الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة الرحمن ومحورها:
بعد مقدمة سورة البقرة يأتي القسم الأول منها: وبدايته: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ والذي نهايته: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ* إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً
…
وكنا ذكرنا من قبل أن القسم الأول من سورة البقرة ختم بنفس المعاني التي ابتدأ بها، ومن ملاحظة البداية والنهاية علمنا أن الله عز وجل عرفنا فيه على ذاته، وطالبنا بعبادته وحده من خلال تذكيرنا بخلقنا وما خلق لنا. وسورة الرحمن إنما هي تذكير بذلك كله، فمحورها الآيتان الآتيتان بعد مقدمة سورة البقرة، وامتداد هاتين الآيتين في سورة البقرة مما فيه تذكير بالخلق والنعمة.
..
لاحظ ما يلي:
- في آيتي سورة البقرة:
…
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وفي سورة الرحمن: خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ وفي آيتي سورة البقرة: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وفي سورة الرحمن: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ* وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ* فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ* وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ.
- ومن امتدادات آيتي سورة البقرة قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وفي سورة الرحمن تفصيل ذلك.
- ومن امتدادات الآيتين قصة خلق الإنسان الموجودة في مقطع آدم عليه السلام، وفي سورة الرحمن تفصيل ذلك: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ
الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ.
- ومن امتدادات الآيتين قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ وتبدأ سورة الرحمن بذكر اسم الله الرحمن الرَّحْمنُ ثم ترينا مظاهر رحمته.
- ويأتي بعد قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ في سورة البقرة آية إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ويأتي في سورة الرحمن تفصيل لذلك رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ. وتختم السورة بالتبشير والإنذار كما جاء بعد آيتي المحور من سورة البقرة:
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ فلقد ختمت سورة الرحمن بالكلام عن النار وعن الجنات، وثمارها وأنهارها وحورها وغير ذلك، ولكن هذه المعاني في سورة الرحمن مصاغة صياغة جديدة، ومبني عليها ما يقتضيه البناء مع تفصيلات وزيادات وضمن سياق خاص للسورة.
فالسورة لها سياقها الخاص بها، وهي تفصل في محورها، وتأخذ محلها بين مجموعتها.
…
وآيتا المحور في البقرة بدأتا بنداء الناس، ومن المعلوم أنه كما إن الإنس مكلفون فالجن مكلفون، وجاءت سورة الرحمن لتوجه الخطاب للإنس والجن.
…
وقد ذكر في سورة الذاريات وسورة النجم الإحسان، وسنرى في سورة الرحمن قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ورأينا في سورة الطور أن الإشفاق خلق من أخلاق المتقين، ونجد في سورة الرحمن قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ وهذا مظهر من مظاهر تكامل سور المجموعة، وسيتضح لنا محل سورة الرحمن
ومحورها بشكل أوسع عند عرض تفسيرها. تتألف السورة من ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: وهي مقدمة السورة وتمتد إلى نهاية الآية (13).
المجموعة الثانية: وتمتد من الآية (14) إلى نهاية الآية (36).
المجموعة الثالثة: وتمتد من الآية (37) إلى نهاية الآية (78) أي: إلى نهاية السورة. فلنبدأ عرض السورة.
***