الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة السنة الرابعة لـ"البصائر
" *
بهذا العدد تنتهي السنة الرابعة لـ"البصائر"، وبه يتم المجلد الرابع المؤلف من خمسة وأربعين عددًا، وفاء بالميثاق الذي ارتبطت به، وواثقت مشتركيها عليه، وهو المعاملة على الأعداد، لا على الأيام.
وسنة "البصائر" غريبة في عالم الجرائد الأسبوعية، لأن هذه المعاملة مع المشتركين، غريبة ولكنها- مع غرابتها- عدل، التزمناه مختارين، وإن أدى إلى تشويش وعدم انضباط في السنة التاريخية.
فمن عادة الجرائد أنها تعد سنواتها بالأيام، لا بالأعداد، وتبدأها من اليوم الذي أنشئت فيه الجريدة، فإذا قدر لها من العوائق ما يقصر أعداد السنة كلها على عشرة، فتلك هي السنة، وفي هذا غبن للمشتركين طالما أطلق ألسنتهم بالشكوى، وطالما نقلهم تكرره من الشكوى إلى عدم الثقة بالجرائد وأصحابها، وعدم الثقة هنا معناه الإعراض عن الاشتراك فيها، فتعيش الجريدة مريضة معتلة ضيقة المدار، أو تموت في سنتها الأولى، وقد ازداد سوء الظن تمكنًا في نفوس القراء بهذا الصنف من الجرائد، الذي يعيش على الاشتراك، حتى أذى إلى الزهد فيها وعدم التفرقة بين الكامل وبين الناقص، وإن هذا لبعض السبب في ما نشاهده من تداعي الجرائد الأسبوعية للسقوط، وفي ما تعانيه الوفية الصادقة منها من أزمات مالية.
وقد شرحنا في فواتح السنوات الماضية من "البصائر" ما رمينا إليه من اعتبار السنة خمسة وأربعين عددًا، وإن صدرت في سنة ونصف أو أكثر من ذلك، كما وقع في هذه السنة التي هي أطول سني "البصائر"، لما جرى فيها من تأخر الجريدة في الأشهر الأخيرة أسبوعين
* "البصائر"، العدد 180، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، 14 جانفي 1932م.
وثلاثة، وقد تألم القراء لذلك التأخر، وسألوا عن أسبابه فلم نجبهم، لأن الجواب معلوم ضرورة، وهو ارتفاع ثمن الطبع والورق، وزيادة الأداءات القانونية وأجور الموظفين، و"البصائر" لا تعتمد على مورد مالي غير قيمة الاشتراك وثمن البيع، وهما لا يفيان بهذه النفقات الثقيلة، وإنه لا يعرف حقيقة ما نعاني في هذا الباب إلّا من عانى مثله، ومن عذيرنا ممن لا يفهم؟ وممن إذا فهم لا يعذر؟ ومن لنا بمن يفهم أن "البصائر" جريدة الجهاد في سبيل الإسلام والعربية، فمن واجب كل مسلم عربي أن يجاهد في سبيلها؟ وأنها جريدة "الإعلان " عن وجود الجزائر، فمن واجب كل جزائري أن يدعو إليها، وكأن الجزائر لم تلد ممن يفهم هذا إلّا رجلًا واحدًا، وكم دعونا أن يكثر الله من أمثاله في هذه الأمة، فكان دعاؤنا في ضلال.
ولكن
…
هل استفادت "البصائر" من هذه المعاملة "التجارية" التي أنصفت فيها مشتركيها ولم تنصف نفسها؟ لا
…
إنها لم تستفد إلّا القيل والقال، وكثرة السؤال، وتوزع قرائها بين التمني لها والتجني عليها، فالذين يقرأونها إعجابًا ببيانها أو انتصارًا لمبدئها يتمنون، والذين يقرأونها تعميرًا لفراغ الوقت يتجنون، وكلا هذين لا يجلب لها نفعًا، ولا يملك لأزماتها دفعًا، ولا يفكر واحد منهما في أكثر من أن الاشتراك عقد بينه وبين الجريدة يوجب له التمتع الشخصي بقراءتها.
يضاف إلى هذا كله هذه العادة السيئة التي ركبت مشتركي الجرائد، وهي أنهم لا يدفعون قيمة الاشتراك من تلقاء أنفسهم فيخففوا عن الجريدة نفقات كانت في راحة منها، بل يكلفونها إرسال المتجولين، ويتردد المتجولون مرارًا فتتضاعف النفقات، وتتأخر الجريدة أسبوعًا فيسمع المتجولون عبارات في الانتقاد "مؤدبة" ودروسًا في التجنّي "مهذبة" ويقولون لنا: ان الدراهم بدون "بصائر" لا تدخل. فنقول لهم: وان "البصائر" بدون "دراهم " لا تخرج، وننتظر حتى يقيض الله لنا خارقًا يفك جهتي هذا الدور
…
إنما تقوم بالجرائد تبرعات سخية من أصحاب المبادئ، أو إعلانات غنية من أصحاب المتاجر والمصانع، وليس لـ"البصائر" شيء من هذا، وقد افتتحنا في أثناء العام الماضي اكتتابًا، ورجونا أن يسدد دين الجريدة، ويربو بما يسيرها عدة أشهر، حتى تدخر دخلها الاعتيادي للأزمات، ولكن الاكتتاب لم يزد على سداد الدين إلّا بما سيّر الجريدة في أشهر الاكتتاب، وعادت إلى دخلها العادي فلم يكفها، فعادت إلى الدين، إلى أن جاء الاجتماع العام، فرأينا- نزولًا على حكم الظروف- أن نصدرها في الأسبوعين مرة حتى تعتدل ميزانيتها فلم تعتدل، ونحن الآن بين أحد أمرين: إما أن نزيد في قيمة الاشتراك، أو ننزل بالسنة إلى أربعين عددًا، وسنطالع القراء في العدد الآتي بما تتفق عليه "لجنة البصائر".
ولعل الله خار "البصائر" في هذا التقدير، لتقتحم العقبات وتصارع الأزمات وحدها، فتسن للمسترشدين بها والسارين على نورها سنن الصبر والمجاهدة والتضحية، لأنها جريدة الجهاد، وهل يقوم الجهاد إلّا على هذه الصورة؟
و"البصائر"- مع هذا كله- تحمد الله على أن أصيبت في نظامها ومادياتها، ولم تصب في عقيدتها ومبدإها ومعنوياتها، فقد قطعت هذه السنة كما قطعت السنوات قبلها، أقوى ما تكون حرارة إيمان، وصلابة عقيدة وثبات صبغة، وشدة وطأة على الظلم والظالمين، وخفة خطى إلى غوث المنكوبين ونصر المظلومين، وان موقفها من قضية المغرب وقضية مصر لأصدق الشاهدين.