المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

-‌ ‌ 2 - * بسم الله الرحمن الرحيم   أيها الإخوان أحيي على بعد - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٢

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مقدمة

- ‌خلل ذاتي:

- ‌في رحاب الآثار:

- ‌فلسفة الإصلاح:

- ‌الإصلاح وجمعية العلماء:

- ‌خصائص أدب الإبراهيمي:

- ‌السياق التاريخي (1940 - 1952)

- ‌ المنجزات

- ‌أولًا: في ميدان التربية والتعليم:

- ‌1) تأسيس معهد الإمام عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة:

- ‌2) بناء المدارس:

- ‌3) تكوين لجنة التعليم العليا:

- ‌4) إنشاء الشهادة الابتدائية:

- ‌5) إرسال البعثات الطلابية إلى الدول العربية:

- ‌ثانيا: في ميدان التنظيم:

- ‌1) المركز العام:

- ‌2) التوسع في تأسيس الشُّعَب:

- ‌3) توسيع المجلس الإداري وتنقيح القانون الأساسي للجمعية:

- ‌4) بعْثُ النشاط في فرنسا:

- ‌5) فتح مكتب القاهرة:

- ‌ثالثًا: في ميدان التوجيه والإعلام:

- ‌1) إعادة إصدار جريدة البصائر:

- ‌2) وفود الوعظ والإرشاد:

- ‌رابعًا: المجال الديني:

- ‌خامسًا: في الميدان السياسي:

- ‌في المنفىأومن وحي آفلو

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌تساؤُل نفس*

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد قصيبة*

- ‌رسالة الضبّ*

- ‌((فصل))ونعود إلى الحديث عن الضبّ

- ‌((فصل))ورجز الضبّ الذي أشار إليه المعرّي

- ‌((فصل))ومن مزاعم العرب في الضب

- ‌((فصل))وكما يستطيب العرب لحم الضبّ

- ‌((فصل))وتضرب العرب المثل بالضب

- ‌((فصل))ولما ذكرناه من علاقة العرب بالضبّ

- ‌((فصل))وقد جرى في هذه الرسالة ذكر الوزير المغربي

- ‌مناجاة مبتورة لدواعي الضّرورة*

- ‌رواية الثّلاثة*

- ‌مَظاهر الأبطالِ الثلاثةِ في الرِّوايةِ:

- ‌أسلوب الرواية

- ‌صورة الاستدعاء من المدير

- ‌الجلسة الأولى:

- ‌الجلسة الثانية

- ‌صُورَةُ الاِسْتِدْعَاءِ مِنَ الرَّئِيسِ إِلَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ بُوشْمَال

- ‌الجلسة الثالثة

- ‌(الْمَشْهَدُ الْأَخِيرُ:

- ‌هذه "العزيمة

- ‌حاشية:

- ‌مرشد المعلّمين*

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌رئيس جمعية العلماءيتكلم

- ‌لقاء ووفاء *

- ‌واجب المثقّفين نحو الأمة*

- ‌منزلة المثقفين في الأمم الحية:

- ‌كيف يؤدي المثقفون واجبهم نحو الأمة

- ‌الدروس العلمية بتبسة*

- ‌تقرير إلى لجنة الإصلاحات الإسلامية بالجزائر*

- ‌الإصلاح السياسي:

- ‌التقرير* الذي قدّمه مجلس إدارةجمعية العلماء المسلمين الجزائريينإلى الحكومة الجزائرية

- ‌المساجد وأوقافها:

- ‌التعليم العربي الحر ومدارسه ومعلموه

- ‌مطالب جمعية العلماء: في قضية التعليم العربي

- ‌القضاء الإسلامي وتعليمه ورجاله:

- ‌ التعليم القضائي

- ‌ها هي أصول للإصلاح نقدمها بكل إخلاص:

- ‌الوظائف القضائية:

- ‌السلطة العليا:

- ‌محاكم للاستئناف:

- ‌التجول:

- ‌النوادي:

- ‌في السجن العسكريبالعاصمة ثم قسنطينة

- ‌رسالة إلى الأستاذ إبراهيم الكتاني*

- ‌رسالة إلى الطلبة الجزائريين بالزيتونة*

- ‌كتاب مفتوح لسعادة وزير الداخلية

- ‌رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

- ‌رئيس جمعية العلماءومدير «البصائر»ومؤسس «معهد ابن باديس»يتكلم

- ‌بلاغ من جمعية العلماء *

- ‌نصيحة دينية

- ‌المسلمون في جزيرة صقلية*

- ‌السيد محمد خطّاب الفرقاني*

- ‌كوارث الاستعمار*

- ‌إحياء التعليم المسجدي بمدينة قسنطينة*

- ‌معهد قسنطينة*

- ‌شروط قبول التلامذة

- ‌تنبيهات وتوضيحات:

- ‌جريدة (العَلَم) الخفاق أو (العلم) الشامخ*

- ‌عزاء للأستاذ التبسي*

- ‌ديكتاتور (مايو) *

- ‌مبارك الميلي*

- ‌نداء إلى الشعب*

- ‌بلاغ إلى الأمّة العربية الجزائرية*

- ‌الأستاذ محمد بن العربي العلوي*

- ‌ذكرى عبد الحميد بن باديس الثامنة

- ‌ذوق صحفي بارد*

- ‌هدية ذات مغزى جليل*

- ‌نداء وتحذير

- ‌إمتحانات المعهد والمدارس *

- ‌الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌البصائر" ومعهد ابن باديس *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:ما له وما عليه *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس:

- ‌الفرع وأصله:

- ‌ومطالب المعهد:

- ‌النجاح يقوّي الأمل:

- ‌همسة في أذن الأمّة:

- ‌ أيتها الأمّة

- ‌كلمة الختام:

- ‌لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية *

- ‌سنة من عمر "البصائر

- ‌سنة "البصائر" الجديدة *

- ‌جناية الحزبية على التعليم والعلم *

- ‌مجلة أفريقيا الشمالية*

- ‌أدعاية أم سعاية؟ أم هما معًا

- ‌برقية تعزية في وفاة المنصف باي *

- ‌كارثة الأغواط *

- ‌إلى المشائخ المعلمين *

- ‌بيان من المجلس الإداري لجمعية العلماء *

- ‌مقدمة كتاب "مجالس التذكير

- ‌مجالس التذكير *

- ‌جريدة "العلم" الخفاق *

- ‌كيف تشكّلت الهيئة العليا لإعانة فلسطين *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌قادة الجيل الجديد في ميادين العلم *

- ‌قرار من المجلس الإداري لجمعية العلماءالمسلمين الجزائريين *

- ‌زواوة" الكبرى تستمسك بعروة الإسلامالوثقى وتطلب الرجوع إلى الأصل *

- ‌حيّا الله تونس *

- ‌تنبيه أكيد إلى رؤساء الجمعيات المحلية *

- ‌تحذير

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌صوت المسجد

- ‌شكوى العاصمي *

- ‌الشيخ أبو القاسم بن حلوش *

- ‌إلى الأمّة *

- ‌رمضان: وحدة الصوم والإفطار *

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس *

- ‌دروس الوعظ والإرشاد في رمضان *

- ‌إلى الكتّاب *

- ‌ذكرى بدر بمركز جمعية العلماء *

- ‌إلى القرّاء *

- ‌الرقم السجين *

- ‌مؤتمر الثقافة الإسلامية

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌في حفل ختام السنة الدراسيةبمعهد عبد الحميد بن باديس

- ‌محمد خطاب الفرقاني *

- ‌البصائر" في سنتها الثالثة *

- ‌رفع إيهام *

- ‌المعهد والمدارس *

- ‌والمدارس

- ‌نفحات من الشعر الجزائري الحديث*

- ‌برقية احتجاج *

- ‌الفضيل الورتلاني

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الأستاذ علي الحمامي

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الزميل المنستيري *

- ‌أقطاب الفرقة القومية المصرية *

- ‌كتاب "نقرأ ونكتب

- ‌بيان حقيقة ورفع إيهام

- ‌المولد النبوي الكريم

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌مدرسة أولاد سيدي إبراهيم *

- ‌برقية تأييد لمطالب التلامذة الزيتونيين *

- ‌الوعظ في رمضان *

- ‌فتح جامع "الحنايا" ومدرستها *

- ‌المعهد الباديسي *

- ‌مدارس جمعية العلماء *

- ‌الأستاذ إبراهيم الكتّاني *

- ‌رسل الصحافة المصرية في الجزائر *

- ‌البصائر" في سنتها الرابعة *

- ‌رحلتنا إلى باريس *

- ‌بيان من رئاسة جمعية العلماء

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌من ثمرات الأخوة الإسلامية

- ‌افتتاح مدرسة بسكرة *

- ‌فرية غريبة *

- ‌حركة الإسلام في أوروبا *

- ‌حركة جمعية العلماء بباريس *

- ‌الدكتور عبد الكريم جرمانوس *

- ‌نغمة شاذة *

- ‌صحف الشرق العربي *

- ‌الكتب المهداة إلى "البصائر

- ‌اتحاد الأحزاب بالمغرب الأقصى *

- ‌تنصّل من تهمة *

- ‌بيانات للأمّة من المكتب الإداري لجمعيةالعلماء في قضية الصوم والإفطار *

- ‌أكبر زلّة تقترفها لجنة الأهلة *

- ‌ونعود إلى لجنة الأهلة *

- ‌هلال رمضان: معلومات وتنبيهات *

- ‌شكر واعتذار

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌الإجتماع العام لجمعية العلماء *

- ‌نظام الاجتماع

- ‌التقرير الأدبي *

- ‌المدارس

- ‌المعهد الباديسي

- ‌البصائر

- ‌قضية فصل الدين عن الحكومة

- ‌العمل في فرنسا

- ‌العمل في مصر

- ‌ذخر من النصائح للمجلس الجديد:

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس

- ‌بلاغ *

- ‌التهنئة باستقلال ليبيا *

- ‌الأستاذ محي الدين القليبي *

- ‌دار الطلبة بقسنطينة

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌بلاغات *

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌خاتمة السنة الرابعة لـ"البصائر

- ‌فاتحة السنة الخامسة لـ"البصائر

- ‌خطاب أمام الوفود العربية والإسلاميةفي الأمم المتحدة *

الفصل: -‌ ‌ 2 - * بسم الله الرحمن الرحيم   أيها الإخوان أحيي على بعد

-‌

‌ 2

- *

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوان

أحيي على بعد الدار إخواني المؤتمرين رجال العلم، وأهل الفضل والنبل، وقد جمعتْهم غاية واحدة، وحدا بهم حادٍ واحد، هو خدمة الثقافة الإسلامية والكشف عن مكنوناتها المخبوءة.

لا يضير هذه التحية أن تكون صدى بعيد الرجع

فإن البُعد أبلغ في البلوغ، فنور الشمس لا يَتَلأْلَأ إلّا في البُعد السحيق.

أيها المؤتمرون الكرام

أحييكم تحية المسلم البرّ بدينه ولغته، لِلْمُسلم البرّ بدينه ولغته، وأكبر فيكم هذه الهمم التي دفعتكم لهذا النوع المثمر من خدمة الإسلام وإحياء مآثر رجاله، وأرجو أن يكون مؤتمركم مقدمة لأمثاله وفاتحة لما هو أكبر منه وأعمّ فائدة، وأغبطكم على ما حظيتم به من اجتماع كان أمنية المتمني وخيال المتخيل فأصبح حقيقة وأصبح واقعًا.

أيها الإخوان: تمنيتُ- منذ دعا داعي المؤتمر فأسمع- أن أكون من حاضريه ومن المشاركين لكم بجهد المستطيع في بنائه وتعميره، ولكن أعمالي للثقافة الإسلامية، في وطن متطلع للثقافة الإسلامية، عاقتني عن حضور مؤتمر الثقافة الإسلامية، وعسى أن تكون أعمالي شفيعة لي عند إخواني فلا يرمونني بتقصير.

* مسودة رسالة بعث بها الإمام إلى مؤتمر الثقافة الإسلامية، وُجِدتْ بين أوراقه.

ص: 307

أيها الإخوان: ما زلت أتمنى على الله أمنية شغلت عقلي وفكري منذ مِزْت الخير من الشر، وهي أن يسترجع علماء الإسلام ما أضاعوه من قيادة المسلمين، وما زالت الأقدار تدافعني عن هذه الأمنية وتؤيسني منها حتى دلتني المخايل الصادقة من مؤتمركم هذا وتباشير أخرى سبقته على أن هذه الأمنية قريبة المنال إذا صحّت العزائم.

إن علماء الدين أئمة، فإذا لم يخدموا الأمم الإسلامية في جميع الميادين النافعة، ولم يقودوها بقوة في المقاصد الصالحة، ولم يصرفوها في نواحي الخير والمصلحة، ولم يوجّهوها إلى شرف الحياتين وسعادة الدارين، وإذا لم تتوجه الأمة إلى حيث وجّهوها، ولم تستقبل الوجهة التي استقبلوها، فلا معنى لهذه الإمامة.

أن قيادة علماء الدين للأمة هي وظيفتهم الأصيلة، وهي وظيفة يفرضها الدين ويرتضيها العقل، وتوجبها مصلحة المسلمين، وقد فرط علماءنا في القيام بهذه الوظيفة منذ أزمنة متطاولة، فخرجت القيادة من أيديهم إلى أيدٍ لا تحسن القيادة، أو تحسنها في سبيل غير سبيل الدين ومدار غير مداره، فانتهت الأمة بقيادة هؤلاء إلى ما ترون وتشهدون، وليس ما ترون وتشهدون بالذي يرضاه الله ودينه، أو ترتضيه الحياة الشريفة.

جرّبت الأمم الإسلامية- بعد الصدر الفاضل- أنواعًا من القيادة، فما أوقعتها إلاّ في المهالك والبلايا، وما كانت عواقبها إلّا عقوبات، وقد أفلست جميع التجارب، واستشرف المسلمون إلى هداةٍ وحُدَاةٍ من علماء الدين يستردون ما أضاعوه من سلطان، حتى يردّوا هذا السواد المنتشر المتخبّط في داجية من الضلال في الدين والدنيا، إلى الحظيرة الجامعة والقلعة المنيعة، وإن الاسترداد لهذا الحق الضائع لَأقرب منالًا إذا اجتمعتم مثل اجتماعكم اليوم، وفكرتم في المسألة حق التفكير، وإن في زمنكم وأحداثه وفي أمتكم وتجاربها لَأَعوانًا لكم على تقريب الغاية وصدق الآية.

إنّ في العالم الديني الموفق شمائل من الدين ونفحات من روح الله وآثارًا من قوته، وفي الإسلام القوّة والرحمة، والعدل والحكمة، والصدق والنصيحة، والعفة والأمانة، والإيثار والتضحية، وهذه- لعمركم- هي جوامع المؤهلات للقيادة حتى في هذا الزمن الطافر، وفي هذا العالم الكافر، وقد أصبحت الأمم التي جافت الدين وصدت عنه تلتمس شعاعه تهتدي به في ظلمات الحياة، وأسبابه لتعتصم به من هذه السيول الجارفة من الآراء والأحداث، فكيف بأمة لم تنقطع بينها وبين دينها الأسباب.

اجعلوا من بعض أعمالكم في هذا المؤتمر استعادة سلطان الدين على النفوس وفي قيادة الأمة بزمام الدين، فإن في تقوية النفوذ الديني تقوية لسلطانكم على الأمة.

ص: 308

أيها الإخوان: إن للثقافة الإسلامية ماضيًا مشرقًا وحاضرًا مظلمًا، فهل لكم يا أنصار الثقافة أن لا تقصروا جهودكم وأبحاثكم على ماضيها، وهل لكم أن تعطوا مستقبلها الحظ الأوفر من عنايتكم، فتخطوا لمستقبل الثقافة الإسلامية معالم جديدة يهتدي بها الجيل الجديد.

إن هذا الجيل الجديد من أبنائنا واقف في مفترق طرق لا يدري أيها يسلك وقد فتح عينيه على زخارف تستهوي من الثقافة الغربية، وقد أصبحت هذه الثقافة أقرب إلى عقله وذوقه لما مهّد أهلها ودعاتها من المسالك إلى النفوس، ولما تنطوي عليه من المغريات والمعاني الحيوانية، ولما فيها من موجبات التحلل والانطلاق، ولما تزخر به من الشهوات وحظوظ الجسد، ولما يشهد لأهلها من شهود العلم، وهو يفتح عينيه كل يوم منها على جديد.

أما الثقافة الإسلامية التي هي أحق به وهو أحقّ بها فقد أصابها من الجمود والركود ما جعلها بعيدة من عقله، غريبة عن ذوقه، نافرة من إحساسه، وما ذلك كله إلّا من سوء ما صنع الأب، وما صنعت الأم، وما أثّر الكتاب، وما طبع المعلّم، وما اقترف المجتمع، حتى أصبح الناشئ يحتقر أبويه، ويستحي من جنسه، ويسخر من دينه، وما بينه وبين أن يتنكّر لهؤلاء جميعًا إلّا أن يطلع على شيء من آداب الغرب، أَوْ يُلِمَّ بشيء من لغات الغرب ومجتمعات الغرب.

إن المظهر البارز للثقافة الإسلامية هو كتبنا وعلومنا ومناهج الدراسة عندنا وأساليب البحث وطرائق التربية، ومن الكذب على الله وعلى الحق أن نزعم أن الكتب التي ندرسها، والمناهج التي نسلكها تحقق المعنى العالي للثقافة الإسلامية.

وإن الثقافة، إذا تحقق معناها العرفي الواسع مسايرًا لمأخذها اللغوي الضيّق، تلابس النفوس، وتتغلغل إلى المكامن، وتدبّ إلى السرائر، فتجتث من الفرد أسباب النقص ومن الجماعة آثار الركود، وتفيض على الجميع روح الحياة، يصبحون بها صالحين للحياة.

وإن أكبر امتحان تمتحن به الثقافة الإسلامية في أدوارها الأخيرة أن نقتطع في تاريخ الإسلام صحائفه الأخيرة، وهي خمسة قرون ونصف قرن وننظر ماذا تحدر إلينا من أهلها من الآثار والأعمال، وقد نجد عشرات الألوف من المؤلفات، أقلّها السمين، وأكثرها الغثّ، فتكون النتيجة أننا أضعنا خمسة قرون ونصف قرن في الأقوال من غير أن نعمل شيئًا.

هذه الآثار القولية ظاهرة في الشروح والحواشي والتعاليق المملوءة بالجدل اللّفظي العقيم، فأين الآثار العلمية في هذا الانحطاط المريع في الأخلاق، وهذا الزيغ الملحد في العقائد، وهذا الوهن في العزائم، وهذا الاستسلام الذي أفضى بنا إلى الاستعباد.

ص: 309

أيها الإخوان: أعيذكم بالله وبشرف الثقافة وبروح الجدّ من عصركم أن تهتمّوا بالماضي دون الحاضر أو بالحاضر دون المستقبل.

صِلوا مستقبل الثقافة الإسلامية بماضيها البعيد، واقطعوا من هذه السلسلة الطويلة عدّة حلقات هي هذه القرون الخمسة، فلا تمروا بها إلاّ للعظة والاعتبار، إذْ ليس فيها ما يُشرِّف ولا ما يحسّن سمعة المسلمين.

ستفترقون غدًا وسيقول الناس عنكم ما يقولون، فاحذروا أن يقولوا عنكم بعد الآن ما كانوا يقولون: إنهم قوّالون، وإنهم مازالوا حيث كانوا وكان أسلافهم الأقربون، يقولون كثيرًا ولا يعملون شيئًا، وإن عالَم العمل لم يعرف لعلماء الدين منهم فضيلة إلّا التلقيب "بصاحب الفضيلة".

ان من ورائكم ومن بين أيديكم وعن أيمانكم وعن شمائلكم عالَمًا عرف المؤتمرات، وعرف كيف يستفيد منها، وعرف كيف يجعلها أداة للأعمال ووسيلة إلى المفيد، وانهم يرقبونكم بالنظر الفاحص والفكر الناقد، فاعرفوا كيف تدفعون هذا الازدراء.

لا تفترقوا حتى تقرروا إعادة هذا المؤتمر وتجعلوه سنّة سنوية، وأن يكون الحديث عليه ملء النوادي وشغل الألْسنة، واجعلوه كالشمس لا تغرب اليوم إلّا تشرق غدًا، ولا تغيب إلّا تترك الشوق والانتظار.

وهاتوا الحديث عن منابع الثقافة الإسلامية في عصركم الحاضر: الأزهر والقرويين والزيتونة ومعاهد الشام والعراق والهند. إنها محتاجة إلى الإصلاح، وإنها مفتقرة إلى التوحيد، وإنها في حاجة إلى التوجيه الصالح.

ص: 310