المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التقرير الأدبي * - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٢

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مقدمة

- ‌خلل ذاتي:

- ‌في رحاب الآثار:

- ‌فلسفة الإصلاح:

- ‌الإصلاح وجمعية العلماء:

- ‌خصائص أدب الإبراهيمي:

- ‌السياق التاريخي (1940 - 1952)

- ‌ المنجزات

- ‌أولًا: في ميدان التربية والتعليم:

- ‌1) تأسيس معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة:

- ‌2) بناء المدارس:

- ‌3) تكوين لجنة التعليم العليا:

- ‌4) إنشاء الشهادة الابتدائية:

- ‌5) إرسال البعثات الطلابية إلى الدول العربية:

- ‌ثانيا: في ميدان التنظيم:

- ‌1) المركز العام:

- ‌2) التوسع في تأسيس الشُّعَب:

- ‌3) توسيع المجلس الإداري وتنقيح القانون الأساسي للجمعية:

- ‌4) بعْثُ النشاط في فرنسا:

- ‌5) فتح مكتب القاهرة:

- ‌ثالثًا: في ميدان التوجيه والإعلام:

- ‌1) إعادة إصدار جريدة البصائر:

- ‌2) وفود الوعظ والإرشاد:

- ‌رابعًا: المجال الديني:

- ‌خامسًا: في الميدان السياسي:

- ‌في المنفىأومن وحي آفلو

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌تساؤُل نفس*

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد قصيبة*

- ‌رسالة الضبّ*

- ‌((فصل))ونعود إلى الحديث عن الضبّ

- ‌((فصل))ورجز الضبّ الذي أشار إليه المعرّي

- ‌((فصل))ومن مزاعم العرب في الضب

- ‌((فصل))وكما يستطيب العرب لحم الضبّ

- ‌((فصل))وتضرب العرب المثل بالضب

- ‌((فصل))ولما ذكرناه من علاقة العرب بالضبّ

- ‌((فصل))وقد جرى في هذه الرسالة ذكر الوزير المغربي

- ‌مناجاة مبتورة لدواعي الضّرورة*

- ‌رواية الثّلاثة*

- ‌مَظاهر الأبطالِ الثلاثةِ في الرِّوايةِ:

- ‌أسلوب الرواية

- ‌صورة الاستدعاء من المدير

- ‌الجلسة الأولى:

- ‌الجلسة الثانية

- ‌صُورَةُ الاِسْتِدْعَاءِ مِنَ الرَّئِيسِ إِلَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ بُوشْمَال

- ‌الجلسة الثالثة

- ‌(الْمَشْهَدُ الْأَخِيرُ:

- ‌هذه "العزيمة

- ‌حاشية:

- ‌مرشد المعلّمين*

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌رئيس جمعية العلماءيتكلم

- ‌لقاء ووفاء *

- ‌واجب المثقّفين نحو الأمة*

- ‌منزلة المثقفين في الأمم الحية:

- ‌كيف يؤدي المثقفون واجبهم نحو الأمة

- ‌الدروس العلمية بتبسة*

- ‌تقرير إلى لجنة الإصلاحات الإسلامية بالجزائر*

- ‌الإصلاح السياسي:

- ‌التقرير* الذي قدّمه مجلس إدارةجمعية العلماء المسلمين الجزائريينإلى الحكومة الجزائرية

- ‌المساجد وأوقافها:

- ‌التعليم العربي الحر ومدارسه ومعلموه

- ‌مطالب جمعية العلماء: في قضية التعليم العربي

- ‌القضاء الإسلامي وتعليمه ورجاله:

- ‌ التعليم القضائي

- ‌ها هي أصول للإصلاح نقدمها بكل إخلاص:

- ‌الوظائف القضائية:

- ‌السلطة العليا:

- ‌محاكم للاستئناف:

- ‌التجول:

- ‌النوادي:

- ‌في السجن العسكريبالعاصمة ثم قسنطينة

- ‌رسالة إلى الأستاذ إبراهيم الكتاني*

- ‌رسالة إلى الطلبة الجزائريين بالزيتونة*

- ‌كتاب مفتوح لسعادة وزير الداخلية

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌رئيس جمعية العلماءومدير «البصائر»ومؤسس «معهد ابن باديس»يتكلم

- ‌بلاغ من جمعية العلماء *

- ‌نصيحة دينية

- ‌المسلمون في جزيرة صقلية*

- ‌السيد محمد خطّاب الفرقاني*

- ‌كوارث الاستعمار*

- ‌إحياء التعليم المسجدي بمدينة قسنطينة*

- ‌معهد قسنطينة*

- ‌شروط قبول التلامذة

- ‌تنبيهات وتوضيحات:

- ‌جريدة (العَلَم) الخفاق أو (العلم) الشامخ*

- ‌عزاء للأستاذ التبسي*

- ‌ديكتاتور (مايو) *

- ‌مبارك الميلي*

- ‌نداء إلى الشعب*

- ‌بلاغ إلى الأمّة العربية الجزائرية*

- ‌الأستاذ محمد بن العربي العلوي*

- ‌ذكرى عبد الحميد بن باديس الثامنة

- ‌ذوق صحفي بارد*

- ‌هدية ذات مغزى جليل*

- ‌نداء وتحذير

- ‌إمتحانات المعهد والمدارس *

- ‌الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌البصائر" ومعهد ابن باديس *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:ما له وما عليه *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:

- ‌الفرع وأصله:

- ‌ومطالب المعهد:

- ‌النجاح يقوّي الأمل:

- ‌همسة في أذن الأمّة:

- ‌ أيتها الأمّة

- ‌كلمة الختام:

- ‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية *

- ‌سنة من عمر "البصائر

- ‌سنة "البصائر" الجديدة *

- ‌جناية الحزبية على التعليم والعلم *

- ‌مجلة أفريقيا الشمالية*

- ‌أدعاية أم سعاية؟ أم هما معًا

- ‌برقية تعزية في وفاة المنصف باي *

- ‌كارثة الأغواط *

- ‌إلى المشائخ المعلمين *

- ‌بيان من المجلس الإداري لجمعية العلماء *

- ‌مقدمة كتاب "مجالس التذكير

- ‌مجالس التذكير *

- ‌جريدة "العلم" الخفاق *

- ‌كيف تشكّلت الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌قادة الجيل الجديد في ميادين العلم *

- ‌قرار من المجلس الإداري لجمعية العلماءالمسلمين الجزائريين *

- ‌زواوة" الكبرى تستمسك بعروة الإسلامالوثقى وتطلب الرجوع إلى الأصل *

- ‌حيّا الله تونس *

- ‌تنبيه أكيد إلى رؤساء الجمعيات المحلية *

- ‌تحذير

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌صوت المسجد

- ‌شكوى العاصمي *

- ‌الشيخ أبو القاسم بن حلوش *

- ‌إلى الأمّة *

- ‌رمضان: وحدة الصوم والإفطار *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس *

- ‌دروس الوعظ والإرشاد في رمضان *

- ‌إلى الكتّاب *

- ‌ذكرى بدر بمركز جمعية العلماء *

- ‌إلى القرّاء *

- ‌الرقم السجين *

- ‌مؤتمر الثقافة الإسلامية

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌في حفل ختام السنة الدراسيةبمعهد عبد الحميد بن باديس

- ‌محمد خطاب الفرقاني *

- ‌البصائر" في سنتها الثالثة *

- ‌رفع إيهام *

- ‌المعهد والمدارس *

- ‌والمدارس

- ‌نفحات من الشعر الجزائري الحديث*

- ‌برقية احتجاج *

- ‌الفضيل الورتلاني

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الأستاذ علي الحمامي

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الزميل المنستيري *

- ‌أقطاب الفرقة القومية المصرية *

- ‌كتاب "نقرأ ونكتب

- ‌بيان حقيقة ورفع إيهام

- ‌المولد النبوي الكريم

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌مدرسة أولاد سيدي إبراهيم *

- ‌برقية تأييد لمطالب التلامذة الزيتونيين *

- ‌الوعظ في رمضان *

- ‌فتح جامع "الحنايا" ومدرستها *

- ‌المعهد الباديسي *

- ‌مدارس جمعية العلماء *

- ‌الأستاذ إبراهيم الكتّاني *

- ‌رسل الصحافة المصرية في الجزائر *

- ‌البصائر" في سنتها الرابعة *

- ‌رحلتنا إلى باريس *

- ‌بيان من رئاسة جمعية العلماء

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌من ثمرات الأخوة الإسلامية

- ‌افتتاح مدرسة بسكرة *

- ‌فرية غريبة *

- ‌حركة الإسلام في أوروبا *

- ‌حركة جمعية العلماء بباريس *

- ‌الدكتور عبد الكريم جرمانوس *

- ‌نغمة شاذة *

- ‌صحف الشرق العربي *

- ‌الكتب المهداة إلى "البصائر

- ‌اتحاد الأحزاب بالمغرب الأقصى *

- ‌تنصّل من تهمة *

- ‌بيانات للأمّة من المكتب الإداري لجمعيةالعلماء في قضية الصوم والإفطار *

- ‌أكبر زلّة تقترفها لجنة الأهلة *

- ‌ونعود إلى لجنة الأهلة *

- ‌هلال رمضان: معلومات وتنبيهات *

- ‌شكر واعتذار

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الإجتماع العام لجمعية العلماء *

- ‌نظام الاجتماع

- ‌التقرير الأدبي *

- ‌المدارس

- ‌المعهد الباديسي

- ‌البصائر

- ‌قضية فصل الدين عن الحكومة

- ‌العمل في فرنسا

- ‌العمل في مصر

- ‌ذخر من النصائح للمجلس الجديد:

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس

- ‌بلاغ *

- ‌التهنئة باستقلال ليبيا *

- ‌الأستاذ محي الدين القليبي *

- ‌دار الطلبة بقسنطينة

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌بلاغات *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌خاتمة السنة الرابعة لـ"البصائر

- ‌فاتحة السنة الخامسة لـ"البصائر

- ‌خطاب أمام الوفود العربية والإسلاميةفي الأمم المتحدة *

الفصل: ‌التقرير الأدبي *

‌التقرير الأدبي *

الحمد لله الموفق المعين، إياه نعبد وإياه نستعين، منجز الوعد بالنصر لعباده المؤمنين، منزل السكينة على الصابرين المخلصين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق

الأمين، القوي المكين، نبي الحرية، وعدو العبودية، ومطهر العقول من أدران الوثنية، وسائق ركب الإنسانية، إلى السعادة الأبدية، وعلى آله وأصحابه أحلاف السيوف، وقادة الزحوف، وأئمة الصفوف، وعلى التابعين لآثارهم في نصر الدين، إلى يوم الدين.

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} .

{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .

اللهم هب لنا توفيقًا ينير الطريق، وهداية تقي العثرات، وعناية تأخذ باليد إلى الحق، ويقينًا يزيل اللبس في مواطن الشبهات، وتأييدًا يثبت الأقدام في مواقع الزلل، وثباتًا يعصم من الفرار في ميادين الصراع بين الخير والشر، وصبرًا يزع عن النكوص على الأعقاب، وشجاعة تفل الحديد، وتنسخ آية هذا العصر الجديد، وبيانًا يفحم الخصم في مواقف الجدل، وعفة تقهر الغرائز الجامحة، والشهوات العارمة، والمطامع المتعرضة بكل سبيل، وأفض علينا لطفًا يصحب خفايا الأقدار عند حلول المصائب، وأصحبنا ولاية منك تخرجنا من الظلمات إلى النور، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .

* "البصائر"، العدد 172، 173، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، 15 أكتوبر 1951م.

ص: 425

اللهم جنبنا زلة الرأي، وزلزلة العقيدة، ودغل الضمير ورين البصيرة، وخيبة الرجاء، وطيش السهام، وجنبنا الخوف من غيرك، والجحود لخيرك والبخل عليك برزقك، والرهبة من عدوك، والضلال في معرفتك، والهجر لكتابك،- والشك في وعدك، والاستخفاف بوعيدك، والدخل في الانتساب إليك واجنبنا وقومنا أن نعبد هذه الأصنام التي أضلت كثيرًا من الناس.

اللهم ارزق أمة محمد التفاتًا صادقًا إليك، والتفافًا محكمًا حول كتابك، واتباعًا كاملًا لنبيك، وعرفانًا شاملًا بأنفسهم فقد جهلوها، وتعارفًا نافعًا بين أجزائهم فإنهم أنكروها، وبصيرة نافذة في حقائق الحياة فقد اشتبهت عليهم سبلها الواضحة، وهب لهم من لدنك نفحة تصحح الأخوة السقيمة وتصل الرَّحِمَ المجفوة، وتمكن للثقة بينهم، واتحادًا يجمع الشمل الممزق ويعيد المجد الضائع، ويرهب عدوك وعدوهم، ورجوعًا إلى هديك يقربهم من رضاك، ويسبب لهم رحمتك ويزحزحهم عن عذاب الخزي، فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.

اللهم واحفظ هذه العصابة الذائدة عن حماك، المعظمة لحرماتك، الواقفة بالمرصاد لكل معتد عليها، الناصرة لدينك، والمدافعة- ولا مِنَّة- عن بيوتك، القائدة لرعيل الحق في سبيلك، فإنها كثيرة بك، معتزة بعزتك، قوية بتوفيقك، وإنها إن هلكت لم تعبد في هذه الأرض.

أيها الإخوان الكرام، أيها الأبناء الأعزة!

مرحبًا بالوفود غير خزايا ولا ندامى، وسلام لكم من أصحاب اليمين، وسلام عليكم بما صبرتم وأنفقتم من وقت ومال، وأضعتم من منافع وأعمال، وتحيات الله المباركات الطيبات تغشاكم في الحل والترحال، وتلقاكم في الغدوات والروحات، ما دمتم وفي سبيل الله مغداكم ومراحكم، وفي مرضاته قيدكم وسراحكم، قدمتم خير مقدم، ووقيتم المأثم والمندم، وبؤتم- إن شاء الله- بحسن المنقلب، وسلامة الغياب والاياب، وحيتكم ملائكة الله المسبحون الصافون، وعباده المحتشدون الحافون، بما نصرتم من حقه، وكثرتم من حزبه، ونضر هذه الوجوه التي تستبشر في مراضيه، وتبسر في مساخطه، وثبت هذه الأقدام التي اغبرت في سبيل العلم، وتأييد العاملين له، والناشرين للوائه بعد الطي.

فيكم يا وفود التكرمة، وبقايا سلائل المقداد وعكرمة، مخايل صادقة من أجدادكم العرب الذين كانوا إذا دعاهم الداعي لمنقبة تشاد، أو لمأثرة تبنى، خفوا إليه سراعًا، وإذا

ص: 426

استصرخهم المستنصر لضيم تأباه من ابن الحرة، نفسه الحرة، أقبلوا إليه شدًا، وأوسعوه نصرًا وعونًا، وقد جربناكم في الحالين فصدقت المخيلة.

أيها الإخوان، أيها الأبناء!

هذه نهاية خمس سنوات قضيناها- بمعونتكم- في العمل المثمر، وقطعناها- بتأييد الله ثم بتأييدكم- في الخير العام لهذه الأمة التي تنكر لها الزمان بما كسبت أيديها، وأشاح عنها وجهه، وأتاح لها الجار الذي لا يبيت جاره إلّا على وجل، والعدو الذي يسمي لها الشر باسم الخير فيغرها، ثم يبيعه لها ملفوفًا في غشاء الخير فيغشها، ثم يمن عليها بذلك فيحتقرها، ثم يفرض عليها أن تشكره على ذلك فيذلها.

هذه خمس سنوات وصلنا لياليها بأيامها في القيام بالعهد الذي عاهدنا الأمة عليه في صيف سنة 1946 من النهوض بالجمعية والانتقال بها من طور الركود إلى طور الحركة، ومن حال الضعف إلى حال القوّة، حتى انتهيت إلى ما نعتقد أنه تمام طور، وكمال نصاب، فجئنا بكم اليوم لنعرض عليكم أعمال هذه السنوات الخمس التي هي طور كامل من أطوار جمعيتكم تم وكمل، ووجب الانتقال منه إلى طور جديد، ببرنامج جديد، وعزائم جديدة وأعوان جدد، وتفكير جديد، وتقدير جديد وهمم جديدة.

إن الأعمال العظيمة لا تقيد بالأيام، ولا تقدر بالسنوات ولا تشوش بالحساب الآلي، ولا تعطل بالأوضاع العرفية، وإنما هي أطوار يتم تمامها في زمن طويل أو قصير، وقد كانت جمعيتكم أطوارًا لا توزن بالأيام والليالي، وإنما توزن بتمام الأعمال وكمالها، واستجماع أجزاء هياكلها، وقد كان تمام طورها الأول في ست سنوات، هي سنوات الصراع بين الحق والباطل، هي السنوات التي قطعناها في إصلاح العقول التي أفسدها الضلال في الدين، وفي تصفية النفوس التي كدرتها الخرافات، واعدادها لفهم حقائق الدين والدنيا، وغرس القابليات الصحيحة فيها للخير، ودك الحصون التي كانت مانعة لنا من الاتصال بالجيل الناشىء حتى نستطيع تعليمه الحق، وتربيته على الحق، والحيلولة بينه وبين الفساد المتفشي في الآباء والأمهات، فقد كان الآباء الذين مردوا على الضلال لا يرتضون لأبنائهم إلّا أن يرثوا عنهم ذلك الضلال، فجاهدنا في تلك السنوات الست في تنقية الأشواك من طريقنا إلى الصغار، لنتمكن من تربية عقولهم على العقائد الصحيحة في الدين والدنيا، ونفوسهم على الفضائل الكاملة في الجسم والروح، وألسنتهم على البيان العربي، وأفكارهم على التأمل والإدراك علمًا وعملًا، وكنا جارين في ذلك كله على سنة الحارث الهمام

لا يزرع البذر

ص: 427

إلّا بعد تنقية الأرض وتمهيدها وإثارتها، فلما تم لنا من ذلك شيء في بعض الجهات ووجدت القابلية- انتقلنا إلى المرحلة الثانية، وهي التعليم، بعزيمة المؤمن المنتصر المقدر لمواقع الخطى، المستفيد من الصواب والخطأ، ولم يبق لنا من أعمال الطور الأول إلّا مواقف حراسة ودفاع لئلا يعاود الباطل كرته، على نحو من دفاع الجندي الظافر في أطراف الميدان.

كان الطور الأول طور هدم ورفع أنقاض، وكان الطور الثاني طور بناء وتشييد

بناء للعقول والأرواح والنفوس بمواد العلم والحكمة والفضيلة وتشييد للحياة الفاضلة الحافلة بالسعادة والنضرة، المبنية على المثل العليا من الرجولة والبطولة والنبوغ، ولا تذكروا مع هذا تشييد المباني، فهي في المحل الأول وهو في المحل الثاني، وأين بناء الجدران، من بناء مقومات الإنسان؟ إن في بناء العقول والأرواح والنفوس والأذهان لمحاكاة لصنع الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وإن في فتق لسانه على البيان المنمق، وتشقيقه على الكلام المشقق، لتحقيقًا لحكمة الذي خلق الإنسان علمه البيان، وأين يقع ذلك من هذا؟

استغرق هذا الطور سبع سنوات تخللتها نكسة الحرب وتعطيل التعليم في سنوات منها، وكان الربح الذي أفاءته علينا سنوات التعطيل أربى من الخسارة، فقد تنبهت مشاعر الأمة في حقبة التعطيل، وكمل استعدادها، فما كادت الحوائل تزول حتى تأججت الرغبات المكبوتة، وانفجر الاستعداد الكامن، وأقبلت الأمة تبني المدارس وتعلي، سائرة على هدي جمعية العلماء، وجارينا ذلك التيار على ما في مجاراته من أخطار، وفتحت عشرات المدارس فيما بين سنة 1943 وسنة 1945، وجاءت حوادث 8 ماي فأعادت النكسة وشلت الهمم والعزائم، ورمت الأمة بالداء العياء الذي ما زالت تعاني عقابيله، وهو الخوف والرهبة.

وجاء الطور الثالث يعدو سابقًا في صيف 1946 متسمًا بالحزم والتصميم والنظام والترامي إلى الكمال، والرمي إلى هدف واحد، والإيمان الجازم بالغاية وجمع القوى المتفرقة في سبيل الوصول إليها، وإن هذا الطور كيوم من أيام الله في جمعيتكم، لا يقدر بالساعات، وإنما هو هيكل من الأعمال متعدد الأجزاء لا يتم بتمام جزء منها، وإنما يتم بتمام جميعها، وقد استعددنا للقيام بإتمام هذا الهيكل، وصاحبنا من توفيق الله ما شهدنا آثاره، فلم ننقطع يومًا عن الأعمال المتممة لهذا الهيكل في السنوات الخمس، وإنما انقطعنا عن شيء عرفي، قرره الاصطلاح والقانون، وسمياه (الاجتماع العام) فلم يُفَوِّتْ علينا هذا الانقطاع إلّا اجتماعًا محدودًا في مكان محدود في ساعات محدودة، تلقى فيه كلمات معدودة، وأبخس بهذا كله فائتًا في جنب ما تم وحصل في هذه السنوات الخمس من الأعمال الإيجابية الباهرة التي لولا عون الله وتيسيره، وسر الإخلاص لما تم بعضها في

ص: 428

عشرات السنين، ولو قارنا بين ما أجدى علينا هذا الانقطاع وما رزأنا لوجدنا الجدوى أرجح من الإضاعة، فلم تمر في تاريخ جمعية العلماء سنوات أبرك على الأمة وأعود عليها بالخير من هذه السنوات، فكأنهن البقرات السمان أو السنبلات الخضر في رؤيا يوسف غير أنهن خمس ....

على أن انقطاع الاجتماع العام لم يكن مخالفًا للقانون العرفي كما يتوهمه بعض الناس. بل كان مستندًا على أسناد قانونية متينة، فإن كثيرًا من أهل الرأي من الأعضاء العاملين والمؤيدين كانوا مجمعين في أول كل سنة من هذه السنوات على عدم لزوم الاجتماع العام محتجين بأن المجلس الإداري قائم بمشاريع عظيمة واسعة النطاق، تملك عليه وقته وتفكيره وجهده، ويستدعي إتمامها سنين من الوقت وملايين من المال، ومجهودًا متواصلًا من الأعمال، ويقتضي جمعًا بين أول الرأي وآخره، وبدء العمل وتمامه، فليس من سداد الرأي ولا من صواب التدبير تشويه الهيكل بتشويش العمل- وهو في انتظام أمره واطراد سيره- باجتماعات آلية يعطل اعدادها وقتًا غير قصير، ويستنفد مالًا غير يسير، بل من لباب الحكمة أن لا تختلف الأيدي المسيرة كيلا يختلف الرأي، وأن يبقى المجلس الإداري قائمًا على تلك المشاريع، حتى يقدم للأمة عملًا كاملًا، فما أضر الجمعيات والحكومات، وما عطل بناء الأعمال العظيمة فيها حسية ومعنوية إلّا هذه السنة السيئة، وهي أن يبدأ الأعمال ويضع لها البرامج والتخطيطات غير من يوكل إليه إتمامها، وما شل عبقريات الرجال إلّا عروض هذا الخيال، وهو أنهم يبدأون العمل على تدبير وتقدير، ثم يخلفهم عليه من لا يرى فيه رأيهم، ولا يفكر تفكيرهم ولا يوافق ذوقه ذوقهم، ولا يكون له من الهمّة في إنجازه ما لهم من الهمّة فيه، والأعمال همم وذمم وقيم.

أيها الإخوان:

تنقسم الأعمال التي باشرها المجلس الإداري لجمعيتكم في السنوات الخمس الماضية إلى قسمين: مشروعات ومواقف، وأهم المشروعات- المدارس و"البصائر" والمعهد الباديسي، وتضاف إليها حركة باريس ومكتب مصر، وأهم المواقف موقف الدفاع عن حرية الدين، والدفاع عن حرية التعليم العربي، ويتبع ذلك موقفه من قضايا العروبة والإسلام، وها نحن أولاء نتحدث إليكم عن هذا الأهم من المشاريع، مجملين في بعضها حيث لا فائدة في التفصيل، مفصلين في بعضها حيث يحسن اطلاعكم عليه. فإذا انتهينا من ذلك تقدمنا بإرشادات إلى المجلس الجديد فيما يجب عليه لاتصال العمل في هذه المشاريع وتقويتها والمحافظة عليها، وزودناه بخلاصة التجارب التي حصلنا عليها من المراس للحوادث، والمراس على المكاره والمصاعب، وان هذا لخير زاد يقدمه سلف لخلف، وأنفع ميراث يرثه خلف عن سلف.

ص: 429