الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً* فَالْجارِياتِ يُسْراً* فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً
…
قال ابن كثير: (قال شعبة بن الحجاج
…
عن أبي الطفيل أنه سمع عليا رضي الله عنه، وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك، فقام إليه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى وَالذَّارِياتِ ذَرْواً؟ قال علي رضي الله عنه:
الريح، قال فَالْحامِلاتِ وِقْراً؟ قال رضي الله عنه: السحاب، قال فَالْجارِياتِ يُسْراً؟ قال رضي الله عنه: السفن، قال فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً؟ قال رضي الله عنه: الملائكة).
2 -
عند قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ قال ابن كثير: (روى ابن جرير عن أبي قلابة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«إن من ورائكم الكذاب المضل، وإن رأسه من ورائه حبكا حبكا» يعني بالحبك:
الجعودة، وعن أبي صالح ذاتِ الْحُبُكِ الشدة، وقال خصيف ذاتِ الْحُبُكِ ذات الصفاقة، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري ذاتِ الْحُبُكِ حبكت بالنجوم). أقول: من مثل هذه الأقوال يمكن أن نفهم أن المراد بالحبك في الآية المجرات.
3 -
بمناسبة قوله تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ قال ابن كثير:
(وقال الحسن البصري كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، حتى كان الاستغفار بسحر، وقال قتادة: قال الأحنف بن قيس: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ كانوا لا ينامون إلا قليلا، ثم يقول: لست من أهل هذه الآية. وقال الحسن البصري: كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا، إذا قوم لا نبلغ أعمالهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وعرضت عملي على عمل أهل النار فإذا قوم لا خير فيهم، مكذبون بكتاب الله وبرسل الله، مكذبون بالبعث بعد الموت، فقد وجدت من خيرنا منزلة قوما خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال رجل من بني تميم لأبي: يا أبا أسامة: صفة
لا أجدها فينا، ذكر الله تعالى قوما فقال: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم، فقال له أبي رضي الله عنه طوبى لمن رقد إذا نعس، واتقى إذا استيقظ. وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن انجفل، فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب، فكان أول ما سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل
والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: لمن هي يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وبات لله قائما والناس نيام» وقال معمر في قوله تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ: كان الزهري والحسن يقولان: كانوا كثيرا من الليل ما يصلون، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ما ينامون).
4 -
بمناسبة قوله تعالى: وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال ابن كثير:
(وقال مجاهد وغير واحد: يصلون، وقال آخرون: قاموا الليل وأخروا الاستغفار إلى الأسحار، كما قال تبارك وتعالى وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن. وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: «هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر». وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب أنه قال لبنيه: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي قالوا: أخرهم إلى وقت السحر).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ قال ابن كثير: (أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم، أما السائل فمعروف، وهو الذي يبتدئ بالسؤال وله حق، كما روى الإمام أحمد
…
عن فاطمة بنت الحسين ابن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للسائل حق وإن جاء على فرس» ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري به. ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وروي من حديث الهرماس بن زياد مرفوعا، وأما المحروم
فقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد: هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم، يعني: لا سهم له في بيت المال، ولا كسب له، ولا حرفة يتقوت منها، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه، وقال الضحاك: هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب، قضى الله تعالى له ذلك، وقال أبو قلابة: جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل، فقال رجل من الصحابة رضي الله عنهم: هذا المحروم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما، وعطاء بن أبي رباح: المحروم: المحارف، وقال قتادة والزهري: المحروم: الذي لا يسأل الناس شيئا. قال الزهري: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه» وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر، وقال سعيد بن جبير: هو الذي يجئ وقد قسم المغنم فيرضخ له. وقال محمد بن إسحاق حدثني بعض أصحابنا قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في طريق مكة، فجاء كلب فانتزع عمر رضي الله عنه كتف شاة فرمى بها إليه، وقال: يقولون: إنه المحروم، وقال الشعبي:
أعياني أن أعلم ما المحروم، واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان، وقد ذهب ماله، سواء كان لا يقدر على الكسب أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها. وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا، فجاءه قوم لم يشهدوا الغنيمة فنزلت هذه الآية وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وهذا يقتضي أن هذه مدنية، وليس كذلك، بل هي مكية شاملة لما بعدها).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ قال ابن كثير: (روى مسدد عن الحسن البصري قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا» ورواه ابن جرير- بسنده- عن الحسن مرسلا).
7 -
من مظاهر إعجاز القرآن عدم اختلافه، ومن ذلك أنك تجد سورة تبرز معنى، فتأتي سورة أخرى فتتحدث عنه، ومن الربط بين المعنيين تستشعر أن مثل هذه الدقة يستحيل أن تكون في كتاب بشري، فمثلا في قصة إبراهيم- في سورة الذاريات- يوجد قوله تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ قال ابن كثير: أي في
صرخة عظيمة ورنة، وقال الله عز وجل في سورة هود: قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً
…
فالصرة الواردة في سورة الذاريات يفسرها ما ذكر الله عز وجل على لسانها في سورة هود على رأي ابن عباس ومجاهد وعكرمة وكثيرين من المفسرين.
8 -
نادرا من الناس من يحسن التفريق بين ماهية الإسلام، وماهية الإيمان؛ لأن النصوص الواردة في ذلك متعددة، ولا يحسن كل إنسان توجيهها، قال تعالى في سورة الذاريات: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فههنا الإسلام هو الإيمان، بينما رأينا في سورة الحجرات قوله تعالى:
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ
…
فههنا تفريق بين الإسلام والإيمان، فكيف يجمع بين ما ورد في سورة الحجرات، وما ورد في سورة الذاريات؟ أقول: الإسلام الكامل والإيمان الكامل مترادفان، لأن الإيمان الكامل ما وقر في القلب وصدقه العمل، والإسلام الكامل إسلام القلب والجوارح لله بدينه وشريعته، وقد يوجد- أحيانا- تصديق ولا عمل، وقد يوجد عمل والإيمان الذوقي غير مستقر، وقد يوجد عمل ولا إيمان، ومن ثم يختلف في هذه الصور مفهوم الإيمان عن مفهوم الإسلام، وقد عبر ابن كثير عما ذكرناه تعبيرا لطيفا فقال بمناسبة آيتي سورة الذاريات:(احتج بهذه من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام، لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف، لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس، فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال).
9 -
بمناسبة الكلام عن عاد وهلاكها بالريح العقيم قال ابن كثير: (وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت
بالصبا وأهلكت عاد بالدبور»).
10 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ نقول: إن من القفزات العلمية الكبيرة في تاريخ العلوم الكونية نظريات أينشتاين اليهودي، الذي طرح- لأول مرة في تاريخ البشرية- نظرية عن سعة الكون لم يسبق إليها، حتى صار بعضهم يطلق كلمة الكون الأينشتايني للتعبير عن الكون الواسع، ومع كلامه عن سعة الكون كان يقول: إن الكون ثابت الأبعاد، ثم كان أن صنعت المجاهر الضخمة
فأكدت سعة الكون بما لم يكن يخطر على قلب بشر من قبل، ولكن تبين أن الكون في حالة توسع مطرد، فقد لوحظ من خلال الرصد أن مجرات الكون تنطلق بعيدا عن مركز الكون بسرعة هائلة، ولقد قالوا: إن النظرية الوحيدة من نظريات أينشتاين التي نقضها العلماء هي نظريته في ثبات الكون (راجع العدد الذي يتحدث عن أينشتاين من سلسلة اقرأ) والملاحظ أن قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ قد استعمل فيه اسم الفاعل (موسع) واسم الفاعل في اللغة العربية يفيد- في بعض الحالات- الاستمرار، ومن ثم فإن الآية هنا تشير إلى سعة الكون من ناحية، كما تشير إلى موضوع تمدد الكون وتوسعه المطرد، وفي ذلك ما فيه من إعجاز وسع به هذا القرآن الزمان والمكان، فالذين يريدون أن يعطلوا العمل بهذا القرآن بسبب تقدم العلوم عليهم أن يراجعوا أنفسهم قبل فوات الأوان.
11 -
بمناسبة قوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قال ابن كثير: (أي جميع المخلوقات: أزواج، سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات والنباتات، ولهذا قال تعالى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي:
لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له).
أقول: في عصرنا اتضح معنى الزوجية بشكل أوسع حتى شمل الحيوان والنبات والجماد والمجرات، فما من ذرة إلا وعنصر الزوجية فيها موجود، والآية قالت:
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ فكان فيما اكتشفه الإنسان حتى الآن في هذا الموضوع معجزة من معجزات القرآن.
12 -
إن على الدعاة إلى الله أن يفطنوا إلى دقائق في التربية والدعوة تعرضها علينا نصوص الكتاب والسنة، لأن التفطن لذلك يختصر لنا الطريق، فمثلا ختمت سورة (ق) بقوله تعالى فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ فالذي لا يخاف وعيد الله له خطاب آخر، أما الذي يخاف وعيد الله، فيكفي أن نذكره بالقرآن، حتى يثوب، ومن ثم فعلى المؤمنين أن يذكر بعضهم بعضا بالقرآن إذا رأوا انحرافا من أنفسهم عنه، وفي قوله تعالى في سورة الذاريات: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ما يدل على أن التذكير لا بد أن ينتفع به المؤمن، ومن ثم فلا يصح أن يقول أحد منا: لا فائدة من الكلام فيسكت، سواء مع إخوانه، أو مع المسلمين، فالمسلمون بفضل الله لا زال
في قلوبهم إيمان، والذين قبلوا حمل دعوة الله هم مظنة الخير، وعلى الواحد منا أن يذكر حيثما وجد فرصة، فلا بد أن تترك الذكرى أثرها في نفس المؤمن إن لم يكن حالا فمآلا، إن من أخطر أمراض المسلمين أن ينتشر بينهم الشعور بأنه لا فائدة من التذكير أو العمل.
إن على كل مسلم أن يرث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة التذكير لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ورسولنا عليه الصلاة والسلام أمرنا بالتبليغ، والناس أمامنا قسمان: مؤمنون وكافرون، والكافرون قسمان: قسم ليس لوعيد الله في قلبه محل، وقسم لا زال لوعيد الله في قلبه محل، فأما المؤمن فلا شك أن الذكرى تنفعه، وأما من كان في قلبه محل لوعيد الله فربما انتفع بالتذكير في القرآن، هذا عمر كان كافرا فأسلم على أثر قراءته لشئ من القرآن، كما تذكر بعض الروايات، وأما من ليس في قلبه محل للخوف من وعيد الله، فهذا نقطة البداية في حقه أن تقيم عليه الحجة بوجود الله ثم تسير.
13 -
بمناسبة قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قال صاحب الظلال: (إن معنى العبادة- التي هي غاية الوجود الإنساني، أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى- أوسع وأشمل من مجرد الشعائر؛ وإن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا. وإن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس. أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا وربا. عبدا يعبد. وربا يعبد. وأن ليس وراء ذلك شئ؛ وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود؛ وإلا رب واحد والكل له عبيد.
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر؛ ومن كل معنى غير معنى التعبد لله.
بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة؛ ويصبح العمل كالشعائر، والشعائر كعمارة الأرض، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله .. كلها عبادة؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها؛ وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شئ لله