الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ كما أنه من المفيد أن نلاحظ كيف أن تفصيل المحور اقتضى أن يشد إلى هذا المحور الأمر بالعبادة الآتي في سورة البقرة بعد المقدمة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ. إن الأمر بالسجود والعبادة دعوة للصلاة، وإن الإنكار على البخلاء دعوة إلى الإنفاق، والحديث عن صحف إبراهيم وموسى حديث عما أنزل على الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، والحديث عن القرآن دعوة إلى الإيمان به، والكلام عما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب دعوة إلى الإيمان بالغيب، فالسورة فصلت في محورها كله ضمن سياقها الخاص بها، وأكملت في الوقت نفسه ما ورد في سورتي الذاريات والطور.
2 -
يلاحظ أن السورة انتهت بقوله تعالى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ
…
وأن السورة اللاحقة مبدوءة بقوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
…
فالصلة واضحة بين نهاية السورة وبداية السورة اللاحقة.
فوائد:
1 -
قدم ابن كثير لتفسير سورة النجم بهذا الحديث: (روى البخاري عن عبد الله قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة (والنجم) قال: فسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا، وهو أمية بن خلف، وقد رواه البخاري أيضا في مواضع، ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن أبي إسحاق به، وقوله في الممتنع أنه أمية بن خلف في هذه الرواية مشكل؛ فإنه قد جاء من غير هذه الطريق أنه عتبة بن ربيعة).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى نقول: رأينا الاتجاهات المتعددة في تفسير هذه الآية، ولا نرجح واحدا منها، غير أننا نذكر أن علم الفلك الحديث سجل ظاهرتين تحدثان للنجوم: ظاهرة انفجار نجم، وظاهرة انتهائه، كما أنه قد تجمع لدى الإنسان عن ظاهرة النيازك التي تصطدم بجو الأرض فتحدث الشهب الكثير، والشهب لا تخرج عن كونها قطعا منفصلة عن نجوم، وبكل من هذه الظواهر يمكن أن تفسر الآية، كما يمكن أن تفسر بأن المراد بها جنس النجم إذا انتهى يوم القيامة، فيكون قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى يشبه قوله تعالى: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وأمثال هاتين الآيتين.
3 -
بمناسبة قوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى
قال النسفي: (ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام، ويجاب بأن الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد، وقررهم عليه، كان كالوحي لا نطقا عن الهوى) وقال ابن كثير: (أي إنما يقول ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان كما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليدخل الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين- أو مثل أحد الحيين- ربيعة ومضر» فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر قال: «إنما أقول ما أقول» .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو وقال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق» ورواه أبو داود.
وروى الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه» ثم قال: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا أقول إلا حقا» قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟ قال: «إني لا أقول إلا حقا» ).
4 -
في فهم قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى يثور جدال عنيف حول رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه يوم الإسراء والمعراج، وكل من المختلفين يحاول أن يستدل بالآيات على النفي أو الإثبات، والذي أراه أن هذه الآيات لا تصلح شاهدا لهذا الموضوع، بل هي في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية، وعلى هذا فموضوع الرؤية ينبغي أن يبحث على أنه موضوع مستقل عن هذه الآيات، وقد نقل ابن كثير الكثير من الروايات المتعلقة بالآيات، وكثيرا من وجهات النظر فيها، وقد اعتمدنا في صلب التفسير ما اعتمده، وهاهنا ننقل بعض ما ذكره في هذا المقام قال:
(وكانت هذه الرؤية الأولى في أوائل البعثة، بعد ما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة، فأوحى الله إليه صدر سورة (اقرأ)، ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها مرارا ليتردى من رءوس الجبال، فكلما هم بذلك ناداه جبريل من الهواء يا محمد أنت رسول الله حقا، وأنا جبريل، فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه، وكلما طال عليه الأمر عاد لمثلها حتى تبدى له جبريل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق، فاقترب منه وأوحى إليه عن الله عز وجل ما أمره به، فعرف عند ذلك عظمة الملك
الذي جاءه بالرسالة، وجلالة قدره، وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه). (وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قال: رأى جبريل عليه السلام. (وروى الإمام أحمد عن عبد الله أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم). (وروى البخاري عن الشيباني قال: سألت زرا عن قوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى قال: حدثنا عبد الله أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح. وروى ابن جرير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض، فعلى ما ذكرناه يكون قوله: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى معناه:
فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، أو أوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل، وكلا المعنيين صحيح. وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين، أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق. وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد فذلك قوله: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى). (وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود في هذه الآية وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتثر من ريشه التهاويل من الدر والياقوت» وهذا إسناد جيد قوي. وروى أحمد أيضا عن عبد الله قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق: يسقط من جناحه من التهاويل من الدر والياقوت ما الله به عليم. إسناده حسن أيضا. وروى الإمام أحمد أيضا سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جبريل على سدرة المنتهى وله ستمائة جناح» سألت عاصما عن الأجنحة فأبى أن يخبرني، قال: فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب. وهذا أيضا إسناد جيد). (فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي عز وجل» فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد
…
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني ربي الليلة في أحسن صورة- أحسبه يعني في النوم- فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى، قال: قلت لا، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي- أو قال نحري- فعلمت ما في السموات
وما في الأرض ثم قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات؟ قال: قلت المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء في المكاره، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: قل يا محمد إذا صليت اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام»).
أقول: كما نقل ابن كثير هذه الروايات نقل الروايات التي تفيد رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لله، ونقل الروايات التي فسر فيها بعضهم آيات النجم على أنها تفيد رؤية الله عز وجل وناقشها، والذي ينشرح له الصدر هو ما ذكرناه من أن آيات سورة النجم لا تفيد إلا رؤية جبريل، ثم ينظر في الروايات المثبتة للرؤية على حدة فإن كانت تقوم بها الحجة فقد ثبتت الرؤية بها، والقضية خلافية منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أثبتها بعض كبار علمائهم كابن عباس رضي الله عنهما، ونفاها بعض كبار علمائهم كعائشة رضي الله عنها.
5 -
بمناسبة قوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى قال ابن كثير:
(وروى الإمام أحمد عن عبد الله- هو ابن مسعود- قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى- وهي في السماء السابعة- إليها ينتهي ما
يعرج من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها، فيقبض منها إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى قال فراش من ذهب، قال: وأعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا: «أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر الله لمن لا يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات» انفرد به مسلم).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى نقول: إن المتأمل لحادثة الإسراء والمعراج وما ذكره الله عز وجل فيهما من قوله في سورة الإسراء لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ومن قوله: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى يرى أن الحكمة في هذه الرحلة هي أن يطلع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم على بعض أمر الغيب، ليكون ما يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهدا من قبله، وهو الصادق الأمين، فتقوم الحجة على الخلق، ويزداد المؤمنون اطمئنانا، ومن ملاحظة قوله تعالى لموسى عليه
السلام: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى * اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ
…
نحس أن الله عز وجل أرى موسى من آياته الكبرى عند ما كلفه بمجابهة فرعون ليكون أكثر اطمئنانا في هذه المجابهة، ورسولنا عليه الصلاة والسلام أراه الله من آياته الكبرى قبيل الهجرة التي ستعقبها المجابهة الكبرى مع العرب والعالم ليكون أكثر اطمئنانا.
7 -
بمناسبة قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى قال ابن كثير: (وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة، وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف وهم ثقيف ومن تابعها يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش، قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم (الله) فقالوا: اللات يعنون مؤنثة منه- تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا- وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرءوا اللات بتشديد التاء، وفسروه بأنه كان رجلا يلت للحجيج في الجاهلية السويق فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (اللات والعزى) قال: كان اللات رجلا يلت السويق سويق الحاج. قال ابن جرير: وكذا العزى من (العزيز) وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة، وهي بين مكة والطائف، كانت قريش يعظمونها، كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:«قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق» فهذا محمول على من سبق لسانه في ذلك كما كانت ألسنتهم قد اعتادته في زمن الجاهلية، كما روى النسائي عن سعد ابن أبي وقاص قال: حلفت باللات والعزى فقال لي أصحابي: بئس ما قلت قلت هجرا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال:«قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، وانفث عن شمالك ثلاثا وتعوذ من الشيطان الرجيم ثم لا تعد» وأما مناة فكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة، وروى البخاري عن عائشة نحوه، وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها. قال ابن إسحاق في السيرة، وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت- وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة- لها سدنة
وحجاب، وتهدي لها كما تهدي للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها وهي تعرف فضل الكعبة عليها؛ لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده، فكانت لقريش، ولبني كنانة العزى بنخلة، وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم. (قلت): بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك
…
إني رأيت الله قد أهانك
قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف، وكان سدنتها وحجابها بني معتب. (قلت): وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب فهدماها وجعل مكانها مسجدا بالطائف، قال ابن إسحاق: وكانت مناة للأوس والخزرج، ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أبا سفيان صخر بن حرب فهدمها، ويقال علي بن أبي طالب، قال: وكانت ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة. (قلت): وكان يقال لها الكعبة اليمانية التي بمكة الكعبة الشامية، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي فهدمه، قال: وكانت قيس لطي ومن يليها بجبل طي بين سلمى وأجا، قال ابن هشام: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه، واصطفى منه سيفين: الرسوب والمخزم، فنفله إياهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما سيفا علي، قال ابن إسحاق: وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له رئام وذكر أنه كان به كلب أسود، وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتلاه، وهدما البيت، قال ابن إسحاق: وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب ابن سعد حين هدمها في الإسلام:
ولقد شددت على رضاء شدة
…
فتركتها قفرا بقاع أسمحا
قال ابن هشام: إنه عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة وهو القائل:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مائتان لي
…
وعمرت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقى إلا كما قد فاتنا
…
يوم يمر وليلة تحدونا
قال ابن إسحاق: وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة:
بين الخورنق والسدير وبارق
…
والبيت ذو الكعبات من سنداد
ولهذا قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى).
8 -
بمناسبة قوله تعالى: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته» تفرد به أحمد).
9 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً قال ابن كثير: (وقد ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قال ابن كثير: (وقد روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له» وفي الدعاء المأثور: «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا»).
11 -
بمناسبة قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة؛ فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذب» أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به. وروى ابن جرير عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال: زنا العينين النظر، وزنا الفم التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، فإن تقدم بفرجه كان زانيا، وإلا فهو اللمم. وكذا قال مسروق والشعبي، وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي قال: سألت أبا هريرة عن قول الله: إِلَّا اللَّمَمَ قال: القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة، فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهو الزنا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
إِلَّا اللَّمَمَ إلا ما سلف، وكذا قال زيد بن أسلم، وروى ابن جرير عن مجاهد أنه قال في هذه الآية إِلَّا اللَّمَمَ قال الذي يلم بالذنب ثم يدعه قال الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما
…
وأي عبد لك ما ألما؟
وروى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى: إِلَّا اللَّمَمَ قال: الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه، وقال وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون:
إن تغفر اللهم تغفر جما
…
وأي عبد لك ما ألما؟
وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا روى ابن جرير عن ابن عباس الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ قال: هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن تغفر اللهم تغفر جما
…
وأي عبد لك ما ألما؟
وهكذا رواه الترمذي وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب، وروى ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أراه رفعه في الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ قال: اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود. واللمم من السرقة ثم يتوب ولا يعود، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود قال فذلك الإلمام. وحدثنا ابن بشار عن الحسن في قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ قال: اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ثم لا يعود. وعن الحسن في قول الله: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: هو الرجل يصيب اللمة من الزنا، واللمة من شرب الخمر فيجتنبها ويتوب منها. وروى ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس إِلَّا اللَّمَمَ يلم بها في الحين قلت: الزنا؟ قال: الزنا ثم يتوب، وقال ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اللمم الذي يلم المرة. وقال السدي قال أبو صالح سئلت عن اللمم فقلت هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب، وأخبرت بذلك ابن عباس فقال لقد أعانك ملك كريم. حكاه البغوي).
12 -
بمناسبة قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى قال ابن كثير: (كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا وروى مسلم في صحيحة عن محمد بن عمرو بن عطاء قال:
سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تزكوا أنفسكم، إن الله أعلم بأهل البر منكم» فقالوا بم نسميها؟ قال: «سموها زينب» وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: مدح رجل رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلك قطعت عنق صاحبك- مرارا- إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك» وكذا رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه. وروى الإمام أحمد عن همام بن الحارث قال: جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه، قال فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب ويقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب. ورواه مسلم وأبو داود). أقول: المدح والتزكية لهما حالات فالكراهة ليست هي الصورة الوحيدة.
13 -
بمناسبة قوله تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال ابن كثير: (وروى الترمذي في جامعه عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل
أنه قال: «ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» وروى ابن أبي حاتم رحمه الله عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى؟ إنه كان يقول كل ما أصبح وأمسى فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ» حتى ختم الآية. ورواه ابن جرير).
14 -
في أكثر من كتاب للعقاد أبرز القيمة الكبرى لقوله تعالى: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فهي علامة كبيرة على أن هذا الدين دين الله، فالبيئة العربية التي تقول بالثأر الظالم من كل إنسان له صلة بالقاتل لا يمكن أن ينبثق عنها مثل هذا النص، فإن يوجد مثل هذا في القرآن فذلك علامة على أنه من عند الله، وأن تتحدد مسئولية الإنسان عن أعماله وحدها فذلك تصحيح لمسار الفكر البشري على امتداد الزمان والمكان، وهو بذلك يشكل قاعدة من قواعد الخلود لهذا الدين الذي به يرجح على كل دين من خلال هذه القاعدة فقط فضلا عن غيرها. (راجع كتاب مطلع النور للعقاد).
15 -
بمناسبة قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى قال ابن كثير: (ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما.
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به» فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث:«إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه» والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ الآية، والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح:«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» ). أقول: وفي وصول ثواب التلاوة إلى الأموات خلاف بين كثير من العلماء حتى ألفت في ذلك كتب. قال الألوسي: (وفي الأذكار للنووي عليه الرحمة: المشهور من مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وجماعة أنها لا تصل، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء ومن أصحاب الشافعي إلى أنها تصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان، والظاهر أنه إذا قال ذلك ونحوه- كوهبت ثواب ما قرأته لفلان- بقلبه كفى).
16 -
بمناسبة قوله تعالى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: «يا بني أود إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله إلى الجنة أو إلى النار» وذكر البغوي من رواية أبي جعفر عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال: لا فكرة في الرب. قال البغوي وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعا: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق، فإنه لا تحيط به الفكرة» وكذا أورده وليس بمحفوظ بهذا اللفظ، وإنما الذي في الصحيح: «يأتي الشيطان
أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته» والحديث الآخر الذي في السنن: «تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله، فإن الله تعالى خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقة مسيرة ثلاثمائة سنة» أو كما قال).
17 -
بمناسبة قوله تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى قال صاحب الظلال: (وهي الحقيقة الهائلة الواقعة المتكررة في كل لحظة.
فينساها الإنسان لتكرارها أمام عينيه، وهي أعجب من كل عجيبة تبدعها شطحات الخيال! نطفة تمنى
…
تراق
…
إفراز من إفرازات هذا الجسد الإنساني الكثيرة كالعرق والدمع والمخاط! فإذا هي بعد فترة مقدورة في تدبير الله
…
إذا هي ماذا؟ إذا هي إنسان! وإذا هذا الإنسان ذكر وأنثى! كيف؟ كيف تمت هذه العجيبة التي لم تكن- لولا وقوعها- تخطر على الخيال؟ وأين كان هذا الإنسان المركب الشديد التركيب، المعقد الشديد التعقيد؟ أين كان كامنا في النقطة المراقة من تلك النطفة. بل في واحد من ملايين من أجزائها الكثيرة؟ أين كان كامنا بعظمه ولحمه وجلده، وعروقه وشعره وأظافره. وسماته وشياته وملامحه. وخلائقه وطباعه واستعداداته؟! أين في هذه الخلية الميكروسكوبية السابحة هي وملايين من أمثالها في النقطة الواحدة من تلك النطفة التي تمنى؟! وأين على وجه التخصيص كانت خصائص الذكر وخصائص الأنثى في تلك الخلية. تلك التي انبثقت وأعلنت عن نفسها في الجنين في نهاية المطاف؟!
وأي قلب بشري يقف أمام هذه الحقيقة الهائلة العجيبة، ثم يتمالك أو يتماسك.
فضلا على أن يجحد ويتبجح، ويقول: إنها وقعت هكذا والسلام! وسارت في طريقها هكذا والسلام! واهتدت إلى خطها المرسوم هكذا والسلام! أو يتعالم فيقول: إنها سارت هذه السيرة بحكم ما ركب فيها من استعداد لإعادة نوعها، شأنها شأن سائر الأحياء المزودة بهذا الاستعداد! فهذا التفسير يحتاج بدوره إلى تفسير).
يقول الدكتور الطبيب خالص كنجو في كتابه (الطب محراب للإيمان): (إن عدد الصبغيات في كل خلية إنسانية هي 23 زوجا، ويختص من هذه الأزواج زوج واحد فقط في تصميم الأنوثة أو الرجولة بكل الأبعاد في كيان الإنسان العضوي والنفسي، إن مفتاح الذكورة والأنوثة موجود في هذا الزوج من الصبغيات.
ولقد لوحظ أن هذا الزوج متجانس في الأنثى، فهما من شكل واحد، ورمز لهما
بحرف (XX) في حين أن هذا الزوج في الذكر متغاير ورمز لهما بالرمز (YX) وعند الانقسام يصبح أحد الأشكال الأربعة في كل خلية أي: إما (X) أو (X) أو (X) أو (Y) أو بالأصح شكلان فقط هما (X) : و. (Y) ثم ماذا يحدث بعد ذلك.
إن البويضات تحمل صبغيا واحدا فقط ومن شكل واحد (X) بينما تحمل النطف عند الرجل شكلان من الصبغيات صبغي (X) وصبغي. (Y)
والآن لعل الأمر أصبح واضحا في تحديد الجنس، فالنطفة هي المسئولة عن تحديد الجنس؛ لأنها تحمل الأشكال المتغايرة من الصبغيات الجنسية، فإذا حملت نطفة صبغيا اجتمعت نطفة من نوع (X) مع البويضة ذات النوع (X) كان المخلوق أنثى، وإليك بيانا موضحا:
نطفة G (Y) بويضة - (X) ذكر. (YX)
نطفة G (X) بويضة - (X) أنثى. (XX)
وهذا ما ذكره القرآن قبل أربعة عشر قرنا حين أرجع مسئولية تحديد الجنس إلى مني الرجل
…
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى).
18 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ننقل ما قاله صاحب الظلال في (الشعرى) قال: (والشعرى نجم أثقل من الشمس بعشرين مرة، ونوره خمسون ضعف نور الشمس. وهي أبعد من الشمس بمليون ضعف بعد الشمس عنا.
وقد كان هناك من يعبد هذا النجم. وكان هناك من يرصده كنجم ذي شأن.
فتقرير أن الله هو رب الشعرى له مكانه في السورة التي تبدأ بالقسم بالنجم إذا هوى؛ ونتحدث عن الرحلة إلى الملأ الأعلى؛ كما تستهدف تقرير عقيدة التوحيد، ونفي عقيدة الشرك الواهية المتهافتة).
(وقد كان للشعرى من اهتمام الأقدمين حظ كبير. ومما هو معروف أن قدماء المصريين كانوا يوقتون فيضان النيل بعبور الشعرى بالفلك الأعلى. ويرصدونها من أجل هذا ويرقبون حركاتها. ولها شأن في أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء).
19 -
بمناسبة قوله تعالى: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ* لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ قال ابن كثير: (والنذير الحذر لما يعاين من الشر الذي يخشى