الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في قسم المفصل:
(عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بطولى الطوليين» رواه البخاري وأحمد والنسائي. بمناسبة هذا الحديث قال الشوكاني في تفسير المفصل: قال في الضياء: (هو من سورة محمد إلى آخر القرآن، وذكر في القاموس أقوالا عشرة من الحجرات إلى آخره، أو من الجاثية، أو القتال، أو قاف، أو الصافات، أو الصف، أو تبارك، أو إنا فتحنا لك، أو سبح اسم ربك الأعلى، أو الضحى، ونسب بعض هذه الأقوال إلى من قال بها، قال: وسمي مفصلا لكثرة الفصول بين سورة أو لقلة المنسوخ).
وطولى الطوليين الواردة في الأثر: الأعراف، والثانية: الأنعام. قال في الفتح: الطوليين الأعراف والأنعام في قول، وتسميتهما بالطوليين إنما هو لعرف فيهما، لا أنهما أطول من غيرهما
…
وبمناسبة الحديث الشريف: «وعن سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال: ما رأيت رجلا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان لإمام كان في المدينة، قال سليمان: فصليت خلفه فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الآخرتين، ويخفف العصر، ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل، ويقرأ في الغداة بطوال المفصل» رواه أحمد والنسائي.
بمناسبة هذا الحديث قال الشوكاني: (ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل) قد تقدم في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالقراءة بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وهذه السور من أوساط المفصل، وزاد مسلم أنه أمره بقراءة اقرأ باسم ربك الذي خلق، وزاد عبد الرزاق الضحى، وفي رواية للحميدي بزيادة والسماء ذات البروج، والسماء والطارق، وقد عرفت أن قصة معاذ كانت في صلاة العشاء، وثبت أنه كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العشاء بالشمس وضحاها ونحوها من السور. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه من حديث بريدة وأنه قرأ فيها ب (والتين والزيتون) أخرجه البخاري ومسلم
والترمذي من حديث البراء، وأنه قرأ ب (إذا السماء انشقت) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة) اه. كلام الشوكاني في تفسير وسط المفصل وقال الشرنبلالي في مراقي الفلاح:(والمفصل هو السبع السابع (أي: من القرآن) قيل أوله- عند الأكثرين- من سورة الحجرات، وقيل من سورة محمد صلى الله عليه وسلم، أو من الفتح، أو من (ق)، فالطوال من مبدئه إلى
البروج، وأوساطه منها إلى (لم يكن)، وقصاره منها إلى آخره، وقيل طواله من الحجرات إلى عبس، وأوساطه من كورت إلى الضحى، والباقي قصاره).
وقال الشرنبلالي: (وسمي المفصل به لكثرة فصوله، وقيل لقلة المنسوخ فيه).
وفسر الطحاوي كثرة الفصول بقوله: (أي: لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة) وقال في تفسير قلة المنسوخ فيه بقوله: (فهو من التفصيل بمعنى الإحكام وعدم التغيير).
…
مما نقلناه ندرك أن اسم المفصل للسبع السابع من القرآن متعارف عليه بين الصحابة وبين الفقهاء خلال العصور، كما ندرك أن تحديده قضية خلافية، وقد رأينا في بداية تفسيرنا لسورة (ق) أن ابن كثير يرجح أن ابتداءه من سورة (ق). وقلنا هناك: إننا نرجح أن يكون ابتداؤه من سورة الذاريات، وذكرنا لماذا رجحنا ذلك، ولاحظنا مما نقلناه هنا أن هناك اتفاقا بين المؤلفين على أنه سمي مفصلا لأحد سببين:
إما لكثرة فصوله، أو لقلة المنسوخ فيه، ورأينا أن الطحاوي ضعف القول الثاني إذ قال قبله:(وقيل لقلة المنسوخ فيه) وإنما تستعمل كلمة (قبل) للتدليل على ضعف القول، فيبقى القول الأول هو القول المرجح عند الطحاوي من أنه سمي مفصلا لكثرة فصوله، وفسر كثرة الفصول بكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.
أقول: وهو وجه مما تحتمله كلمة كثرة الفصول، إذ ما قبل المفصل يوجد خمسون سورة بما في ذلك سورة الفاتحة، بينما توجد من الذاريات حتى نهاية القرآن أربعة وستون سورة، إلا أنني أحتمل أن يكون الشارح الذي شرح المفصل بكثرة الفصول أراد (الفصل) بالمعنى الاصطلاحي عند العلماء؛ فإنه المتبادر إلى الذهن عند ما يقال الفصول، إذ هي جمع فصل والفصل في اصطلاح العلماء قديما وحديثا هو:
ما دون الباب في تقسيمات المؤلفين، فقد اصطلحوا على أن الكتاب أعم من الباب، والباب أعم من الفصل، والذي أرجحه أن الشارح الأول إنما أراد بالفصل ما اصطلحوا عليه، والذي يرجح هذا أن المتأمل للمفصل يحس بشكل واضح بتعدد فصوله من خلال تعدد أنواع البدايات للسور، ومن خلال التشابه بين بداية وبداية، ومن ثم فإنني أفهم بأن المراد بالفصل هو ما أسميته في هذا التفسير باسم المجموعة، وإن لم يكن واضحا عند السابقين هذا التحديد الدقيق لمعنى الفصل في المفصل، فالذي أراه
في هذا الموضوع أن تسمية المفصل تسمية مأثورة، وقد فسر السابقون الكلمة بكثرة الفصول لمعنى غامض أحسوه في هذا القسم، هذا المعنى الغامض هو الذي تفسره هذه الطريقة التي اعتمدتها في تقسيم القرآن إلى أقسام، وكل قسم يضم مجموعات، كل مجموعة تشكل فصلا من فصول هذا القرآن، وسمي هذا القسم الرابع من القرآن (بالمفصل) لكثرة هذه المجموعات فيه، وكما قلنا من قبل فإن ما مر معنا قبل المفصل كان سورة البقرة وتسع مجموعات، بينما نجد أن المفصل وحده كما سنرى خمس عشرة مجموعة، يضم سور كل مجموعة إلى بعضها أنها تفصل في البقرة من بدايتها إلى نقطة فيها، ثم تأتي المجموعة الثانية والثالثة وهكذا لتفصل كل منها تفصيلا جديدا.
…
وعند ما نعرض مجموعات المفصل سنذكر عند كل مجموعة الأسباب التي حملتنا على اعتبارها مجموعة، وقد رأينا فيما مر طريقتنا في التدليل على القسم وعلى المجموعات، ولا شك أن ما مر معنا من قبل يشكل بالنسبة للمرحلة القادمة من التفسير نقاط علام، فقد رأينا مثلا أن السور المبدوءة بقسم تشكل بداية مجموعة، وسنرى بدايات جديدة لمجموعات في هذا القسم، والذي نحب أن نذكر به بهذه المناسبة هو:
…
إنك تلاحظ أن سورا كثيرة في هذا القسم مبدوءة بقسم، ثم يأتي بعد القسم أو الأقسام سورة أو سور، ثم يظهر القسم مرة ثانية، وأحيانا تجد بعد القسم سورا تتشابه بداياتها، وأحيانا تجد بداية تتكرر، ولكن فيما بين البداية والبداية سور ليست مبدوءة بهذه البداية، كما ترى ذلك في زمرة المسبحات، إن ذلك كله يلفت النظر للبحث عن قاعدة كلية تنتظم هذه الدورة، وإننا نتصور أن ما اتجهنا إليه في هذا التفسير كان هو التفسير لهذه الظاهرة وأمثالها، والمعاني مع بعض نقاط العلام التي نستأنس بها هي التي تقدم الدليل على صحة السير.
…
يتألف هذا القسم من خمس عشرة مجموعة. وكل مجموعة تفصل في معان من سورة البقرة من بدايتها إلى شئ منها، وكل سورة في مجموعة لها محورها من سورة البقرة، فهي تفصل في هذا المحور، وفي امتداده في سورة البقرة، وهو شئ قد رأيناه كثيرا، ورأينا الدليل عليه مرة بعد مرة.
وسنرى أن عامة محاور سور هذه المجموعات تفصل في مقدمة سورة البقرة والمقطعين الأولين من القسم الأول منها، وهذا يشير إلى أهمية هذه المعاني بالنسبة لمجموع المعاني القرآنية، حتى اقتضت في كل مجموعة من هذا القسم تفصيلا على كثرة المجموعات، كما أنها قد فصلت في كل مجموعة من قسم المثاني، أو قسم المئين، أو قسم الطوال.
..
ولنبدأ عرض مجموعات هذا القسم.
***