الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد خطاب الفرقاني *
كتبنا عن هذا المحسن الفذ كلمة في العدد 86 وفصلنا القول في مبراته للعلم، شكرًا لها بالإظهار وتقديرًا، وحملًا لغيره على الاقتداء به والتأسّي، لا مدحًا لشخصه، فهو
عندنا في منزلة فوق ذلك، ولا استدرارًا للمزيد من برّه، فالرجل جار في البر على طبع أصيل، وأضيع شيء قولك للأسد أشجع، وللنجم اطلع، وإنما نحن قوّامون على العلم، مؤتمنون على حركاته القائمة، فمن البرّ به، البر بمن يحسن إليه، ويعيننا عليه.
وإن هذا العدد الخاص بالمعهد الباديسي لأدنى إلى هذا المحسن الكبير، وأليق بتخليد اسمه، ورفع ذكره، فلم يزل- حفظه الله- يشيد بالمعهد من يوم تأسيسه، ويعدّه- كما هو في الواقع- غرة أعمال جمعية العلماء، ويتعهّده بالدعاية الحسنة، والرعاية النافعة، ويخصّه بالقسط الوافر من مبرّته السنوية، وله- بعد ذلك كله- رأي صحيح في حياته واستمرار سيره يوافق رأينا، وأمل واسع في وسائل ترقيته يطابق أملنا، وستحقّق الأيام ذلك الأمل، فإن وعود المحسنين أمثاله كالقبض باليد.
ولهذا المحسمن البر صلة روحية متينة بإمام النهضة المبرور الأستاذ الرَّئِيسُ عبد الحميد ابن باديس، كانت تحمله على زيارته إلى قسنطينة على بعد الدار، مع صلات من البر للمشاريع كصندوق الطلبة إذ ذاك.
وله كذلك صلة ود واعجاب بمدير المعهد الأستاذ الشيخ العربي التبسي، انضاف إليها حب للمعهد وإعجاب به. فتجشّم زيارة الأستاذ المدير في المعهد في أواخر شهر جوان الماضي، وطاف بأقسام المعهد ورأى بعينه بعض مواقع إحسانه، وتفاوض مع الأستاذ المدير في شؤون المعهد وحاضره ومستقبله، واجتمع المحسن بماله والمحسن بعلمه على القربى في الخلال، والاستعداد للكمال، والامتداد في الآمال. وخرج الزائر الكريم مزهوًا فخورًا بأن
* "البصائر"، العدد 90، السنة الثانية من السلسة الثانية، 3 سبتمبر 1949م. (بدون إمضاء).
يكون لوطنه ولقومه من حصون العلم مثل هذا الحصن، وأن تكون له يد في وضع أحجاره وتعمير حجراته، محدثًا عن مشاهدة وعيان، مؤمنًا بأنه أصاب موقع الصنيعة.
ومما فاتنا ذكره في المقال السابق عن هذا المحسن نكتة تتباهى بها الأمم التي بلغت في الإحسان إلى العلم شأوًا مغربًا، وهي أنها لا تقف به عند الحدود الإقليمية الضيّقة، بل تتسع فيه اتساع العلم وتجعله كالمطر، لا يبالي أين وقع، ما دام ينفع حيثما وقع. وأخونا خطاب من ذلك الطراز الذي لم يقف بإحسانه عند حد، فله على الطلبة الجزائريين المهاجرين إلى القرويين آثار من الإحسان على يد الجمعية الجزائرية المكوّنة من إخواننا الذين شرفوا وطنهم الجامع أينما حلّوا، وله على إخوانهم الزيتونيين مثل ذلك، وله على المؤسسات العلمية في الجزائر ما بينّا بعضه للقرّاء في المقال السابق.
إن هذا الصنيع- لعمر الحق- من هذا المحسن لخطوة في التقريب بين الإخوان، والتقارب بين الأوطان، وهي الأمنية التي عمل الصالحون منّا لتحقيقها، فمنهم من قضى نحبه متحسّرًا على فوتها، ومنهم من ينتظر تحققها.
ألا إن الثناء على محمد خطاب ثناء على جميع المحسنين إلى المعهد، لأنه رمزهم الأعلى، فلكل محسن حظه من هذا الثناء وإن لم يذكر اسمه، لأن الإحسان كالحرفة، ومن مدح حرفتك فقد مدحك، وإن لم يعرفك، فلا يظنن إخواننا في الحق وأعواننا على الخير، أننا نسيناهم أو بخسناهم حقّهم.
وسلام على أخينا خطاب في المحسنين، وسلام على إخوان لنا في المغرب وتونس يعملون لنشر العلم متعاونين. ويسعون لتوحيد وسائله وآثاره جاهدين.