصار. معتزة بهم، معتقدة أن الله سبحانه لم يقيض لجريدة مثل ما قيض للبصائر من أعوان وأنصار. وأنه ما قيض لها ذلك حتى وفقها للإخلاص، ويسرها لليسرى، وجملها بالصدق، وهيأها لحمل أمانة الحق.
سلخت "البصائر" هذه السنة من عمرها مرفوعة الرأس موفورة الكرامة، نقية العرض، طاهرة اللسان. لم تتنازل من حقوق الأمة في دينها ودنياها على شعرة، ولم تعش على خبيث المطاعم، ولم تبع لقرائها ما حرم الله من كذب وسب، ولم تعودهم عوائد السوء من التضليل وقلب الحقائق، ولم تتنزل لمسافهة السفهاء الذين تحركهم المطامع الدنية والأيدي الخفية. إلى مناوشتها والتحرش بها ليشغلوها بالباطل عن الحق، وبغير المفيد عن المفيد، وليفتحوا معها واجهة من الخصام الداخلي ليس من مصلحة الأمة ولا من مصلحتهم لو كانوا يعقلون. ولكن "البصائر" تفطنت لكيدهم وما يضمرون، فأعرضت عنهم فلجوا، فاحتقرتهم. ثم وزنتهم فوجدت الغش والتزوير والتضليل والتدجيل وإنكار الحقائق الملموسة، ووزنت جمعية العلماء التي يحاربونها فوجدت العلم، والأعمال المفيدة، والمدارس المشيدة، فتركت البصائر الكلمة لهذه الأعمال، لتدمغ بنفسها تلك الأقوال. ولو شاءت البصائر لأوقفت كل سفيه عند حده، ولسقته من الرد حميمًا وغساقًا. ولئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون بجمعية العلماء ليكونن للبصائر معهم موقف جديد، في عامها الجديد.
* "البصائر"، العدد 45، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 2 أوت 1948م.
ومن الغريب في أمر هؤلاء أنهم يعمدون إلى سيئاتهم التي صارت طبيعية فيهم فيحاولون - عمدًا- إلصاقها بجمعية العلماء. وهذا نوع من التضليل وتغطية الإجرام لا يطول أمده ولا يلبث أن يفتضح صاحبه.
وهم يجهدون في أن يقلبوا حسنات جمعية العلماء سيئات، وأنهم لا يستطيعون ذلك، وكيف يستطيعون؟ ومن حسناتها القرآن تهتدي به وتهدي، ومن حسناتها الإسلام تنوه به وتنشر محاسنه، ومن حسناتها هذا البيان العربي الذي أحيته في الألسنة والأقلام، ومن حسناتها هذه المدارس العديدة المتوجة بهذا المعهد الباذخ، ومن حسناتها عشرات الألوف من أطفال الأمة فتحت أعينهم على النور ونهجت لهم نهج الحياة.
والبصائر سجل للحركة العلمية والأدبية بهذا القطر، وثبت حافل بأعمال جمعية العلماء، وكنز من البيان العربي تشد عليه أيدي الضنانة وأعدادها تكون في كل سنة مجلدًا نفيسًا تزان به الخزائن، فعلى قرائها أن يحتفظوا بها، وقد أبقت إدارة البصائر مجاميع ستجلدها وتبيعها لمن فاته جمعها أو قراءتها، وكان النظام يقتضي أن تكون المجموعة مؤلفة من خمسين عددًا، ولكن عطلة الأعياد وعوائق أخرى اعترضتنا في أثناء السنة حتمت علينا أن تكون مجموعة هذه السنة مؤلفة من خمسة وأربعين عددًا هذا آخرها.
وأما ما بذلته أسرة البصائر من جهد ظهرت آثاره في الأسلوب وجمال الطبع، ودقة التصحيح- فهو شيء تحتسبه الأسرة في خدمة العربية ولا تمنه، وإنها لترجو فوق ذلك مظهرًا.
أما المواضيع التي تخصها البصائر في عامها الثاني بالعناية- زيادة على العموميات- وتحمل فيها الحملات الصادقة: ففي مقدمتها فصل الدين عن الحكومة وما يتفرع عن الفصل، كالمساجد والأوقاف، وحرية الصوم والحج وحرية التعليم العربي، ومنها دراسة مناهج التعليم في المدارس الحرة والمعاهد، ومحاربة الجراثيم التي داخلت الجهاز التعليمي، وستبتدئ من العدد الآتي بنشر سلسلة بعنوان (جناية الحزبية على التعليم) تفضح فيها هؤلاء الذين يوحون إلى التلاميذ ما يزهدهم في العلم، ويعوق سيرهم فيه، ويقلل تحصيلهم له، حتى يرمينا الزمان- بسببهم- بجيل أشل، يزيد في بلاء الأمة، ويحقق الأمنية الكبرى من أماني الاستعمار التي عجز عن تحقيقها بنفسه فاستعان عليها بهؤلاء، ويصدق التهمة العظمى التي يرمينا بها الاستعمار، وهي أننا شعب بليد لا استعداد فينا للعلم، وأنها- والله- لجريمة يرتكبها هؤلاء الدساسون للتلامذة، والمندسون في صفوفهم، وإن أول واجب على الأمة أن تتفطن لهذه الجريمة ولهؤلاء المجرمين، وأن تتصورها بعواقبها، وأن لا تستخف بها فتضيع عليها رغائبها وأموالها وجيلًا كاملًا من أبنائها.