المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌افتتاح مدرسة بسكرة * - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٢

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مقدمة

- ‌خلل ذاتي:

- ‌في رحاب الآثار:

- ‌فلسفة الإصلاح:

- ‌الإصلاح وجمعية العلماء:

- ‌خصائص أدب الإبراهيمي:

- ‌السياق التاريخي (1940 - 1952)

- ‌ المنجزات

- ‌أولًا: في ميدان التربية والتعليم:

- ‌1) تأسيس معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة:

- ‌2) بناء المدارس:

- ‌3) تكوين لجنة التعليم العليا:

- ‌4) إنشاء الشهادة الابتدائية:

- ‌5) إرسال البعثات الطلابية إلى الدول العربية:

- ‌ثانيا: في ميدان التنظيم:

- ‌1) المركز العام:

- ‌2) التوسع في تأسيس الشُّعَب:

- ‌3) توسيع المجلس الإداري وتنقيح القانون الأساسي للجمعية:

- ‌4) بعْثُ النشاط في فرنسا:

- ‌5) فتح مكتب القاهرة:

- ‌ثالثًا: في ميدان التوجيه والإعلام:

- ‌1) إعادة إصدار جريدة البصائر:

- ‌2) وفود الوعظ والإرشاد:

- ‌رابعًا: المجال الديني:

- ‌خامسًا: في الميدان السياسي:

- ‌في المنفىأومن وحي آفلو

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌تساؤُل نفس*

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد قصيبة*

- ‌رسالة الضبّ*

- ‌((فصل))ونعود إلى الحديث عن الضبّ

- ‌((فصل))ورجز الضبّ الذي أشار إليه المعرّي

- ‌((فصل))ومن مزاعم العرب في الضب

- ‌((فصل))وكما يستطيب العرب لحم الضبّ

- ‌((فصل))وتضرب العرب المثل بالضب

- ‌((فصل))ولما ذكرناه من علاقة العرب بالضبّ

- ‌((فصل))وقد جرى في هذه الرسالة ذكر الوزير المغربي

- ‌مناجاة مبتورة لدواعي الضّرورة*

- ‌رواية الثّلاثة*

- ‌مَظاهر الأبطالِ الثلاثةِ في الرِّوايةِ:

- ‌أسلوب الرواية

- ‌صورة الاستدعاء من المدير

- ‌الجلسة الأولى:

- ‌الجلسة الثانية

- ‌صُورَةُ الاِسْتِدْعَاءِ مِنَ الرَّئِيسِ إِلَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ بُوشْمَال

- ‌الجلسة الثالثة

- ‌(الْمَشْهَدُ الْأَخِيرُ:

- ‌هذه "العزيمة

- ‌حاشية:

- ‌مرشد المعلّمين*

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌رئيس جمعية العلماءيتكلم

- ‌لقاء ووفاء *

- ‌واجب المثقّفين نحو الأمة*

- ‌منزلة المثقفين في الأمم الحية:

- ‌كيف يؤدي المثقفون واجبهم نحو الأمة

- ‌الدروس العلمية بتبسة*

- ‌تقرير إلى لجنة الإصلاحات الإسلامية بالجزائر*

- ‌الإصلاح السياسي:

- ‌التقرير* الذي قدّمه مجلس إدارةجمعية العلماء المسلمين الجزائريينإلى الحكومة الجزائرية

- ‌المساجد وأوقافها:

- ‌التعليم العربي الحر ومدارسه ومعلموه

- ‌مطالب جمعية العلماء: في قضية التعليم العربي

- ‌القضاء الإسلامي وتعليمه ورجاله:

- ‌ التعليم القضائي

- ‌ها هي أصول للإصلاح نقدمها بكل إخلاص:

- ‌الوظائف القضائية:

- ‌السلطة العليا:

- ‌محاكم للاستئناف:

- ‌التجول:

- ‌النوادي:

- ‌في السجن العسكريبالعاصمة ثم قسنطينة

- ‌رسالة إلى الأستاذ إبراهيم الكتاني*

- ‌رسالة إلى الطلبة الجزائريين بالزيتونة*

- ‌كتاب مفتوح لسعادة وزير الداخلية

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌رئيس جمعية العلماءومدير «البصائر»ومؤسس «معهد ابن باديس»يتكلم

- ‌بلاغ من جمعية العلماء *

- ‌نصيحة دينية

- ‌المسلمون في جزيرة صقلية*

- ‌السيد محمد خطّاب الفرقاني*

- ‌كوارث الاستعمار*

- ‌إحياء التعليم المسجدي بمدينة قسنطينة*

- ‌معهد قسنطينة*

- ‌شروط قبول التلامذة

- ‌تنبيهات وتوضيحات:

- ‌جريدة (العَلَم) الخفاق أو (العلم) الشامخ*

- ‌عزاء للأستاذ التبسي*

- ‌ديكتاتور (مايو) *

- ‌مبارك الميلي*

- ‌نداء إلى الشعب*

- ‌بلاغ إلى الأمّة العربية الجزائرية*

- ‌الأستاذ محمد بن العربي العلوي*

- ‌ذكرى عبد الحميد بن باديس الثامنة

- ‌ذوق صحفي بارد*

- ‌هدية ذات مغزى جليل*

- ‌نداء وتحذير

- ‌إمتحانات المعهد والمدارس *

- ‌الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌البصائر" ومعهد ابن باديس *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:ما له وما عليه *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:

- ‌الفرع وأصله:

- ‌ومطالب المعهد:

- ‌النجاح يقوّي الأمل:

- ‌همسة في أذن الأمّة:

- ‌ أيتها الأمّة

- ‌كلمة الختام:

- ‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية *

- ‌سنة من عمر "البصائر

- ‌سنة "البصائر" الجديدة *

- ‌جناية الحزبية على التعليم والعلم *

- ‌مجلة أفريقيا الشمالية*

- ‌أدعاية أم سعاية؟ أم هما معًا

- ‌برقية تعزية في وفاة المنصف باي *

- ‌كارثة الأغواط *

- ‌إلى المشائخ المعلمين *

- ‌بيان من المجلس الإداري لجمعية العلماء *

- ‌مقدمة كتاب "مجالس التذكير

- ‌مجالس التذكير *

- ‌جريدة "العلم" الخفاق *

- ‌كيف تشكّلت الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌قادة الجيل الجديد في ميادين العلم *

- ‌قرار من المجلس الإداري لجمعية العلماءالمسلمين الجزائريين *

- ‌زواوة" الكبرى تستمسك بعروة الإسلامالوثقى وتطلب الرجوع إلى الأصل *

- ‌حيّا الله تونس *

- ‌تنبيه أكيد إلى رؤساء الجمعيات المحلية *

- ‌تحذير

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌صوت المسجد

- ‌شكوى العاصمي *

- ‌الشيخ أبو القاسم بن حلوش *

- ‌إلى الأمّة *

- ‌رمضان: وحدة الصوم والإفطار *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس *

- ‌دروس الوعظ والإرشاد في رمضان *

- ‌إلى الكتّاب *

- ‌ذكرى بدر بمركز جمعية العلماء *

- ‌إلى القرّاء *

- ‌الرقم السجين *

- ‌مؤتمر الثقافة الإسلامية

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌في حفل ختام السنة الدراسيةبمعهد عبد الحميد بن باديس

- ‌محمد خطاب الفرقاني *

- ‌البصائر" في سنتها الثالثة *

- ‌رفع إيهام *

- ‌المعهد والمدارس *

- ‌والمدارس

- ‌نفحات من الشعر الجزائري الحديث*

- ‌برقية احتجاج *

- ‌الفضيل الورتلاني

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الأستاذ علي الحمامي

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الزميل المنستيري *

- ‌أقطاب الفرقة القومية المصرية *

- ‌كتاب "نقرأ ونكتب

- ‌بيان حقيقة ورفع إيهام

- ‌المولد النبوي الكريم

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌مدرسة أولاد سيدي إبراهيم *

- ‌برقية تأييد لمطالب التلامذة الزيتونيين *

- ‌الوعظ في رمضان *

- ‌فتح جامع "الحنايا" ومدرستها *

- ‌المعهد الباديسي *

- ‌مدارس جمعية العلماء *

- ‌الأستاذ إبراهيم الكتّاني *

- ‌رسل الصحافة المصرية في الجزائر *

- ‌البصائر" في سنتها الرابعة *

- ‌رحلتنا إلى باريس *

- ‌بيان من رئاسة جمعية العلماء

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌من ثمرات الأخوة الإسلامية

- ‌افتتاح مدرسة بسكرة *

- ‌فرية غريبة *

- ‌حركة الإسلام في أوروبا *

- ‌حركة جمعية العلماء بباريس *

- ‌الدكتور عبد الكريم جرمانوس *

- ‌نغمة شاذة *

- ‌صحف الشرق العربي *

- ‌الكتب المهداة إلى "البصائر

- ‌اتحاد الأحزاب بالمغرب الأقصى *

- ‌تنصّل من تهمة *

- ‌بيانات للأمّة من المكتب الإداري لجمعيةالعلماء في قضية الصوم والإفطار *

- ‌أكبر زلّة تقترفها لجنة الأهلة *

- ‌ونعود إلى لجنة الأهلة *

- ‌هلال رمضان: معلومات وتنبيهات *

- ‌شكر واعتذار

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الإجتماع العام لجمعية العلماء *

- ‌نظام الاجتماع

- ‌التقرير الأدبي *

- ‌المدارس

- ‌المعهد الباديسي

- ‌البصائر

- ‌قضية فصل الدين عن الحكومة

- ‌العمل في فرنسا

- ‌العمل في مصر

- ‌ذخر من النصائح للمجلس الجديد:

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس

- ‌بلاغ *

- ‌التهنئة باستقلال ليبيا *

- ‌الأستاذ محي الدين القليبي *

- ‌دار الطلبة بقسنطينة

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌بلاغات *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌خاتمة السنة الرابعة لـ"البصائر

- ‌فاتحة السنة الخامسة لـ"البصائر

- ‌خطاب أمام الوفود العربية والإسلاميةفي الأمم المتحدة *

الفصل: ‌افتتاح مدرسة بسكرة *

‌افتتاح مدرسة بسكرة *

تلخيص الحفناوي هالي

ــ

باسم الله، ثم باسم العلم، والعروبة والإسلام، وباسم الجزائر العربية المسلمة، أفتح مدرسة التربية والتعليم الإسلامية

إنكم ستسمعون مني كلمات من باب الحمد والشكر، ولكنها من باب الحث والازعاج، وسأصل بها مبدأ هذا العمل بنهايته، فقد بدأناه مجتمعين، وختمناه مجتمعين، ولكن كل أعمالنا فيه تعدّ شيئًا يترقب تمامه، فإذا كنتُ قاسيًا في كلامي فذلك لأن عملي معكم نسخة من عمل الطبيب: يجرح ولكنه يبرئ.

وما دمنا في موقف استنهاض الهمم وشدّ العزائم، وما دمت عارفًا بأسرار لغتي وتاريخ أجدادي، فإنني أوثر أن يكون افتتاح هذا الحفل التاريخي بالشعر، كما كان أجدادنا يقيمون المنابر لشعرائهم بين السماطين، في مقامات المفاخرة والمنافرة، وفي مقامات الصلح وحمل المغارم، وفي مقامات الاستنجاد والاستنصار، فيشحذون العزائم، ويهيئون النفوس لاقتحام العظائم، لأن الشعر عندهم هو الرقية التي تسل الأضغان، وهو الوصلة التي تصل بين شعور المتكلم وشعور السامع.

وقد كان الشاعر يطفئ نائرة أو يسعرها ببيت من الشعر، وقد كانت الجيوش تنتصر أو تنهزم ببيت واحد من الشعر، وكم من بطل همّ بأن يكع في المجال الضنك، فيردّه إلى الحفاظ والنخوة بيت من الشعر يذكره

رووا أن معاوية بن أبي سفيان هم بالهزيمة يوم صفين، فما ردّته عن ذلك إلّا أبيات ابن الإِطْنابة التي يقول فيها:

وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ:

مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي

* "البصائر"، العدد 140، و141، 5 فيفري 1951.

ص: 379

ورووا أن ابن هانئ الاندلسي، شاعر الزاب (وطنكم هذا) وشاعر الدولة الفاطمية، أنشد ممدوحه قصيدة من الشعر والممدوح راكب، وفوارسه حافة به، فلما بلغ إلى قوله يخاطب الجيش الراكب:

مَنْ مِنْكُمُ المَلِكُ المُطَاعُ كَأَنَّهُ

تَحْتَ السَّوَابِغِ تُبَّعٌ فِي حِمْيَرِ

ترجل الجيش كله، ولم يبق راكبًا إلّا الملك الممدوح، وهو جواب ليس له في الأجوبة المكتوبة ولا المنطوقة نظير.

بذلك كان الشعراء في العرب يتولون قيادة النفوس، كما كان العلماء في الإسلام يتولون قيادة العقول، وبتلك القيادة استطاع الشعر أن ينشر فيهم مكارم الأخلاق ومحامد الشيم، وبذلك غدا أجدادكم العرب مضرب المثل بين الأمم في سخاء اليد وشرف النفس وكرم الطبع وقوة العزيمة.

فأنا أريد أن أرجع بكم إلى ذلك الماضي الجليل، ولئن قال لنا أقوام: إنكم تعيشون في الماضى القديم، لَنقولن: إننا نعيش بالاستمداد من الماضي، والعمل للحاضر، والاستعداد للمستقبل، ولعلكم في هذا المجلس سترتفعون بالذكريات إلى الماضي الخالد، حين تستمعون من الشعر ما يمثل لكم زهيرًا والنابغة في الأوّلين، وأبا العتاهية والمتنبي في المحدثين حين تسمعون الوصية ممزوجة بالحكمة مدغمة في النصيحة معجونة بالفخر، من شاعر بسكرة، بل شاعر الجزائر بل شاعر العروبة والإسلام- ولا أحابي- محمد العيد آل خليفة.

إنَّ حجب الغيب شفافة عند الشعراء، فأذكر أنني منذ سنوات كنت هنا ببسكرة أخط الخطوط الأولى من التدبير لمدرستكم التي نفتحها اليوم، وكانت المعاكسات واقفة لنا في كل مسلك، ثم عرجتُ على مدينة "باتنة" على وعد لإقامة حفلتها المدرسية، فوقف شاعرنا محمد العيد في ذلك الحفل يلقي قصيدته العينية المشهورة، يذكر فيها أعمالي ويسألني- في لهفة- عن بلده "بسكرة" وعن حظها في هذه المنقبة وهي بناء المدارس، فيقول:

فهل نخلت أرض النخيل شؤونها

وهل شرعت (مشروعها) المتوقعا

وها هو يتلقّى الجواب اليوم وبعد سنوات، فقد نخلت "بسكرة" شؤونها، وأصبح مشروعها واقعًا لا متوقعًا.

إني أجاهركم بأنكم جهلتم قدر شاعركم، وواطأكم على هذا الجهل الجزائريون جميعًا، ولو كان محمد العيد في أمة غير الأمة الجزائرية لكان له شأن يستأثر بهوى الأنفس، وذكر يسير مسير الشمس.

ص: 380

(ثم التفت الأستاذ الرَّئِيسُ إلى الأستاذ الشاعر وقدّمه إلى المذياع فألقى قصيدته العامرة بالحكم ومطلعها:

أراكَ- بلا جَدْوَى- تضج من الظُّلْمِ

إلى العِلْم- إنْ رُمْتَ النَّجاةَ- إلى العِلْمِ

وقوطع في أثنائها عدة مرات بالتصفيق والاستعادة. وبعد انتهائه من الإلقاء عاد الأستاذ الرَّئِيسُ إلى الكلام فقال ما معناه بالكثير من ألفاظه:)

الخطباء في الدنيا أنواع، وقد تعوّدتم أن تسمعوني خطيبًا فتتأثرون بما أقول أو لا تتأثرون، كاستماعكم إلى كل خطيب، وإني أقدّم لكم اليوم خطيبًا لا كالخطباء، أحيلكم على خطيب هو أفصح مني لسانًا وأوسع بيانًا وأقوى حجّةً وأبلغ تأثيرًا، أحيلكم على خطيب صامت تستمعون إليه بأعينكم لا بآذانكم، وتفهمون عنه بقلولكم لا بعواطفكم،

وقد تنطق الأشياءُ وهي صوامت

وما كلّ نطق المشبرين كلامُ

هذا الخطيب المفصح المبين هو هذا البناء الشامخ الباذخ الذي يحدثكم عن نفسه فيُعْرِب، ويحدثكم عن أنفسكم فيُطرِب، ويحدثكم عن الخصوم فيدمغ باطلهم ويدحض حججهم، ولئن اعتدنا كثرة الكلام وقلّة الأعمال، فمن واجبنا اليوم أن نسكت ونمتّع النفوس بلذّة العمل وثمرات العمل، وأن نعطي للعين حظّها من المتاع وللسان حظه من الراحة.

إن جمعية العلماء لا تخاطبكم إلّا بهذه الألسن، فهي تبني، ثم تقول للناس: هاؤم انظروا أَعْمَالِيَهْ

، على هذه القاعدة سارت منذ نشأت، وبهذه القاعدة نجحت واطرد سيرها، ففي كل يوم رأي يقرّر وعزيمة تفرى ومدرسة تُشيّد، وعلى هذه التربية الصالحة قام رجالها وأنصارها يعملون ثم يقولون، فيكون لقولهم سناد من العمل يقطع الخصم، ويُسكت الألسنة الكاذبة ويضرب للأمة الأمثال، وعلى هذه القاعدة جرى الأمر هنا: فقد قام رجال الجمعية بالبناء كالمعتاد، وقدّموا أملاكهم ضمانًا للسداد، وقدّمتهم للعظائم فتقدموا بلا نكول ولا تردّد، فلمّا تم العمل دَعَوْتُكم للمساعدة والعون، دعوتكم والشاهد في يدي، والبيّنة حاضرة، والعمل نقد لا وعد، وما هذه بأوّل مدرسة تبنيها جمعية العلماء، بل سبقتها عشرات المدارس في العمالات الثلاث (وهنا عدّد الأستاذ الرَّئِيسُ المدارس الضخمة التي شيّدتها الأمة بإرشاد جمعية العلماء وتحت إشرافها، ثم قال:

فهذه المدارس هي حصون الإسلام الحصينة، ومعاقل العربية المنيعة بهذا الوطن، ولولا فضل الله علينا ورحمته وحفظه لكتابه ولغة كتابه لما زكا منا عمل، ولا تحقّق لنا أمل، ولما تمّتْ هذه الأعمال العتيدة، ونحن بهذه الحالة من الضعف والهوان، وقفة الأنصار والأعوان.

ص: 381

إننا أسّسنا هذه المدارس بفضل الله ثم بمال الأمة، علينا الرأي والتدبير، والتخطيط والإشراف، ثم التنظيم والتعمير، وعلى الأمة ما وراء ذلك، وقد أنشأنا هذه المشاريع ثم سيّرناها ثم سايرناها وبلونا شروطها ومقتضياتها، فوجدنا أن شرط الوجوب فيها هو الإيمان بحياة الإسلام والعربية والوطنية الصادقة، وأن شروط الصحّة والكمال فيها منحصرة في المال، الذي هو قوام الأعمال. فالمال هو الشرط الأساسي لقيامها، والمال هو الشرط اللازم لحفظها واستمرار وجودها، وإنّي لَأرسلها فيكم كلمة منذرة لا مبشّرة، وهي أن مشاريعكم التي تَمَّت والتي تنتظر، كلها معرَّضة للانهيار والخراب- إنْ لم يكن ذلك اليوم فغدًا- ما لم تُصحِّحوها بما يضمن بقاءها من مستغلات مالية وأوقاف، كما حفظ أسلافكم هذه المآثر التي أبقوها لكم بالمستغلات الموقوفة، ولكنهم احتاطوا لزمنهم المؤمن بما وسعه إمكانهم، فاحتاطوا أنتم لزمنكم الفاجر بما يسعه إمكانكم، ولَأنتم في زَمَن سافر عن فضائله ورذائله، فأنتم أقدر على الاحتياط منهم. وكما يحتاج ما تغرسونه بأيديكم إلى التعَهُّد بالسقي والإصلاح، يحتاج ما تبنونه بأيديكم إلى التعَهُّدِ بالحفظ والرعاية، ومرجع ذلك كله إلى المال، وان الثمار التي تأكلونها من غروسكم اليوم قد دفعتم أثمانها مقدمة منذ سنوات، فكأنكم أقرضتم الأرض، فردّت القرض، ولا تزالون معها كل يوم في قرض. كذلك المدارس، كذلك المدارس!

بهذا المال النزر الذي يتجمّع من الغني والفقير والتاجر والفلّاح والعامل، ومن هذا التعاون الأخوي الإسلامي، بنيْنا هذه المدارس التي تخلد على الدهر، وبمثل هذه المقادير الموزعة التي لا تضرّ أحدًا وتنفع كل أحد، سنقيم بازاء هذه المدارس مستغلات تحفظ دوامها وتصونها من الضياع

مدّوا أيديكم لهذا المشروع واسخوا فيه، ولا تضِنُّوا عليه بالغزيز فإنه أعزّ، ولا بالنفيس إنه أنفس، ولا تنفقوا فيه من الفضول بل من الصميم، وإنني حين أدعوكم اليوم إلى البذل فيه لا أدعوكم لتخليص ما تمّ منه، فهذا أقلّ من هممكم، وهذا جناح قد تمّ ونبتَتْ خوافيه وطالت قوادمه وأصبح يدعو لنفسه بنفسه، وإنما أدعوكم لتكميل الجناح الناقص لطائرنا الميمون، وقد نبهكم إلى ذك شاعرنا محمد العيد بقوله:

وطير بديع لو يضم جناحه

إليه لحاز الحسن أجمع بالضم (1)

وإني لآخذ عليه سكوته عن رأس هذا الطائر، ورأسه هو بيوت تشاد لإسكان المدير والمعلّمين، فإذا أتممتم الجناح الثاني، وبنيتم الطوابق العلوية وبنيتم بيوت السكنى،

1) بشير الشاعر إلى أن الذي تم بناؤه إنما هو جناح واحد، ويقابله جناح آخر لم يتم، وقد أبدع في التمثيل بالطير، وفي ذكر الجناحين مع لفظ الضم احسان في التصرف، وتصوير شعرى جميل.

ص: 382

أصبحت مدرستكم ذات عشرين قسمًا وقاعة للمحاضرات، وأصبحتم بها جديرين بالفخر والشكر والثناء العاطر وتسجيل التاريخ.

ما أبرك هذه المدارس على الجزائر! وما أسعد الجزائر بها! فقد حركتها إليها يدٌ واحدة ودعاها إليها صوت واحد، فاجتمعتْ وتقاربتْ وتعارفتْ بعد التناكر وإنّي لَأَرى في هذا المحشر وجُوهًا من مدن التلول وقراها، ووجوهًا من قرى الصحراء كلها جمعها داعي العلم ليوم العلم، ولو شهدتم احتفال مدرسة الفلاح بوهران واحتفالات "الغزوات" و"ندرومة" و"الحنايا" و"بني مصاف" بمدارسها، لرأيتم ما هو أعجب من اجتماع الأمة الوهرانية في صعيد واحد استجابةً لصوت العلم.

إن هذا اليوم في هذه البلدة خط فاصل بين الماضي المظلم والآتي المشرق، وفيه تخْطون الخطوة الأولى للمستقبل السعيد، وفيه تَخُطُّون الكلمة الأولى من تاريخكم الجديد، وإن هذا اليوم لا يقنع منكم باليسير، بل بما يمحو زلة التقصير.

إن كنائن "الجيوب" ككنائن الغيوب، هذه يجليها عالم الغيب لمواقيتها، وتلك تجليها الهمم البعيدة الغور وهذا اليوم بعض مواقيتها، وان "الاستطاعة" كلمة لا نقبل تفسيرها من المستطيع، بل تُفَسِّرُها آثار نعمة الله، وقد قال شاعركم منذ الساعة كلمة قطع عليكم بها كل المعاذير، وهي قوله: ولا تجعلوا الآفات للشحّ حجّة.

والآفات التي تتعلّلون بها هي نقص الثمر، وافساد المطر، وكساد السوق وقلّة الموسوق، وهي أعذار، بيض الوجوه عليها أعين سود، كما قال الشاعر الأوّل.

في نفض الجيوب العامرة، رحض للعيوب الغامرة، فاعرفوا على ما أنتم مقدمون، وتوكَّلوا على الله متعاونين على البرّ والتقوى والله معكم.

ص: 383