الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معهد عبد الحميد بن باديس
شراء دار عظيمة لسكنى تلامذته
فتح اكتتاب باثْنَيْ عشر مليونًا لقيمتها وإصلاحها*
ــ
المعهد الباديسي هو مفخرة الأمة الجزائرية، وهو غرة أعمال جمعية العلماء وأعظمها خطرًا، وأعلاها قدرًا وأكثرها نفعًا، فهو يؤوي سبعمائة تلميذ من أبناء الأمة، ويهيئهم لأن يصبحوا قادة لحركاتها، ومسيرين لنهضاتها في جميع الميادين الحيوية، ومنه تخرج البعثات العلمية والصناعية، ومن صفوفه يتخرج الوعاظ المرشدون والخطباء والكتاب والمعلمون.
هذا المعهد يعتمد في نفقاته الباهظة على الأمة وحدها، ولولاها لما سار خطوة واحدة في سبيله، ولما أدّى شيئًا من الواجبات التي تحملها، وقد قامت الأمة- إلى هذه الساعة- بالواجب المالي، على ما يسعه حالها وإمكانها.
وما زالت إدارة المعهد تعاني مشكلة كبرى، تعترضها في كل سنة، وهي مشكلة الأماكن: أماكن الدراسة، وأماكن السكنى، فبناية المعهد في حدّ ذاتها لا تتسع للدراسة فضلًا عن السكنى، ومع أن للمعهد ملحقين لتخفيف الضغط فإن أقسامه لا تكفي إلّا لسبعمائة تلميذ مع الضيق والرهق، وهذا هو أحد الأسباب في أن إدارة المعهد لا تقبل إلّا هذا العدد، وترفض في كل سنة مآت الطلبات، ولو لم تكن الأمة محرومة من مساجدها لكان لتلامذة المعهد فيها متسع للدراسة، لأن ذلك بعض ما تؤديه المساجد من الواجبات، ولأن ذلك بعض مقاصد محبسيها ومؤسسيها، ولكن هذه الحكومة الاستعمارية الظالمة المحاربة للإسلام مصرة على استخدام مساجدنا لإيواء الجواسيس الذين يخدمون الحكومة (كما شهد بذلك الأستاذ بيرك مدير الشؤون الأهلية سابقًا في مقال له منشور في مجلة "البحر المتوسط") لا لتخريج العلماء الذين ينفعون الأمة.
* "البصائر"، العدد 175، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، 26 نوفمبر 1951م.
أما مساكن الطلبة فإن إدارة المعهد تلقى في كل سنة أنواعًا من التعب في إحضار المساكن الكافية لهذا العدد من التلامذة، ويتفرق مآت منهم على الفنادق والحمامات على حسابهم الخاص فيلجئهم غلاء الأسعار إلى مساكن رطبة ضيقة تقضي على صحتهم، ومع أن إدارة المعهد أنفقت في هذه السنوات ملايين في كراء أماكن السكنى، ولكنها أماكن غير صالحة من الوجهة الصحية، حتى أصبح التلامذة مهددين بالأمراض الصدرية وغيرها.
ويعز على إدارة المعهد أن تجهد هذا الجهد كله في تنوير عقول أبناء الأمة بالعلم ثم تعرض أبدانهم للأمراض المستعصية بسبب السكنى في أماكن رطبة محرومة من الشمس والهواء، ويصحب ذلك عيب آخر، وهو عدم تمكن الإدارة من مراقبتهم وضبطهم مع تفرقهم.
لذلك كله رأت في مستهل هذه السنة الدراسية أن تخطو خطوة حاسمة في الموضوع، فأقدمت على شراء دار واسعة ذات ثلاث طبقات، تتسع لإسكان خمسمائة تلميذ، واقعة في مكان يجمع بين الجمال والصحة، ويأخذ حظه من الشمس والهواء من ثلاث جهات.
إن محلا يجمع هذا العدد من الطلبة ويسهل على الإدارة مراقبة أخلاقهم وتنظيم أوقاتهم، وضبط أعمالهم- لقليل الوجود، حقيق بأن تبذل فيه الأموال والجهود.
وجمعية العلماء المسؤولة عن أبناء الأمة، الناظرة إلى مستقبلهم بعين بصيرة- ترى أن هذه النهضة العلمية التي تشرف عليها وتسيرها، يجب أن تساير عصرها ولا تتخلف عن قوافله المجدة، وأن من شروطها الضرورية إعداد ما يستطاع من أبناء هذا الجيل إعدادًا صحيحًا في عقولهم وفي أبدانهم، ومحو الفوارق الاجتماعية بينهم حتى يشعروا أنهم أبناء أمة واحدة يجب عليهم أن يعملوا لها كما عملت لهم، ولا يكون ذلك إلّا بتسويتهم في المعيشة والسكنى، كما هم متساوون في الدراسة والتلقي، فإذا لم تستطع إدارة المعهد جمع تلامذته في مطعم واحد، على غذاء واحد، فلا أقل من جمعهم في مسكن واحد، وإذا حققت إدارة المعهد هذا، فهي عاملة على تحقيق ذاك بعون الله وفضل الأمة.
لذلك
…
فجمعية العلماء- بعد موافقتها لإدارة المعهد على هذا المشروع وتأييدها فيه، وشكرها عليه- تعلن من ساعة صدور هذه الكلمة فتح اكتتاب عام شامل بهذا المبلغ، يشترك فيه كل مسلم جزائري وكل مسلمة جزائرية، فلا يشذ عنه إلّا المدخول في عقيدته الدينية، لأن الإسلام للجميع، أو المدخول في عقيدته الوطنية، لأن هؤلاء التلامذة هم عماد الوطن في حياته المستقبلة.
ولتعلم الأمة أن هذا المال الذي تدفعه- قرض حسن لهذا الجيل، أنه سيرده لها أضعافًا مضاعفة.
العمل عظيم، ولكن الأمة أعظم منه، فعلى الموسح أن يبذل على قدر سعته، ولا يبخل على الله والوطن، ولا يتعلل بالأزمة، وأن يشكر نعمة الله عليه بالفعل لا بالقول، وعلى المقتر أن يعلي همته، ويعلن إيمانه، فإن درهمه عند الله يوازن الجبال.
نخاطب من الأمة ضمائرها، ومواقع الإيمان منها، ومكامن النخوة والغيرة فيها، ونعمم الخطاب إلى جميع الطبقات من تجار وفلاحين وأصحاب مهن حرة وصناع، وعمال، ونذكرهم بأن لله عليهم حقًا، وأن للوطن عليهم حقًا، وأن للعروبة والإسلام عليهم حقوقًا، وأن لهذا الجيل الناشىء المتطلع إلى حياة العلم والعز والسعادة- عليهم حقوقًا، فليعدوه لذلك كما تعد الذخائر للمستقبل، وليحدّوه بذلك كما تحد السيوف للنزال، ولا تهولنهم هذه الحقوق التي عددناها فهي- في غايتها- حق واحد.
ليذكروا أن له على بعضهم نعمًا متجددة من الرزق في كل يوم، وله على بعضهم نعم مما تنبت الأرض أو مما تنتج النعم في كل عام، وأنه يربيها بفضله، ويسلبها بعدله
…
فليحصنوها بالبذل في مراضيه، وليصونوها "بتضييعها" في سبله، وان أكبر السبل المؤدية إلى رضاه نشر العلم بين عباده.
إن من الدين، نشر علم الدين وتثبيته، وإن من صميم الوطنية تعليم أبناء الوطن، وإن من أصول القومية، إحياء اللغة العربية، وإن المعهد الباديسي كفيل بهذه الثلاثة، وإنه- مع ذلك- لنموذج من صنعة، وخطوة من ميدان، وعنوان من كتاب، ومرحلة من شقة، فاقطعوها بشجاعة وثبات، يسهل عليكم ما بعدها من الوثبات ....
ها هوذا قائد الحركة، ومرسل هذه الصيحة، يضرب لكم المثل مع ضعفه وإقلاله، فيقتطع من مرتبه الذي يقوت منه عياله خمسة آلاف من كل شهر لمدة سنة، ثم يجمعها فتصير ستين ألف فرنك، فيحتم عليه الواجب أن يقدمها دفعة واحدة، فيستقرضها من المخلوق، ويقرضها الخالق، ويضعها باسمه في (شيك) المعهد.