الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلاغ إلى الأمّة العربية الجزائرية*
(من المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين)
ــ
إن الدستور الذي وضعته الحكومة الفرنسية للجزائر ووافق عليه برلمانها في أكتوبر 1947 هو دستور ناقص من جميع جهاته لم يحقق رغبة واحدة من الرغائب الوطنية للجزائر.
وآفته أنه فرض عليها فرضًا، ولم يُؤخذ رأيها فيه. والدستور النافع هو الذي يكون للأمة رأي في وضعه، واختيار لمنهاجه، ويد في تشريعه ويكون ناشئًا عن رغائبها ليكون محقّقًا لرغائبها.
ولتلك الآفة لم يرضه حزب من أحزاب الأمّة ولا نائب من نوّابها على اختلاف مشاربهم الحزبية وعلى تفاوت حظوظهم في الوطنية، بل قابله جميعهم بالاستنكار.
والمجلس الجزائري الذي ينفّذ ذلك الدستور هو مجلس ناقص أيضًا من جهات كثيرة، بعضها في أصل وضعه كعدم اعتبار النسبة العددية في السكان، وبعضها في وسائل تشكيله كاستبداد الحكومة بتخطيط الدوائر الانتخابية، وتدخّلها في توجيه الانتخاب إلى جهاتها وضغطها على حرية المنتخبين كما عهدناه منها فيما هو أقل من هذا الانتخاب قيمة وأحط منه اعتبارًا.
ومع تلك النقائص كلها فإن مصلحة الأمّة الحقيقية توجب عليها أن تجاري الظروف وأن تستغل ما في هذا الدستور من خير ولو كان كقطرة من بحر.
وجمعية العلماء التي هي جمعية الأمّة كلها تفرض عليها حقيقتها ووضعيتها أن تكون فوق الطوائف والأحزاب لتكون حكمًا بينهم إذا اختلفوا على مصلحة، وهي لا تستمد حكمها إلا من منطق الواقع والحكمة والمصلحة العامة والنظر البعيد.
وعليه، فهي تتقدّم إلى الأمّة العربية الجزائرية بأحزابها وهيئاتها وأفرادها بالحقائق الآتية:
* "البصائر"، العدد 29، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 29 مارس 1948م.
أولًا: إن اختلاف الأحزاب، وما جرّه الخلاف من سباب، وما جرّه السباب من أحقاد، وما جرّته الأحقاد من تضييع للمصلحة، كل ذلك استنكرته الجمعية بالاعتقاد، وأنكرته بالقول الصريح، وسعت في إزالته بالعمل الجدّي، لأنها تعلم أن عواقبه وخيمة، وأن أدنى عواقبه تمزيق الشمل وإضعاف القوّة: وأنه- أولًا وأخيرًا- ليس من مصلحة الوطن والأمّة، وإنما هو من مصلحة خصوم الوطن وأعداء الأمّة. وقد قامت الجمعية في أوقات ومناسبات شتّى بمساع جدّية صريحة للتقريب بين الأحزاب وإقرار روح الأخوّة والتسامح في النفوس لتصل من ذلك إلى اتحاد متين يوجّه الجهود والكفاءات إلى خدمة المصالح الحقيقية للوطن. وآخر جهودها ما قامت به في هذه الأسابيع الأخيرة المتصلة بكتابة هذه السطور
…
وهي- وإن لم تصل إلى غايتها من جمع الكلمة- لم تيأس من ذلك ولم تفشل وما زالت تفترص الفرص لتجديد السعي في جمع الكلمة على الحق وتوحيد الأحزاب على المصلحة العامة للوطن. وهي تعتقد أن الاتحاد الذي تنشده الأمّة وتعلّق آمالها على جمعية العلماء في تحقيقه إذا لم يتم اليوم فسيتمّ غدًا. والجمعية تعلن أنه ليس من مصلحة الأمّة ولا من مصلحة الأحزاب ولا من مقتضيات الذوق أن تشرح مساعيها للاتحاد في هذه الظروف.
ثانيًا: يجب على الهيئات الداعية للانتخابات باسم الحزبية أن تجرّد دعايتها من السب والقدح وجرح العواطف وإثارة الأحقاد، وأن تبني تلك الدعاية على أشرف ما تُبنى عليه الدعايات في الأمم الحيّة وهو المبادئ والبرامج ووسائل تحقيقها. وعلى القادة والمترشحين أن لا يقولوا ولا يعملوا إلا ما يبقي على الأخوّة ويعين في المستقبل على جمع الكلمة، وعلى عقلاء الأمّة أن يلزموا أولئك الدعاة عند حدود الاعتدال، ويفهموهم أن في مكافحة الاستعمار ما يستنفد أقوال القائلين وأعمال العاملين. وليعلموا جميعًا أن هذه النقطة من أسس تربية الأمّة تربية رشيدة.
ثالثًا: يجب على الأحزاب التي تجعل رائدها مصلحة الوطن العليا أن تجري في الدورة الثانية على قاعدة متبادلة وهي أن تسلم الأقلية منهم للأكثرية وأن تعاونها على الفوز لكي يسدوا الطريق في وجه الحكوميين والانتفاعيين الذين لا يمثّلون إلا أنفسهم.
رابعًا: يجب على الناخبين أن يقدّروا هذه الانتخابات حق قدرها، وأن لا يستخفوا بها، ولا يقاطعوها، وأن لا يتخلف أحد عن الانتخاب، وأن لا يتأثّر بتهديد الإدارة وتخويفها وليعلم أن إعطاء ورقته شهادة للوطن أو عليه. فليعرف أين يضع ورقته ولمن يعطي شهادته. وأن المقاطعة وإعطاء الورقة لغير الرجال العاملين هو تضييع لحقوق الوطن يعود عليه بأشأم العواقب.
خامسًا: يجب على الأمّة أن تميز بين أصحاب المبادئ وأصحاب الأغراض والمنافع الشخصية، وأن تفرّق بين من يقدّمه حزب أو جماعة من الأمّة وبين من يقدّم نفسه. والواجب عليها بعد أن تميّز هؤلاء من هؤلاء أن تعطي أصواتها لأصحاب المبادئ، وتنبذ الفريق المستغل المستعمر المفتون بكراسي النيابة لا ليخدم الأمّة بل ليخدم نفسه. وقد جرّبت الأمّة هذا النوع من النواب، ولا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين. وأن أخزى الرجال رجل يتوصل إلى النيابة عن الأمّة بوسائل سخيفة وأوراق مسروقة وحريات مغصوبة.
سادسًا: يجب على الأمّة أن تحذر كل الحذر من المرشّحين المستقلّين، فإن هذا الوصف خداع يلوذ به كل حكومي وينتحله كل انتفاعي ولا يصدق منه إلا القليل وإذا وجد من هذا القليل مترشح فأهل دائرته أعلم به: فليستوثقوا منه ومن صلاحيته وخدمته للمصلحة الوطنية ..
أيتها الأمّة!
إننا نعرف الإدارة الجزائرية الاستعمارية. ونعرف أنها لم تغيّر شيئًا من عاداتها القديمة. ونعلم أنها تجهد جهدها لتقيم من هذا الانتخاب دليلًا على أن نوّاب الجزائر لا يطلبون لها إلا الخبز والثياب، وأن هذا هو كل ما تطلبه الأمّة الجزائرية وكل ما تستحقه. فَكَذِّبي هذا الدليل بدليل يدحضه بحسن اختيارك للرجال ذوي المبادئ المطالبين بحقوقك السياسية المثبتين لاستحقاقك الحرية الكاملة التي ترفعك إلى المكانة العالية بين الأمم الحية.
عن المجلس الإداري
الرَّئِيسُ: محمد البشير الإبراهيمي