الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونعود إلى لجنة الأهلة *
حملنا على هذه اللجنة حملة صادقة، وحملناها ما حملت من أوزار المفطرين على شهادتها الباطلة، ولم نكن في شيء من ذلك متحاملين ولا مبالغين، فكل ما قلناه فيها من يوم نشأت ونقوله فيها ما دامت، فهو حق، وقد نقصر أحيانًا فيما يجب لها من إنكار لوجودها واستنكار لأعمالها، وتسفيه لآرائها، وتحذير للأمّة من دخائلها ومظاهرها.
عددنا تكوين الحكومة لهذه اللجنة تدخلًا جديدًا في ديننا، ونعد قبول أعضاء هذه اللجنة لهذه الوظيفة المبتدعة تحديًا لإرادة الأمّة، وتثبيتًا للتدخل الحكومي في وقت تحاول فيه الأمّة قطع دابر هذا التدخل، وان تدخل الحكومة في ديننا لا يكون إلا إفسادًا له، حكم الدين بهذا، وأيّده العقل وأيّدتهما الوقائع المفضوحة التي لا يعمى عنها إلا عُمي "البصائر".
فكل ما نظهره من الإنكار الشديد، والاستنكار الشنيع فهو مصروف إلى هذا المعنى، وهو معدود عند الله في أعمالنا الصالحة، وحسناتنا المتقبلة إن شاء الله، وهو معدود عند المؤمنين الصادقين في دفاعنا عن الدين، ووقوفنا للغاشين فيه بالمرصاد.
وما زالت الحوادث في كل سنة تؤيّد رأينا في هذه اللجنة، وأنها أُنشئت لغشّ المسلمين في دينهم وإفساد صومهم وإفطارهم، وإبعادهم عن الأسباب التي تجمعهم بإخوانهم في الأقطار الأخرى.
وغفلة الأمّة عن هؤلاء الغشاشين هي التي أطمعتهم فيها، وأوهمتهم أن الأمر لهم من دون المؤمنين، فتجاوزوا حدود الإخبار إلى الحكم، فأصبحت اللجنة (تحكم) بالصوم أو
* "البصائر"، العدد 161، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، 25 جوان 1951م.
بالإفطار، كأنهما قضيتا نكاح وطلاق، وهي في ذلك مفترية على الله ودينه، جاهلة بحكم شريعته، ولو أن هذه اللجنة كانت تعتني كما يعتني غيرها في الأقطار الإسلامية، فتتبع ثلاثة أهلة أو أربعة قبل رمضان، وتعلن في الجرائد العربية، ثم تقيم إلى الفجر تنتظر الأخبار، وتوصي القضاة والمفتين بأن ينتظروا إلى الفجر، ويسجّلوا الشهادات ويوافوها بها ولو في نهار الغد فإذا تأدّت إليها الشهادات في اليوم التالي عملت بها، ونقضت خبر الليل بخبر النهار. لو أنها فعلت ذلك لاستطاعت أن تغطي بعض عيبها الأكبر وهو أنها حكومية، وأن تستر شيئًا قبيحًا بشيء حسن، ولكن هذه اللجنة واقفة تحت المثل (سكت ألفًا ونطق خلفًا)، فهي تنام طول العام، وتمرّ عليها شهور العبادة فلا تعيرها التفاتًا، حتى إذا بقيت لرمضان أيام معدودة أثارت التشويش ببلاغاتها الفرنسية كأن لغة رمضان فرنسية، وبهذا الراديو الذي أصبح- بسببها- يذيع الفتنة والغشّ للمسلمين ويشيعهما، ثم لا تلتفت لما يأتي من الشهادات المثبتة بعد الساعة الحادية عشرة ليلًا، كأن هذه القضية الدينية المهمة مؤقتة بساعة إن لم تثبت فيها الشهادة عند هذه اللجنة سقط الصوم عن المسلمين.
…
في كل عام تقع من هذه اللجنة زلّة فاضحة، تكفي وحدها دليلًا على غشّها للمسلمين، ولبسها الحق بالباطل، ولكن زلة هذا العام أنست ما تقدّمها، وجاءت صلعاء سافرة في زلّات اللجنة
…
أعلنت اللجنة تنكرها للعالم الإسلامي، وتسفيهها لآرائه، وقدحها في شهاداته ثم أعلنت مع نصف الليل في الإذاعة بلسان مُفْتيَيْها، الحكم القاطع بعدم الصوم، بغير استثناء ولا احتياط لما عسى أن يظهر من شهادات الرؤية، ولا نصيحة للمسلمين بأن من ثبتت عنده الرؤية وجب عليه تبييت الصوم، أو الإمساك نهارًا ولو بقيت للمغرب دقائق، بل (حكمت) بالصوم وسدّت المنافذ، وعطّلت أحكام الشرع، كأنَّ صوم المسلمين متاع لهذه اللجنة تتصرف فيه كما تشاء ولم يزد الفتيان أو (البَرَّاحان)(1) كلمة على الحكم بالإفطار، سوى ما كرّره المفتي (ذو المذهبين)، مع شدة في اللهجة وضغط في النبرات، من التحذير من المشوّشين
…
فهل من المشوّشين في نظره مسلمو مصر وتونس؟ وهل من المشوّشين تلك الجماعة المستفيضة التي رأت الهلال في "تيغنيف" قرب معسكر؟ وهل من المشوّشين من رأوه في "سيق" وفي "حمام بوحجر" وفي "جبال زواوة"؟
…
وهل من المشوّشين مفتي معسكر الذي عدل شهادة الرؤية وعمل بها وأعلن الصوم؟ وهل من المشوّشين مفتي وهران؟
1) البرَّاحان: مثنَّى برَّاح، وهو الشخص الذي يذيع الأخبار في السوق وفي التجمّعات.
جاء في تقرير المكتب العَمَالِي (2) لجمعية العلماء بوهران. أن المفتي بلغه خبر الرؤية من معسكر بعد نصف الليل، فأخبر به رئيس لجنة الأهلة، فأصرّ الرَّئِيسُ على الضلال وغشّ المسلمين، وقال:(انه حكم على يوم الثلاثاء بأنه ليس من رمضان حكمًا نهائيًا، وانه ألحقه بشعبان)، وانه لا يرجع في هذا الحكم الذي حكم به، وأن مفتي وهران بعد أن بلغ، أعلن الصوم بالبراح، ثم أعلنه في الصباح بالمدفع، فأصبحت وهران كلها صائمة، إلا فقيهًا معروفًا بمذهب خاص في الخلاف والفتنة
…
فالرؤية- إذن- ثبتت في عدة نواح من القطر الجزائري ثبوتًا مستفيضًا، والشهادة بذلك بلغت إلى اللجنة ليلًا ونهارًا فلم تعمل بها، ولم يزدها ذلك إلا إصرارًا على العناد والضلال.
واللجنة- إذن- متعمدة لغشّ المسلمين في دينهم، لا شك عندنا في ذلك ولا مراء بعد الذي ذكرنا، وهل يبقى بعد هذا عذرٌ للذين أفطروا على أخبار هذه اللجنة، بعد أن تبيّن غشّها وافتُضح أمرها؟
…
لا عذر مع هذا، ولا عذر بعد هذا، ولا يعد المعتمد عليها- بعد الآن- متأولًا، بل يعد متعمدًا.
واللجنة- إذن- غير صادقة في دعواها العمل بالرؤية الداخلية، فمعسكر وسيق، وحمام بوحجر كلها من الجزائر
…
وعليه، فقد نهضت حجتنا عليها، أنها لأمر ما، لا تبالي برؤية القطر ولا غيرها، ولا تبالي أصام الناس أم أفطروا؟ وأن همها كله منصرف إلى العاصمة وحدها، لتجعل منها وحدة
…
في أمر ما
…
...
يقول المثل: (خرقاء وجدت صوفًا) ونقول نحن: (لجنة وجدت مذياعًا)
…
لجنة ركبت من الغشّ وللغشّ، وجدت مذياعًا تذيع فيه غشها، وتستهوي به الغافلين والمستهترين، ولو كان هذا المذياع حرًّا أو على شيء من الحرية لما رضي بإذاعة الغشّ، بل لو كان يحترم شعور المسلمين لما سمح بنشر الغشّ لدينهم، وهو يعلم أنه غش، ولكن الراديو واللجنة سلالة رحم واحدة، أو صنعة يد واحدة، فلا عجب إذا كان كل واحد منهما مكملًا لصاحبه.
من لقي أعضاء هذه اللجنة مجتمعين في أنديتهم، أو هائمين في أوديتهم، فليلق عليهم هذه الأسئلة، ولا ينتظر الجواب:
هل رُئِيَ الهلال في عدة جهات من القطر؟
2) المكتب العَمَالي: نسبة إلى العَمَالَة، وهي المحافظة أو الولاية.
هل بلغكم الخبر ليلًا؟
فإن لم يبلغكم ليلًا فهل بلغكم نهارًا؟
فإن بلغكم ليلًا فلماذا لم تخبروا مقلّديكم ليبيتوا؟
وإن بلغكم نهارًا فلماذا لم تخبروهم ليمسكوا؟
فإن لم تفعلوا فأنتم غشاشون للمسلمين.
وإن قلتم إن الخبر لم يبلغنا ليلًا ولا نهارًا، غير صادقين.
أيتها الأمّة:
قد دلّتك هذه اللجنة على نفسها، وفضحها الله في هذه السنة بسوء أعمالها. قالت: إنها لا تعمل بشهادة الأقطار الإسلامية، ثم تبيّن أنها لا تعمل بشهادة القطر الجزائري، ولا معنى لهذا إلا أنها متعمدة لإفساد صوم المسلمين وإفطارهم
…
لا معنى لعملها إلا هذا.
لا تصدّقوها بعد الآن.
لا تثقوا بها.
لا تثقوا بهذا البوق الذي يذيع غشّها.
لا عذر لكم بعد الآن
…