الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما فهمناه هناك من السياق نراه هاهنا صراحة.
2 -
بدأت السورة بالكلام عن خلق الموت والحياة، وحكمة ذلك، وسارت في سياقها الرئيسي في عرض مظاهر الخلق، حتى استقرت على الآية الأخيرة لتبدأ حوارا مع الكافرين بالله واليوم الآخر، فبعد أن أقامت الحجة على الكافرين، وبعد أن لفتت نظر الإنسان إلى وجوب الشكر، تبدأ السورة في الخطاب المباشر للإنسان لتقتلع جذور الكفر بالله واليوم الآخر في مجموعتين متلاحقتين: الأولى عمادها الاستفهام، والثانية عمادها الأمر (قل).
3 -
لاحظ أن محور السورة يبدأ بهذا الخطاب كَيْفَ تَكْفُرُونَ
…
وأن الآية الأولى من المجموعة القادمة تقول: أَأَمِنْتُمْ لاحظ التشابه، فآية المحور فيها خطاب للإنسان الكافر، وآية المجموعة الأولى وما بعدها فيها خطاب مباشر للإنسان الكافر، وآية المحور تبدأ باستفهام، والمجموعة تبدأ باستفهام، وفي الاستفهام هنا تعجيب وإنكار كما أنه هناك كذلك.
تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أي: أأمنتم الله عز وجل أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ من تحتكم فَإِذا هِيَ تَمُورُ أي: تضطرب وتتزلزل بكم جزاء لكم على كفركم، أو ليس هو الذي جعلها لكم ذلولا، أو ليس القادر على خلقها كما هي قادرا على أن يفعل فيها هذا
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أي: حجارة.
قال ابن كثير: أي: ريحا فيها حصباء تدمغكم فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ أي: إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم. قال ابن كثير: أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ لقد كان عظيما شديدا أليما، فكيف يأمن هؤلاء تعذيبي لهم على كفرهم.
قال النسفي: ثم نبه الله على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ أي:
باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن وَيَقْبِضْنَ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ما يُمْسِكُهُنَّ أي: في الجو إِلَّا الرَّحْمنُ قال ابن كثير: أي: بما سخر لهن من الهواء من رحمته ولطفه. وقال النسفي: أي: ما يمسكهن عن الوقوع عند القبض
والبسط إلا الرحمن بقدرته إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ قال ابن كثير: أي: بما يصلح كل شئ من مخلوقاته. وقال النسفي: أي: يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب.
أقول: لفت الله عز وجل النظر إلى بديع صنعه في خلقه الطير على ما هو عليه، وجعله سنن الكون تخدمه، إلى بصارته تعالى في الأشياء وخلقها، وهذا يقتضي من الإنسان إيمانا وخشية، لا كفرا وأمنا،
ثم قال تعالى منكرا عليهم أمنهم، وحاملا لهم على خشيته: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ قال ابن كثير:
أي: ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ولا ناصر لكم، وقال النسفي: والمعنى:
من المشار إليه بالنصر غير الله؟ أقول: وإذ كان الجواب بالنفي فإن الله عز وجل يقول:
إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أي: ما هم إلا في غرور عند ما يأمنون عذابه أو يتكلون على غيره، أو يكفرون به، أو يعبدون سواه،
ثم قال تعالى: أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ قال ابن كثير: (أي: من هذا الذي إذا قطع الله عنكم رزقه يرزقكم بعده أي: لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق وينصر إلا الله عز وجل وحده لا شريك له) يعلمون ذلك، ويعبدون غيره. وفي الصيغة إنكار عليهم في كفرهم، ومطالبة لهم أن يؤمنوا ولكن لما كانوا قد وصلوا إلى حالة من الكفر لم يعد لهم معها رجعة إلى الإيمان قال: بَلْ لَجُّوا أي: تمادوا فِي عُتُوٍّ أي: استكبار عن الحق وَنُفُورٍ أي: وشراد عنه لثقله عليهم فلم يتبعوه. قال ابن كثير: أي:
استمروا في طغيانهم وإفكهم، وضلالهم
…
في معاندة واستكبار، ونفور على أدبارهم عن الحق لا يسمعون له، ولا يتبعونه.
أقول: ثم ضرب الله مثلا لحال الكافر والمؤمن، منه يفهم أن هؤلاء الكافرين في غاية الضلال. فقال: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أي: ساقطا على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفا أَهْدى أي:
أرشد أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا أي: مستويا منتصبا سالما من العثور والخرور عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ على طريق مستو. قال ابن كثير: (وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه، منحنيا لا مستويا على وجهه، أي: لا يدري أين يسلك، ولا كيف يذهب، بل تائه ضال. أهذا أهدى أَمَّنْ يَمْشِي
سَوِيًّا
أي: منتصب القامة عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: على طريق واضح بين، وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة، وهذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكونون في الآخرة، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم، مفض به إلى الجنة الفيحاء، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم). وبهذا انتهت