الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجالس التذكير *
هذ هو العنوان الذي كان يضعه الأستاذ الرَّئِيسُ عبد الحمد بن باديس- رحمه الله لما يكتبه بقلمه البليغ في تفسير بعض الآيات القرآنية الجامعة ويجعله فواتح لأعداد مجلة "الشهاب" وهي لمع لامعة في التفسير، يتمنى قارئها عند كل جملة منها لو أن الأستاذ أتمّ تفسير القرآن كله كتابة، كما أتمّه درسًا على تلك الطريقة وبذلك التحليل، إذ يرى أسلوبًا مشرق الجوانب بنور العلم لا يفوقه في الروعة إلا حسن فهم كاتبه للقرآن.
قرأ الناس تلك الفواتح في "الشهاب" واستفاد منها المستعدون ما يسّر عليهم فهم القرآن في جملته إذ جعلوا من ذلك القليل مرشدًا للكثير، فكأنهم لازموا الأستاذ خمسًا وعشرين سنة. واستفاد منه المتأدبون مثالًا عاليًا من ذلك الأسلوب الذي يجمع الأدب والعلم، فيستهوي العالم والأديب. وقد كان الأستاذ- في قلة من علمائنا- ممن انطبعت ملكاتهم على ذلك الأسلوب الذي يعلم العلم والأدب. ومن تلك القلّة: الراغب ومسكويه وابن العربي وعياض والزمخشري وابن خلدون والشاطبي.
ولكن "الشهاب" مجلة، والمجلّة عندنا بنت عم الجريدة، تلفظ، ولا تحفظ، وتُتلى ثم تُلقى. وتضيع الأجزاء، ثم يضيع الكل. وقد نشأ بعد موت الأستاذ جيل نفور من تلك النظريات الجوفاء، وتلك الأساليب الرثة، وتلك الكتب التي تحملها، شديد الظمأ إلى التحقيق العلمي الذي يفضي به إلى الاستقلال في العلم. وفتنة هذا الزمان الاستقلال في كل شيء. وهذا الجيل لم يدرك دروس الأستاذ الحافلة، ولكنه أدرك مخايلها في مثل هذه الفصول من كتاباته، وأدرك آثارها في نفوس تلامذته، وأدرك أوصافها جائلة في أفواه الناس، فازداد شوقًا إليها، ولهفة عليها. فغير كثير على قادة هذا الجيل أن يهيّئوا له ما يروي ظمأه
* "البصائر"، العدد 51، السنة الثانية من السلسلة الثانية، 27 سبتمبر 1948م.
ويرضي هواه من الكتب الممتازة بالتحقيق العلمي، وأن لا يتركوه فريسة لتلك الكتب المعتلّة التي نرجو أن يكون جيلنا آخر ضحاياها.
ومن الشعور بهذه الحالة التي ألممنا بها إلمامًا، سمت همّة صديقنا الوفي الأديب أحمد بوشمال كاتب الأستاذ المفسّر وأمين سرّه، فجرّد من مجلة "الشهاب" قطعة صالحة من مجالس التذكير، وطبعها في مطبعة "الشهاب" طبعًا أنيق الحرف بديع الورق، فجاء تحفة فنية صغيرة الحجم، ولكنها عالية القدر وفي نيّته أن يصدر البقية في جزء آخر. وقد طلب من كاتب هذه السطور أن يقدّمه إلى القرّاء بكلمة فكتبها في جلسة سمر كثر ضجيجها، وتمتّع من الجد إلى الهزل حجيجها، فجاءت كما يهوى العاتب، لم تف بحق المكتوب ولا بحق الكاتب. وعسى أن لا تكون كلمتي هذه دعاية سيّئة للكتاب، فهو غني عن المقدّمة بما فيه من علم وعرفان. ونصيحتي الخالصة إلى كل من قرأه متفرّقًا أن يقرأه مجتمعًا وإلى كل من لم يقرأه أن يقرأه، وإلى كل ناشئ من هذا الجيل أن يجعله لدراسة التفسير مفتاحًا.